وزير الصحة كان مدخناً والأطباء في المشافي أيضاً، حتى داخل البرلمان ومراكز الشرطة! كيف أقلعت هذه الدولة عن التدخين بمعجزة

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/21 الساعة 06:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/21 الساعة 06:35 بتوقيت غرينتش

لم يكن بمقدور أية حملة، ولا أي تحذيرٍ صحيّ تحقيق ما حدث. ولفترة طويلة، لم يكن حتى في استطاعة أي تغيُّرٍ بسعر علبة السجائر تحقيقه.

لكن، وفيما تعلَّموا أن يعيشوا على أشياءٍ أقل، فقد حظى اليونانيون بتميُّزٍ غير اعتيادي هو إقلاعهم عن تدخين السجائر بأرقامٍ قياسية، وفق تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.

في قصةٍ مُشرِقةٍ نادرة تأتي من بلدٍ تحاصره الأزمات، فإنَّ الخبراء ممَّن ألقوا باللوم على وباء التدخين في الحالة الحرجة التي يقبع فيها نظام اليونان الصحيّ هُم الآن في مزاجٍ حماسيّ.

وقال بنايوتيس بيراكيس، الذي يرأس قوة العمل المشترك للحدِّ من التدخين في أوروبا: "أنا متأكدٌ بنسبة 100% أنَّنا قد حللنا المشكلة، إنها مسألة وقتٍ لا أكثر الآن".

وبيراكيس هو اختصاصيٌّ بوظائف الجهاز التنفسي، ولطالما كان في مقدِّمة الجهود الدولية لمحاربة إدمان النيكوتين والموت المُبكِّر بسبب التدخين، ولذا فإنَّ الأستاذ السابق بجامعة هارفارد لم ينجرف في تيار المبالغات. إذ إن اليونان ما زالت تتصدَّر قوائم موقع يوروستات الإحصائي للمدخنين بانتظامٍ يومي، بنسبة 27%.

وفي المستشفيات بجميع أرجاء البلاد، لا يمانع الأطباء إشعال السجائر، وفي البرلمان ينفث أعضاء البرلمان دخان السجائر دون خجل، بينما تجد مخافر الشرطة، لا اختلاف عن غيرها، يشغلها ضبَّاطٌ يُمسِكون السجائر بين أصابعهم.

وقد جرى الاستهزاء بمحاولةٍ لمنع التدخين في الأماكن العامة المغلقة منذ يوم الإعلان عنها في بداية أزمة اليونان الاقتصادية أواخر عام 2009. وكما حكمت النزعة الفطرية المُناهِضة للاستبداد لدى زبائنهم، أعلن مالكو الحانات والمطاعم أنَّهم -ببساطة- سيعيدون منفضات السجائر على الطاولات مجدداً.

لكن إن كانت القدوة غير موجودة في دولةٍ يُمكن لوزير الصحة نفسه أن يدخِّن فيها، فقد أظهرت الدراسات الأخيرة تحوُّلاً جذرياً في موقف اليونانيين من التبغ. وهذا الشهر، يناير/كانون الثاني، أعلن بيراكيس انخفاض عدد المُدخِّنين بنسبة 9.6 نقاطٍ مئوية على مدار السنوات الخمس الأخيرة.

وفي عام 2012، في آخر إحصائيةٍ أجراها، قال 36.7% من اليونانيين إنَّهم إمَّا مُدخِّنون منتظمون أو بشكلٍ عابر. في عام 2017 انخفضت تلك النسبة إلى 27.1%.

وقال: "يُعد هذا انخفاضاً بنسبة نقطتين مئويتين تقريباً كل عام. وهو رقمٌ مرتفع، بل إنَّه رقمٌ قياسي في الحقيقة". وكان هناك انخفاضٌ ملحوظ على كلا جانبي طيف الأعمار في اليونانيين أنَّهم إما يتوقَّفون عن التدخين أو لا يبدأون بعادة التدخين من الأساس.

ونتيجةً لذلك، فإن استهلاك التبغ قد انخفض للنصف تقريباً على مدار السنوات العشر الأخيرة مما يُقَدَّر بـ35.1 مليار سيجارة في عام 2007 إلى 17.9 مليار في 2016.

وقال بيراكيس: "نسبة 13% فقط من اليونانيين فوق سن الخامسة والستين يُدخِّنون، ونحن الآن نرى ثمار سنواتٍ من الحملات المُناهِضة للتدخين في المدارس، في انخفاضٍ كبيرٍ في عددِ اليونانيين تحت سن الرابعة والعشرين ممَّن يصبحون مُدخِّنين. معركتنا هي مع مَن هُم في منتصف أعمارهم".

تضاعف عدد عيادات ومحاضرات الإقلاع عن التدخين منذ بداية أزمة اليونان الاقتصادية. وقالت آليكي موريكي، وهي عالمة اجتماعٍ بارزة: "يُقلِع الناسُ عن التدخين لأسبابٍ مالية أكثر منها صحية. ولا يزال هناك الكثير من المُدخِّنين المُتعصِّبين في البلاد".

لكن بيراكيس يختلف مع هذا الرأي، إذ قال إن الانخفاض الأكبر الذي شهده كان بين مَن يجنون دخلاً أعلى. وفي حين أنَّ السياسيين لم يقوموا بما يكفي لفرض قانون حظر التدخين حتى تواكب اليونان القانون الأوروبي لمكافحة التدخين، فقد أظهرت هذه الإحصائية أن الأغلبية العظمى من اليونانيين يؤمنون الآن بأن التقليل من ميل الدولة بأكملها للنيكوتين يجب النظر إليه على أنَّه هدفٌ قومي.

وقال: "إذا كان التدخين في هذه لبلاد أشبه بوعاءٍ ذا ثُقبَين، فإنَّ ما نراه الآن هوَ أنَّ الصنابير التي تغذّيه تُغلَق ببطء. إنَّه نصرٌ أخلاقيّ".

علامات:
تحميل المزيد