تحفل التقارير الصادرة من كوريا الشمالية بالغموض والغرابة بشأن قائدها الشاب، كيم جونغ-أون، الذي تمكن من إشغال الرأي العام بزرّه النووي الأحمر.
ورحلة البحث عن هذا القائد المثير للجدل لا تجيب عن كل الأسئلة؛ نظراً إلى شح مصادر الأخبار الواردة من الدولة النووية، واقتصار جل المعلومات على وسائل إعلام عالمية، أميركية وبريطانية بالمجمل، تنقل عن وسائل كورية جنوبية.
تميز هذا الرجل طوال فترة حكمه بالقرارات الصادمة، من ضمنها قتل عمه بتهمة الخيانة العظمى. وفي ملابسة عام 2015، تداولت تقارير إعلامية أجنبية نبأ إعدامه رئيس المهندسين الذين شاركوا ببناء مطار جديد في بيونغ يانغ، ويدعى ما وون تشان؛ لأن التصميم لم يعجبه، ليظهر الرجل بعد 11 شهراً! ثم صدر تقرير آخر عن إعدامه وزير الدفاع، هيون يونغ تشول، بمدفع رشاش؛ بسبب نومه في عرض عسكري!
كل هذه التقارير الغربية والمحيّرة كانت كفيلة بعكس صورة مريبة للزعيم الكوري داخل بلاده وخارجها.
وفي هذا التقرير، نقف عند ظاهرة غريبة تحيط بالزعيم، وهي الصور التي أصدرتها كوريا الشمالية، عبر وكالتها الرسمية للأنباء، والتي تُظهر بكاء السيدات بشكل هستيري عند رؤيته، على الرغم من ابتسامة الرئيس نفسه في الصور. ورغم الاجواء الاحتفالية بزيارة الرئيس، فإن السيدات يبكين بطريقة غير مفهومة، الأمر الذي لفت انتباه المحللين السياسيين ورصدته الكثير من المواقع الإخبارية.
ما السبب الذي يدفعهم لهذا البكاء الهستيري؟!
لا يمكن أن يكون هذا البكاء نوعاً من الولاء والحب الشديد للديكتاتور، الذي يحكم شعبه بقبضة من حديد ويراقب كل ما يفعلونه ويمنع تواصلهم مع العالم. فوسائل الإعلام تبث على مدار الوقت تعظيماً لكيم جونغ-أون ووالده وجده، في الوقت الذي يعاني شعبه الفقر والجوع الذي ينهش فيه!
إذ أشار تقرير أسترالي إلى أن كوريا الشمالية تخصص ما قيمته 20% من ناتجها القومي للإنفاق العسكري، الأمر الذي يؤثر على قطاعات الحياة الأخرى. ووفقاً للأمم المتحدة، فإن 2 من أصل 5 مواطنين يعانون سوء التغذية، وإن 70% من الشعب بحاجة إلى معونات، ومن ضمنهم 1.3 مليون طفل تحت عمر 5 سنوات. بينما يتراوح الدخل الفردي في السنة من 1000 إلى 2000 دولار فقط.
لذا، يميل الخبراء إلى اعتبار ذلك البكاء نوعاً من أنواع الخوف أو اتقاء شر كيم جونغ-أون، فتراهن يتصنَّعن البكاء من فرط عدم تصديقهن مخالطة الزعيم!
بدورها، قالت أستاذة الدراسات الكورية بجامعة هامبورغ إيفون شالتز زيندا، إن معاملة الشعب أفراد عائلة كيم تشبه معاملة الآلهة، وهي جزء من ثقافة "عبادة الشخصية"، بدأت منذ عهد جده كيم إيل سونغ.
ويقول محلل الشؤون الكورية بالمعهد الكوري للتسوية الوطنية في سيول بارك، جونغ شول، إن الدموع التي ذُرفت في جنازة الجد كانت حقيقية، وتجمع بين الحزن والخوف، ولفت في تصريح لصحيفة "نيويورك تايمز"، إلى أن الآخرين بكوا؛ لأنهم شعروا بأنهم السبب، وآخرون لأنهم شعروا بأنهم مراقَبون. ومهما كانت أسباب تلك الدموع بحضور كيم، فهي ليست السعادة، على حد تعبيره.
قصص المعاناة يرويها الهاربون
جدير بالذكر أن "سكاي نيوز" نشرت مؤخراً مقابلة مع أحد الهاربين من النظام الديكتاتوري في كوريا الشمالية، يحكي فيها عما يعانيه الشعب الكوري الشمالي في ظلّ حكم كيم جونغ-أون، وأوضح أن ما نشاهده على شاشات التلفزة من احتفالات صاخبة ومظاهر الولاء والتصفيق المدوّي لزعيم البلاد، ليس سوى حيلة يحافظ بها الشعب الكوري الشمالي على حياته؛ لأنهم إن لم يصفقوا فسيكون الموت مصيرهم!
ومن خلال البروباغندا والسياسة الإعلامية، يسيطر النظام في كوريا الشمالية على أفكار الشعب بحيث يصبح الرئيس رمزاً مقدساً. الأمر أشبه بعبادة للشخصية والرمز، فهذا الجيل والأجيال الثلاثة السابقة لهؤلاء الزعماء ذوي الشخصيات النرجسية، قاموا بمحو كل شيء في ثقافة البلاد ما عداهم.
يُذكر أن الناشطة الكورية الشمالية يونمي بارك طالبت الغرب، خلال احتفال بعنوان "النساء حول العالم"، بعدم التعامل مع الرئيس كيم جونغ-أون على أنه شخصية مضحكة؛ لأنه يقتل ملايين الأشخاص من شعبه. وأوضحت أن الإنترنت ممنوع في بلادها، ولا توجد سوى قناة واحدة بالتلفاز تمجِّد زعيمهم ليل نهار؛ بل إنه ليس لديهم الحرية حتى في التفكير فيما يريدونه!
وأشارت إلى أن والدتها كانت تحذّرها من الهمس؛ لأن "الطيور والفئران قد تسمعك"، مضيفةً أن الفقر دفعهم في بعض الأحيان إلى "أكل الجراد والحشرات الطائرة؛ بسبب نفاد الأرز".
سر الملاحظات التي لا تنتهي
من ناحية أخرى، يتم تصوير كيم جونغ-أون غالباً وهو يلقي الخطابات، ويتفقد المدارس والمزارع، ويحضر مختلف الاحتفالات. وتُظهر وسائل الاعلام أيضاً أشخاصاً يرافقون الزعيم أينما حل، ليبدو كأنهم لا يتوقفون عن تدوين الملاحظات.
يوضح البروفيسور جايمس غرايسون، وهو خبير في الشؤون الكورية الشمالية بجامعة شيفيلد، أن ما يحدث فعلاً هو عبارة عن استعراض للقوة المزعومة للزعيم، وحكمته، واهتمامه الكبير بشؤون بلاده، فهو القائد العظيم الذي يمنح الإرشادات والتوجيهات الهادفة طوال الوقت!
كوريا الشمالية أسعد دولة؟
وعلى الرغم من معاناة هذا الشعب المسكين الذي يرتعد خوفاً من قائده، فإن وسائل الاعلام الكورية الشمالية أظهرت مؤشر سعادة خاصاً بها، اعتبرت فيه أن دولتهم من أوائل الدول في قائمة السعادة، بينما تأتي الولايات المتحدة في آخر القائمة؛ ليُشعروا الشعب دائماً بأنه أفضل شعوب العالم!
وكانت الدنمارك حلَّت بالمركز الأول على مؤشر السعادة العالمي لعام 2017، وذلك بناء على معايير تأخذ بعين الاعتبار تعزيز الأمان الاجتماعي والمساواة لزيادة رفاهية مواطني الدول. ومنذ عام 2012، تعتبر الدول الإسكندنافية هي الأسعد.
وأخيراً.. بعض ما نعرفه عن كيم
لا تشير أية مصادر موثقة إلى يوم ميلاده بالتحديد، ولكن موقع ويكيبيديا العالمي يذكر أنه وُلد بين 8 يناير/كانون الثاني من عام 1982 و8 يناير/كانون الثاني 1984.
تسلَّم مقاليد الحكم عام 2011، ليصبح القائد الأول للدولة بعد مؤسسها. لم يسبق ظهوره في وسائل الإعلام قبل تسلُّمه الحكم، ولا يوجد ما يشير إلى تلقِّيه دراسات أكاديمية أو عسكرية في دول غربية.
الألقاب التي يحملها
رئيس حزب العمال الكوري
رئيس اللجنة العسكرية المركزية
رئيس لجنة شؤون الدولة
القائد الأعلى للجيش الشعبي الكوري عضو هيئة رئاسة المكتب السياسي لحزب العمال الكوري
يحمل شهادتين؛ الأولى في الفيزياء من جامعة كيم سونغ-إيل، والأخرى من كلية كيم سونغ العسكرية.
متزوج بسيدة تدعى ري جو سول، وله منها ابنة رآها الممثل الأميركي دينيس رودمان في زيارة له هناك، إلا أن وسائل الإعلام الكورية الجنوبية تتوقع أن له أولاداً أكثر.
ويصبُّ الغموض الذي يلفُّ حياة كيم الخاصة في التيار السياسي السائد، الذي يقدس شخصية القائد الزعيم ويعطيه الضوء الأخضر للتحكُّم واتخاذ القرارات مهما كان الثمن.