إذا كنتم تريدون زيارة المريخ، فسيكون عام 2018 وقتاً مناسباً جداً للذهاب إلى هناك.
ونقلاً عن صحيفة The Guardian البريطانية، ففي شهر يوليو/تموز 2018، سيصبح كوكبا الأرض والمريخ أقرب إلى بعضهما البعض من أي وقتٍ مضى في الأعوام الـ15 الماضية؛ إذ سيكون الكوكبان في حالة اقتران، حين يصل المريخ إلى أقرب نقطة له من الشمس بمداره البيضاوي، بينما تمر الأرض في الوقت نفسه بين المريخ والشمس.
ونظراً إلى احتمالية انخفاض المسافة بينهما إلى 35 مليون ميل (56 مليون كيلومتر) -وهي مسافةٌ هائلة بالنسبة للمعايير السائدة على كوكب الأرض، لكنَّها بسيطة على نطاق السفر بين الكواكب- فقد يتمكن المرء نظرياً من إجراء رحلة ذهابٍ فقط إلى المريخ في مدةٍ تتخطى 200 يوم بقليل (مُقارنةً بـ250 يوماً حين تكون المسافة بين الكوكبين أطول).
ولكن مع الأسف، لسنا مستعدين لإرسال بَشَرٍ إلى المريخ في العام الجاري. وصحيحٌ أنَّ مؤسسة Inspiration Mars التي أسسها رائد الفضاء الأميركي دينيس تيتو، تبنَّت مشروعاً كان يعتزم إرسال زوجين على متن "مركبةٍ فضائية" إلى المريخ في العام الجاري، لكن اتضح أنَّ هناك تحدياتٍ هائلة أدت إلى إلغاء الرحلة.
وأحرز البشر تقدماً هائلاً على مرِّ السنوات الأخيرة باستخدام مركباتٍ وروبوتات، لكنَّنا لا نزال بحاجةٍ إلى فهم الكثير عن كيفية إرسال أشخاصٍ إلى المريخ بأمان وأسعار معقولة. بيد أنَّ الوقت يمضي. وتعتزم وكالة ناسا إرسال أول بعثةٍ بشرية تهبط على سطح المريخ في غضون 15 عاماً، حين يقترب كوكبا الأرض والمريخ بعضهما من بعض اقتراباً شديداً مرةً أخرى.
بل تستهدف شركة سبيس إكس الأميركية لتكنولوجيا الفضاء هدفاً أكثر طموحاً بتحقيق ذلك في عام 2024.
لذ،ا فالسؤال هو: هل سنكون مستعدين؟
إذا أردنا إرسال بَشَرٍ إلى سطح المريخ في السنوات الـ15 المقبلة، فسنحتاج إلى علاج 3 تحدياتٍ كبرى: الصواريخ، والشعور بالملل، والإشعاع. نستعرض هنا مُلخَّصاً موجزاً للمشكلات الثلاث، وخطط العام الجاري والأعوام المقبلة لمواجهتها.
1- الصواريخ
ما المشكلة؟ يُعَد إرسال البشر إلى المريخ أمراً مُكلِّفاً. وفي ظل التقنيات الحالية، قد تتراوح تكلفة رحلة العودة ما بين 100 و500 مليار دولار.
هل تشمل هذه التكلفة الوجبات في أثناء الرحلة؟ حتى لو تغاضينا عن تكلفة الوجبات الزهيدة، فالطريقة الوحيدة لخفض هذه التكاليف وحل المشاكل الاقتصادية المتعلقة بالسفر إلى المريخ، هي صناعة صواريخ قابلة لإعادة الاستخدام.
هل هذا ممكن؟ يعتقد إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة سبيس إكس، ذلك؛ إذ إنَّ شركته أثبتت ذلك بالفعل عن طريق إطلاق صاروخ فالكون 9 وهبوطه مرةً أخرى. وفي العام الجاري، تُخطِّط الشركة لإجراء أول رحلةٍ تجريبية لصاروخ "فالكون الثقيل".
وفي حالة نجاح هذه التجربة، فستُمثِّل خطوةً حاسمة نحو إثبات قدرة "سبيس إكس" على إرسال مركباتٍ فضائية خارج مدار الأرض.
ما الذي سيتبع ذلك؟ تُخطط "سبيس إكس"، في نهاية المطاف، لاستخدام صاروخٍ واحد يناسب جميع الأحجام -تحت اسم BFR- قادر على حمل 100 شخصٍ وحمولةٍ تبلغ 150 ألف كيلوغرام بدلاً من أسطول الصواريخ الذي تمتلكه حالياً.
والشيء المهم الذي يجب معرفته هو أنَّ معظم أجزاء هذا الصاروخ الجديد ستكون قابلة لإعادة الاستخدام، مما يخفض التكاليف تخفيضاً هائلاً.
يبدو ذلك عظيماً، متى سنسافر إلى هناك؟ من المُقرِّر إرسال رحلتين دون بَشَرٍ بصاروخ BFR في عام 2022، على أن تتبعهما رحلتان أخريان دون بَشَرٍ ورحلتان تتضمنان بَشَراً في أوائل عام 2024.
إذن، هل تعتقد أنَّنا سنكون مستعدين في غضون 15 عاماً؟ نعم، بشكل شبه مؤكَّد. صحيحٌ أنَّ الجداول الزمنية لشركة سبيس إكس قد تُخطئ، لكن بالنظر إلى سجل ماسك الحافل بالإنجازات، تبدو الأمور جيدة.
2- الشعور بالملل
ما المشكلة؟ ستكون الرحلة إلى المريخ مُملةً للغاية.
لم يُشكِّل ذلك مشلكةً قط في فيلم Star Trek، فكيف ذلك؟ قد يُسفر البقاء فتراتٍ طويلة بلا تحفيز، إلى جانب التحديق في الاتساع الأسود للفضاء، عن الإصابة بالاكتئاب ونقص الانتباه.
حسناً، ولكنَّهم رواد فضاء وقادرون على التعامل مع ذلك، أليس كذلك؟ بلى، يخضع رواد الفضاء لاختبارات نفسية مُكثَّفة. ولكن لا توجد رحلة على مرِّ التاريخ كانت تواجه تحديات الإصابة بالملل كرحلة المريخ.
فماذا نفعل حيال ذلك؟ هناك الكثير من الأشياء التي يُمكن تعلُّمها على كوكب الأرض. ولعل أبرز مثال على ذلك هو مشروع Hi-Seas (أو التناظر والمحاكاة في استكشاف الفضاء بولاية هاواي) الذي كان يعمل على مرِّ السنوات الخمس الماضية.
إذ وُضِع مجموعة من رواد الفضاء في عزلةٍ لمدة تصل إلى 8 أشهُر على جانب أحد البراكين؛ بهدف محاكاة ظروف الحياة على سطح المريخ، وفهم الآثار النفسية فهماً أفضل.
وماذا تعلَّمنا؟ أنَّ البقاء في حالة انشغال من أفضل الطرق للتعامل مع الملل. ففي أثناء عمليات المحاكاة بولاية هاواي، كانت جداول أعمال المشاركين مزدحمةً بالعمل من غروب الشمس إلى شروقها. وفي وقتٍ لاحق من العام الجاري، ستشارك مجموعةٌ أخرى وسنتعلم المزيد من الأمور.
عملٌ طوال الوقت بلا ترفيه! يعتقد إيلون ماسك أنَّ إحدى الوسائل الضرورية لاجتذاب الناس إلى زيارة المريخ بالفعل تتمثل في أن تكون الرحلة ممتعة. ولذا خُطِّط لتزويد مقصورات طاقم صاروخ BFR بألعابٍ قائمة على انعدام الجاذبية، وأفلام وقاعات محاضرات ومقصورات ومطعم، ويعتقد ماسك أنَّ الركاب "سيحظون بوقتٍ رائع!".
إذاً، هل سنكون مستعدين في غضون 15 عاماً؟ لن تكون هناك أي وسيلةٍ لمعرفة ذلك حتى نُحقِّقه بالفعل، ولكن هناك علاماتٍ إيجابية.
3- الإشعاع
ما المشكلة؟ التعرُّض للإشعاع الكوني الشمسي الخَطِر الذي قد يُسبِّب الإصابة بضعف البصر والخَرَف والسرطان.
هل يجب أن أصطحب معي كريماً واقياً من الشمس؟ لن يُجدي ذلك نفعاً خارج حدود الحماية التي يوفِّرها الغلاف الجوي والمجال المغناطيسي لكوكب الأرض؛ إذ قد تُعرِّضك رحلة ذهابٍ فقط إلى المريخ لإشعاعٍ أكبر بـ15 ضعفاً من حد الإشعاعات السنوي المسموح به لكل عاملٍ من عمال محطات الطاقة النووية.
ما هي متطلبات حماية رواد الفضاء؟ هناك عدة خيارات للوقاية: زيادة سُمك هيكل المركبات الفضائية، واستخدام أغلفة مملوءة بالماء للتبريد. لكنَّ هذه الاحتياطات مُعرَّضة للاختراق بسهولة من جانب أي أشعةٍ عالية الطاقة.
أنا متيقنٌ من أنَّ تكلفة الوقاية ليست بسيطة. نعم، هذا صحيح. فتغليف المركبات يزيد الكتلة، مما يزيد استهلاك الوقود، ويؤدي إلى زيادة تكلفة أي رحلة.
فكيف نتعامل مع هذه المشكلة؟ ستكون الأولوية على مرِّ السنوات العشر القادمة لإجراء البحوث؛ إذ تساعدنا البيانات الواردة من المحطة الفضائية الدولية، ومختبر علوم المريخ، وحتى مركبة "فوياغر 1" الفضائية بالفعل على رسم صورةٍ أكثر تفصيلاً لـ"طقس الفضاء"، مما سيسمح بتخطيطٍ أفضل للرحلات واختيار توقيتٍ أنسب لها.
هل هناك أي أحداث قادمة في العام الجاري؟ في شهر مايو/أيار، ستُطلق وكالة ناسا مركبة "إنسايت" التي طال انتظارها، إلى المريخ (للاستكشاف الداخلي باستخدام البحوث الزلزالية وعلم تقسيم الأرض "الجيوديسيا" والنقل الحراري).
وتتمثل المهمة الأساسية لهذه المركبة -التي من المقرر أن تهبط على المريخ في أواخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني- في فهم النشاط الزلزالي على سطح المريخ، ولكنَّها ستسعى كذلك لدراسة السلوك الإشعاعي الناجم عن الرياح الشمسية على سطح المريخ باستخدام مقياسٍ للمغناطيسية على متنها.
وماذا عن المدى الطويل؟ قد يكون الحل الأفضل في نهاية المطاف هو زيادة سرعة الوصول إلى المريخ؛ لتقليل وقت التعرُّض للإشعاع إلى أدنى حد، لكنَّ ذلك يعني استخدام صواريخ أسرع.
إذن، هل سنكون مستعدين في غضون 15 عاماً؟ هذا غير مؤكَّد. يُمكن القول إنَّ الإشعاع يُشكِّل أكبر تهديدٍ لنا. ومن الواضح أنَّ التحديات في سبيل إرسال البشر إلى المريخ هائلة.
ولكنَّ الفرص المتاحة لذلك هائلةٌ أيضاً، ولا أزال متفائلاً بأنَّنا سنرى أثر قدمٍ بشرية على المريخ في السنوات الـ15 المُقبلة. وكما قال إيلون ماسك ذات مرة: "أعتقد أنَّ المستقبل سيكون أكثر إثارةً وروعةً بكثير إذا أصبحنا حضارةً تتسم بكثرة الرحلات الفضائية ووجود أجناسٍ مختلفة من عدة كواكب مما إذا عشنا حياةً خالية من ذلك".
وكانت شركة إيكيا-IKEA، أعلنت الرائدة في صناعة الأثاث، عن أحدث تعاوناتها ومنتجاتها، التي تركز على السفر إلى الفضاء، وذلك في فعاليات يوم التصميم الديمقراطي السنوي الخاص بها في مدينة آلمهولت السويدية.
إذ أرسلت إيكيا وفداً من فريق التصميم الداخلي الخاص بها للعيش في مسكنٍ يحاكي الحياة على كوكب المريخ بمحطة أبحاث صحراء المريخ بولاية يوتا الأميركية؛ لكي يتعلموا كيف تبدو الحياة في المناطق الضيقة خارج كوكب الأرض.
وقال ماركوس إنغمان رئيس قسم التصميم في إيكيا، لمجلة WIRED البريطاني، إنَّ الشركة تريد أن تكتشف ما الذي يمكنه أن يجعل السفر إلى الفضاء مريحاً، وتحديد الحدود والقيود المطلوبة للعمل في هذه البيئة، لتطوير المنتجات الخاصة بها، واستخدام المعرفة عن الفضاء من أجل حياةٍ يومية أفضل على الأرض.