في الممر المظلم الذي يربط ساحة الاندلس بالرحبة القديمة ومسجد سيدي وسيدي بمدينة تارودانت، يقع منزل سي علال. وفي الطابق السفلي الرطب يوجد بيت الطلاب، أبطال الرواية.
بيت يتكون من غرف ثلاثة تأوي جدرانها أربعة شباب، تلتقي الأجساد في تلك البقعة وتهيم الأرواح في أفلاكها، كل روح في عالمها الخاص.
إنه العالم الذي يرصده الكاتب المغربي السعيد الخيز في روايته "قطف الجمر"، من أحوال الشباب المغربي والعربي. يتحدث عن حياتهم وأحلامهم، وأوجاعهم، وعما يواجههم في الواقع، ويشاركنا تطلعاتهم وسط قسوة الحياة. يكشف لنا رغباتهم الجنسية وشهواتهم، ويروي صراعهم بين المثاليات والواقع، وصراع المحتدم داخلهم حول كل ما هو متناقض.
للرواية أربعة أبطال، أيور وأسامة وياسين وأيمن، لكل منهم حكاية، تلتقي تلك الحكايات في برزخ منزل سيدي علال.
يشترك ياسين، وأيور، وأسامة، وأيمن في السكن، بينما يتشارك أيور وياسين الغرفة والدراسة كذلك، يدرس الاثنان في المدرسة الثانوية بمدينة تارودانت، أما أيمن وأسامة فطالبان جامعيان، يعيش كل منهما بغرفة مستقلة في البيت، ليكون البيت وسكانه الأربع نموذج مصغر لشباب المجتمع المغربي والعربي.
أسامة: الحب الضائع
يحب أسامة الفتى العشريني، الذي يدرس في العام الأخير من الثانوية، كريمة زميلته ذات الثمانية عشر عاماً، يرفض ياسين أن يمسها، لكن الشهوة بداخله تشتعل ويقوده ذلك إلى ما يرفضه.
ولدت تلك العلاقة عند ياسين صراع داخلي بين ماضيه القروي المتدين، الذي يرى في فعلته حرمانية وانتقاصاً لنخوته، لكنه غير قادر على مواجهة ضعفه وشهوته الجنسية، تقوده تلك العلاقة الى فشل دراسي، وتحطُم حياة كريمة حبيبته.
أيمن: الصعود إلى الجحيم
يجد أيمن الذي تسوقه الحياة نفسه منغمساً في الخطيئة، فهو يبيع جسده للنساء الأربعينيات، من أجل بعض الأوراق المالية والهدايا، ليجد نفسه غريقاً في بئر من الانحدار.
بدأت علاقته مع راضية زوجة سي علال صاحب المنزل، لتمتد بعد ذلك علاقته بنساء أخريات يرغبن في متع جنسية خارج سرير الزوجية. ومع أنه لا ينكر أنه يجد بعض المتعة في علاقته بتلك النساء الناضجات مكتملات الأنوثة، لكنه أصبح يرى نفسه كأداة جنسية أو قطعة غيار مستهلكة قذرة خُلقت لتلبي حاجة تلك النساء، فتدفعه تلك اللذة المحرمة إلى الشعور بالضياع الداخلي، الذي يقوده إلى إدمان الحشيش، وتتحول حياته إلى جحيم .
ياسين: أقصر طريق للموت
ينعزل عن الجميع، واختار أقصر الطرق للحصول على المادة، سائراً في الطريق الذي يوفر له ارتداء الملابس من كلفين كلاين، وزارا، فاختار أن يحصل على أحدث الحواسب والهواتف.
وكان المقابل أن يبيع جسده هو الآخر، لكنه رأى أن وسامته وذكورته سلعة تروج عند الذكور أكثر من الإناث، لتنتهي حياته ويلقي حتفه في حفلة لمجموعة من السائحين الشواذ.
أيور: آخر قلعة للأخلاق
يظهر أيور في الرواية مرادفاً لضمير المجتمع الصامت المواجه. أيور الطالب الثانوي المحب للقراءة والأدب والشعر، يمثل النقطة البيضاء القادرة على مواجهة الغربة والضياع، فهو مازال نظيفاً لم يلوثه عفن الحياة.
مثلت شخصية أيور آخر القلاع المتبقية للمحافظة على أخلاق المجتمع وصفاته الأصيلة، فأيور رغم اختلافه مع الجميع، إلا أنه ظل الصخرة التي يلقي الجميع عليها همومهم وأوجاعهم، فهو وإن كان أصغرهم سناً، لكنه الأذن التي تصغي للجميع، والعقل الناصح حتى وإن صمت، فنظراته لياسين تكفي لإيقاظه وتنبيهه، حتى أسامة المنعزل كان يجد في إفضائه لأيور راحة وطمأنينة، بل حتى كريمه كانت تجد في أشعار أيور وكلماته مذاقاً خاصاً وراحة شاعرية.
الجنس: ما يستعصي على الترويض
كان الجنس هو البطل الخامس للرواية، فقد كان أهم محاور العمل، وبالتأكيد تعد الشهوة الجنسية وصعوبة الارتباط إحدى المشكلات التي تواجه الشباب الحالي، خاصة في ظل غلاء المعيشة وصعوبات الزواج.
لكن تناول الكاتب لتلك المشكلة كان من منظور ضيق، يجعل القارئ يعتقد أن كبح جماح الشهوة أمر مستحيل، كأن تلك اعظم مشكلات الشباب المغربي.
كما أن الرواية قد افتقدت إلى عنصر الخيال، فالكاتب وأن أكثر من الوصف والتعبير، إلى أنه لم يكن قادراً على رسم صورة تعلق بذهن الكاتب، خاصة أن اللغة لم تكن قوية بالقدر الذي يجعل القارئ يغرق في الحوار والأحداث.
الصراعات: ثقافة وهوية ولغة وكل شيء
عبر الشاعر عن صراع الثقافة والهوية بإستخدام أشخاص روايته، فقدمت الرواية في شخصياتها الحرب بين الهوية الشرقية الدينية المحافظة والهوية الغربية المتحررة، والصراع بين الجنس والشهوة من جهة وبين القيم والحب من الجهة الأخرى.
كما أسقطت الرواية الضوء على طرق الشباب في مواجهة الحياة للوصول إلى المال، تلك المادة التي أودت بحياة أحد أبطال الرواية وكادت تنهي حياة الآخر.
ورسم الكاتب بقلمه صورة للمجتمع المغربي من الداخل، وكيف يعاني المغتربون من أهل الريف والضواحي حين يواجهون المدينة، فيجدون معاناة حياتية وثقافية، وحتى في التواصل واللغة، فهم يتحدثون الأمازيغية كلغة أولى في قراهم ومدنهم الصغيرة، فإذا انتقلوا إلى المدن وجدوا العربية والفرنسية لغات أساسية، ما يضيف لصعابهم ومشقة حياتهم.
واستطاع الكاتب أن يلقي الضوء على الأفكار العظيمة التي يحملها الشباب العربي في عقله، فرسومات ناجي العلي وأشعار محمود درويش، وصور جيفارا، واحتجاجات الطلاب وغيرها من رموز القضايا الهامة للشباب العربي كانت حاضرة في العمل، ليتحدث بواقعية عن شباب المجتمع العربي وليس المجتمع المغاربي فقط.
تأتي تلك الرواية للكاتب السعيد الخيز بعد روايتي "سجن الهوامش"، و"نوستالجيا الحب والدمار"، وقد صدرت الرواية في سبتمبر/أيلول من العام الماضي من قبل دار كيان المصرية في عدد 240 ورقة.
الكتاب: قطف الجمر
الكاتب: السعيد الخيز
الناشر: دار كيان المصرية
عدد الصفحات: 240 صفحة