في رواية مادلين لانغل الكلاسيكية A Wrinkle in Time تسافر الشخصيات من مكان إلى آخر عبر بعد خامس يستخدمونه لـ"ثني" نسيج المكان والزمان. في الكتاب والفيلم القادم المبني عليه نرى أن هذا التنقل فيه غموض روحاني أكثر من كونه علماً!
ويعتقد كثير من العلماء بالفعل أن في الوجود أبعاداً أكثر من الثلاثة الفراغية والبعد الزماني الرابع، والإطار النظري لنظرية الأوتار الفائقة يفترض أن الكون موجود في 10 أبعاد مختلفة، هي التي تحتوي الكون والقوى الأساسية للطبيعة.
ولعل هذه الأبعاد قد تؤثر بالطريقة التي تعمل بها الجاذبية.
كيف لنا أن نعثر على البعد الخامس؟
إحدى طرق التأكد تقوم على استخدام ارتطام نجمين نيوترونيين، مثلما رصد المرصدان LIGO وVirgo باستخدام الموجات التجاذبية عام 2017. ورغم أنهم لم يعثروا على أي أثر لبعد خامس (ناهيك عن سادس أو سابع إلخ) فإن الباحثين الذين نشروا دراستهم مؤخراً على موقع ArXiv شعروا بالإثارة والحماسة.
ذلك لأن البحث عن أبعاد جديدة أمر صعب، فنحن لا نرى سوى 3 أبعاد فراغية (الطول والعرض والعمق) ونرى بعداً زمنياً واحداً مقياسه يومي، فإن كان ثمة بعد خامس، فلابد أنه خفي عن أنظارنا، وهذا يأخذ أي تبعات قابلة للرصد إما إلى عالم متناهي الصغر– هو عالم الفيزياء الجزيئية ونظرية الأوتار- أو إلى عالم شاهق الأحجام، وهنا يأتي دور LIGO وغيره من أدوات القياس الفلكية.
يقول عالم الفيزياء في جامعة برنستون، كريس باردو، الذي قاد فريق الدراسة، متحدثاً إلى موقع ذا ديلي بيست الأميركي "من الرائع حقاً أننا قادرون على قياس هذا الأمر أصلاً. نحن نعرف أن الكون آخذ في التوسع، وهو يتوسع بشكل مطرد التسارع" ولأننا تعوزنا الكلمة المناسبة لوصف هذا التسارع فإننا ندعوه بـ"الطاقة المظلمة" ويقول باردو "لسنا متأكدين من سبب فعله لذلك."
وقد اقترح بعض علماء الفيزياء أن الكون لعل به بعداً أو اثنين آخرين يظهران على أبعاد ضخمة جداً، ما يؤدي إلى تسارع الكون. وفي تلك النظريات ينحصر الضوء والمادة ضمن نطاق الأبعاد الأربعة التي نعرفها، ولكن الجاذبية "تتسرب" إلى الأبعاد الأخرى؛ وبالتالي فإن الجاذبية تضعف كلما نظرنا أبعد في الفضاء، أما بالنسبة للضوء فينبغي ألا يتأثر بالأبعاد الإضافية الأخرى.
المشكلة تكمن في صعوبة اختبار الجاذبية على مقياس كبير جداً، ولكن الجاذبية تصنع موجات تجاذبية – عبارة عن تموجات في الزمكان تنطلق بسرعة الضوء. المرصدان LIGO وVirgo رصدا هذه التموجات التجاذبية من نجمين نيوترونيين متصادمين على مبعدة 130 مليون سنة ضوئية عنا، وهو أمر مثير بحد ذاته؛ بيد أن مراصد أخرى سجلت مشاهدة ضوء من ذلك التصادم، ما يعني أن أمام رواد الفضاء طريقتين مختلفتين جداً لدراسة الحدث نفسه.
تقول مايا فيشباك من جامعة شيكاغو والتي هي جزء من فريق التعاون مع مرصد LIGO "لأول مرة في التاريخ نرى الموجات التجاذبية والضوء ينبثقان من المصدر نفسه."
إن كان في الكون أبعاد إضافية تتسرب إليها الجاذبية، فإن إشارة التموج التجاذبي الصادرة عن النجمين النيوترونيين المتصادمين ستضعف وتخفت، ما سيجعل مصدر تلك التموجات يبدو ويظهر كأنه أبعد مسافة، تماماً مثل نور خافت قد يكون إما مصباحاً كهربائياً خافتاً أو أنه نور أكثر سطوعاً بيد أنه على مسافة أكثر بعداً. إن وهج وسطوع إشارة الضوء وقوة إشارة التموج التجاذبي هما طريقتان مستقلتان عن بعضهما البعض تُستخدمان لقياس بُعد مواقع النجوم النيوترونية المتصادمة عنا.
توضح فيشباك فتقول "الضوء والموجات التجاذبية كلاهما ينطلقان سوياً من المصدر ذاته، فيمكننا قياس المسافة من الموجات التجاذبية، وهي تطابق المسافة مع الضوء."
الواقع أن التطابق بين الضوء والموجات التجاذبية كان مذهلاً، فكلتا الإشارتين عبرت مسافة 130 مليون سنة ضوئية ووصلتنا لا تفصلهما عن بعضهما سوى ثانيتين. ولكي ندرك حجم هذا الرقم فقد حكمت الديناصورات الأرض قبل 130 مليون سنة وتطورت أولى النباتات المزهرة عليها، ولهذا فإن فرقاً مقداره ثانيتان لا يقدم ولا يؤخر كثيراً مقارنة بـ130 مليون سنة ضوئية حسب المقياس الكوني.
بكلمات أخرى، لو كان هناك من أبعاد إضافية، لما شكلت هذه فرقاً أبداً في إِشارة التموج التجاذبي الصادرة عن النجمين النيوترونيين المتصادمين.
ليست خمسة فقط، نظرية الأوتار تفترض ٧ أبعاد أخرى إضافية
يقول باردو "ليس شرطاً أن هذا يستبعد وجود أبعاد إضافية، " فنظرية الأوتار تتنبأ بأشياء كثيرة منها وجود 7 أبعاد إضافية منثنية على نفسها بحجم أصغر من نواة الذرة، ولا تأثيرَ يُقاس لهذه الأبعاد على موجات التجاذب.
كذلك يشير باردو إلى أن الأبعاد الإضافية هذه لو كانت أكبر حجماً من 65 مليون سنة ضوئية، فإن ذلك لن يؤثر بالمقدار الكافي على مقياس مرصد LIGO فيسجل ملاحظتها؛ بكلمات أخرى، قد تكون هناك أبعاد إضافية لكنها من الضخامة بحيث لا LIGO ولا Virgo يستطيعان رصدها لأنهما ليسا على ذلك القدر الهائل من الاستطاعة بعد.
من المقرر أن تُضفى على كلا الأداتين تحسينات وتحديثات لتطويرهما وتمكينهما من رصد المصادر على بعد مسافة تفوق الحالية بـ10 مرات (وفي رفع حساسية رصدهما إلى أكثر بـ10 مرات إشارةٌ إلى أن أدوات القياس في المستقبل ستقدر على اختبار وجود الأبعاد الإضافية بدقة تصل 10 مرات أكثر)، كذلك سيمكن للمرصدين قياس الموجات الأخفت قوة بمقدار العُشر، ما يعني أن علماء الفضاء سيشاهدون المزيد والمزيد من النجوم النيوترونية المتصادمة على مدار السنوات القادمة، باستخدام كل من التلسكوبين؛ العادي الذي يقوم على الضوء والآخر ذي الموجات التجاذبية.
تقول فيشباك "بما أن LIGO الآن يرصد النجوم النيوترونية، أعتقد أن هذا سوف يدفع أصحاب النسخ المعدلة عن نظريات الجاذبية (والتي تضم أبعاداً إضافية) إلى تقديم توقعات ملموسة مدعمة لكيف لهذه القياسات الموجية التجاذبية أن تكون الاختبار لنظريتهم."
وسواء أكان بالكون أكثر من 4 أبعاد أم لا، فإن الموجات التجاذبية قد تكون مفتاح العثور على الجواب، وهذا في النهاية هو أجمل ثنية من ثنايا الزمكان.