أعلن باحثون أنَّهم نجحوا في تطوير أجنِّة خِراف تحتوي على خلايا بشرية، مما يبشر باقتراب زراعة الخلايا البشرية داخل حيوانات أخرى.
وقال علماء، إنَّ فوائد زراعة الخلايا البشرية داخل الحيوانات لا تقتصر على زيادة الأعضاء المتاحة للزراعة فحسب، بل تُقدِّم كذلك إمكانية تعديل الأعضاء وراثياً لتتوافق مع الجهاز المناعي للمريض الذي يتلقاها، وذلك باستخدام بعض خلايا المريض نفسه في هذه العملية، مما يقضي على أي احتمالية تجعل الجسم يرفض هذه الأعضاء، بحسب صحيفة The Guardian البريطانية.
ووفقاً لمركز الدم وزراعة الأعضاء التابع لهيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية، تُوفي نحو 460 شخصاً في عام 2016، وهم ينتظرون زراعة أعضاء، بينما رفضت أجسام أولئك الذين زرعوا أعضاءً بأجسامهم تقبُّل هذه الأعضاء في بعض الأحيان.
وقال بابلو روس الأستاذ في جامعة كاليفورنيا بمدينة ديفيس والعضو ضمن الفريق الذي يعمل على زراعة أعضاء بشرية في الكائنات الأخرى: "حتى أفضل الأعضاء المزروعة تطابقاً مع الأجسام في الوقت الراهن -باستثناء الأعضاء المأخوذة من توأم متطابق- لا تصمد طويلاً بمرور الوقت لأنَّ الجهاز المناعي يهاجمها باستمرار".
وأضاف روس أنَّ نجاح زراعة الأعضاء البشرية داخل كائنات أخرى قد يزيد احتمالية نجاح زراعة الأعضاء عموماً، ما عدا في الحالات الحرجة.
وقال بروس وايتلو، أستاذ التكنولوجيا الحيوية الحيوانية في معهد روزلين الذي شهد استنساخ النعجة دوللي، إنَّه بينما كان هناكٌ طريق طويل لقطعه قبل اكتشاف إمكانية زراعة أعضاء بشرية في حيوانات أخرى، فإنَّ البحث الأخير يُمثِّل "خطوة مهمة نحو الأمام عبر البدء في استكشاف ما إذا كانت الخِراف تُمثِّل خياراً للمشروع "التخيُّلي" المثير".
جديرٌ بالذكر أنَّ هذا النهج مختلفٌ عن نقل الأعضاء من الكائنات الأخرى إلى الإنسان، أو ما يُعرَف بالـxenotransplantation، الذي ما زال يواجه مشكلة رفض الجسم للأعضاء المزروعة، وإن كان يعالج مشكلة ندرة الأعضاء المتاحة للزراعة.
طفرة جديدة
يعكف العلماء باستمرار على محاولات زراعة أعضاء من أحد الكائنات داخل كائنٍ آخر، ومن بين جهودهم السابقة زراعة بنكرياس جِرذ داخل أحد الفئران.
لكنَّ روس وزملاؤه أعلنوا مؤخراً طفرةً كبرى للبشر حين كشفوا عن نجاحهم في إدخال خلايا جذعية بشرية إلى أجنَّة الخنازير وهي في مرحلةٍ مبكرة من تكوُّنها، وأنتجوا أجنَّة تحتوي على خلية بشرية ضمن كل 100 ألف خلية.
ولم يُسمَح لكائنات الكِمير (وهو مصطلح مستوحى من الأساطير اليونانية) هذه بالتطوُّر إلا لمدة 28 يوماً.
أمَّا الآن، وفي الاجتماع الذي عقدته الجمعية الأميركية لتقدُّم العلوم في مدينة أوستن بولاية تكساس الأميركية، أعلن الفريق نجاحه في تحقيق إنجازٍ مشابه باستخدام أجنة الخراف، وتحقيق نسبة أعلى من الخلايا البشرية بين الخلايا الحيوانية، وقال روس: "تبلغ نسبة الخلايا البشرية إلى الخلايا الحيوانية 1:10000 تقريباً في أجنَّة الخراف هذه".
وقال الفريق إنَّه تمكن بالفعل من استخدام تقنيات لتعديل الجينوم لإنتاج أجنَّة من الخنازير والخِراف لا تستطيع تكوين البنكرياس، مع أنَّهم ما زالوا يعملون على تلك المقاربة. ويأمل الفريق في أن تنمو الخلايا البشرية التي أُدخِلَت على هذه الأجنة لتحل محل العضو المفقود.
ويسمح الفريق حاليَّاً لهذه الأجنة بالتطوُّر لمدة 28 عاماً، منها 21 يوماً وهي في رحم الخِراف. وبينما تُعَد هذه المدة كافيةً لرؤية تكوين العضو المفقود عند إدماج الخلايا البشرية في الجنين المُعدَّل وراثياً في نهاية المطاف، قال هيرو ناكوتشي الأستاذ في جامعة ستانفورد والعضو في الفريق إنَّ إجراء تجربةٍ أطول ربما تصل إلى 70 يوماً سيكون أكثر إقناعاً، مع أنَّ ذلك سيتطلب إذنا إضافياً من مجالس المراجعة المؤسسية.
لكنَّ روس قال إنَّ نجاح هذا النهج يقتضي أن تصل نسبة الخلايا البشرية في الجنين إلى 1% تقريباً، ما يعني أنَّ هناك حاجةً إلى مزيدٍ من العمل لزيادة نسبة الخلايا البشرية في هذه الأجنَّة.
وأضاف روس أنَّ هناك العديد من المزايا لاستخدام أجنَّة الخِراف، من بينها سهولة إنتاجها بالتلقيح الصناعي، وقلة عدد الأجنَّة اللازمة للزراعة في الخروف البالغ، ما يعني قلة عدد الأجنَّة اللازمة لإجراء التجربة.
وقال روس: "بالنسبة للخنازير، عادةً ما ننقل 50 جنيناً إلى الخنزير المتلقي. أمَّا في الخراف، فلا نحتاج إلَّا إلى نقل أربعة أجنَّة إلى الخروف المتلقي".
أعضاء الخراف مثل البشر
وذلك بالإضافة إلى أنَّ الخِراف تمتلك أعضاءً معينة تشبه أعضاءنا إلى حدٍّ كبيرٍ، مثل القلب والرئتين، وأثبتت أجنَّتها إمكانية استخدامها مع أجنَّة الماعز لإنتاج حيوانات مُهجَّنة من الخِراف والماعز. وتكوِّن الخراف كما هو الحال بالنسبة للخنازير أعضاءً بأحجامٍ تساوي أحجام أعضاء الجسم البشري تقريباً.
وقال روس إنَّ الأبحاث التي تُجرى على الخنازير مستمرة، مشيراً إلى أنَّ لديها فوائد أخرى، من بينها سرعة النمو والقدرة على إنجاب المزيد من الصغار في وقتٍ واحد أكثر من الأغنام، ما يعني أنَّ عدد الحيوانات اللازمة لإنتاج مزيدٍ من البيانات أقل.
لكن هناك الكثير من المخاوف الأخلاقية، لا سيما إزاء إمكانية امتلاك هذه الكائنات في نهاية المطاف عقلاً يشبه العقل البشري.
وقال روس: "تساورني المخاوف نفسها"، مضيفاً أنَّ الفريق يدرس المنتهى الذي قد تصل إليه الخلايا البشرية في هذه الأجنَّة. وأضاف: "لنقُل إنَّه إذا أشارت نتائج أبحاثنا إلى أنَّ الخلايا البشرية كُلَّها تذهب إلى دماغ الحيوان، فحينئذٍ قد لا نستمر في هذه الإجراءات أبداً".
وأعرب ناكوتشي عن تفاؤله بأنَّ البشر سيتمكنون في نهاية المطاف من تلقِّي أعضاء زُرِعَت في الحيوانات قائلاً: "قد يستغرق الأمر 5 سنوات أو 10 سنوات، لكنَّني أعتقد أننا سنتمكن في نهاية المطاف من فعل ذلك".
وهدَّأ ناكوتشي كذلك من حدة المخاوف قائلاً: "نسبة استخدام الخلايا البشرية حتى الآن قليلة للغاية. والحديث عن تطوُّر خنزير بوجهٍ بشري أو دماغٍ بشري محض هراء. لقد نشرنا عدة أوراق علمية تُبيِّن قدرتنا على استهداف المنطقة المُرادة، ومن ثَمَّ، نستطيع تجنُّب استخدام الخلايا البشرية التي تتحول إلى خلايا دماغية أو غددية تناسلية بشرية".
بيد أنَّ التطورات الأخيرة في تعديل الجينات مكَّنت العلماء من تطوير خنازير صغيرة خالية من هذه الفيروسات، وربما تُمهِّد الطريق بذلك أمام نجاح هذه التجارب، بينما أشار روس إلى أنَّ الخلايا البشرية قد تحل محل أي خلايا متبقية في الحيوان المُضيف بعد زراعتها.
وفي الوقت الراهن، تفرض معاهد الصحة الوطنية في الولايات المتحدة حظراً مؤقتاً على تمويل هذه البحوث، ولكنَّها تتطلع إلى رفع هذا الحظر والاستعاضة عنه بعملية مراجعة. أمَّا في المملكة المتحدة، فيجب على العلماء تقديم طلب إلى وزارة الداخلية للحصول على ترخيص لإجراء بحوثٍ كهذه.