في صباحٍ قارسِ البرد، خرج الطفل وانغ فيومان (8 سنوات) إلى المدرسة كعادته، سائراً على قدميه مسافة 4 كيلومترات ونصف الكيلو، بين الجبال والجداول، حتى وصل إلى الدفء، في صفّه الثالث الابتدائي.
لكن عندما وصل فيومان بعد ساعتين من المشي، تعالت ضحكات زملائه في الصف، لأن الثلج غطى شعره وحاجبيه ورموشه، مما جعله يبدو كرجل ثلج، وكانت وجنتاه متشققتين وحمراوين، بحسب ما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز"، السبت 13 يناير/كانون الثاني 2018.
والتقط معلم فيومان في مدرسة زونشانبو الابتدائية في مقاطعة يونان الجنوبية صورةً له، ونشرها على تطبيق ويتشات، وهو تطبيق محادثات صيني معروف.
وعلى الفور أحدثت صورة الصبي ضجةً على الإنترنت، وانهالت عليه التعليقات باعتباره مثالاً للعزيمة والإصرار لسكان الريف، الذين يشكلون نحو 43% من سكان الصين، وأطلقت عليه وسائل الإعلام الحكومية اسم: "طفل الجليد"، و"طفل الثلج"، في حين اعتبره البعض "بطلاً قومياً".
وكتب أحد مستخدمي تويتر مع الصورة بعد أن نشرها في تغريدة: "طفلٌ صيني يصل المدرسة بشعرٍ متجمد. كم أنت بطل يا وانغ الصغير".
Chinese boy arrives at school with frozen hair! Little Wang, what a trooper!! #IceBoy https://t.co/Ua5IohzOPQ pic.twitter.com/wQfm2FRPPK
— Rhys Williamson (@rhyswilliamson) ١٢ يناير، ٢٠١٨
وكتبت إحدى الصحف: "رأى بعض الناس الجمال والأمل في وجهه البريء الصادق، وبهذا الرجل الصغير سيرى الأجانب في الأماكن البعيدة صلابة الأمة الصينية وجهدها العظيم".
إلا أنَّ صورة فيومان سلَّطت الضوء على مأساة عشرات الملايين من الأطفال الذين يعيشون في مناطق ريفية مدقعة الفقر، وحيدين في الغالب، بعد مغادرة آبائهم للعمل في المدن الكبيرة، وتتحدث عن النسيج الاجتماعي الذي كان يحافظ على تماسك الريف الصيني، لكنه يتفكك الآن برحيل ملايين العاملين، في محاولةٍ لتحقيق أحلام الرخاء.
معاناة الأطفال
ويعيش العديد من الأطفال الذين يرحل آباؤهم أمثال فيومان مع أجدادهم وجداتهم، ويواجهون العديد من العقبات، بما في ذلك سوء التغذية، والبيوت المتهالكة، وظروف الانتقال غير الآدمية.
وأُغلقت عشرات المدارس في الريف في السنوات الأخيرة، وهو ما يضطر العديد من التلاميذ إلى قطع مسافاتٍ طويلة لحضور صفوفهم، إلا أن هذه الصعوبات أسهمت في ارتفاع معدلات التسرب من التعليم بين أطفال الريف، وهو ما يمثل أزمةً في قدرة الصين على تدريب كوادر عالية المهارة لتناسب سوق العمل.
وحازت قصة فيومان العديد من التعليقات المتفائلة، ولكنَّها أثارت كذلك بعض السخرية من جهود الصين في القضاء على الفقر. وكتب أحد مستخدمي موقع ويبو: "إنَّنا لا نستطيع التخلص من الفقر، ولكنَّنا نستطيع أن نمجد الفقر".
وانتشرت أيضاً على الشبكات الاجتماعية صورة يدَي فيومان وهما متورمتان ومتقرحتان. وأثنى مستخدمو الإنترنت أيضاً على خط فيومان، ولاحظوا أن صورة يديه تُظهر كذلك تحقيقه درجةً جيدةً جداً في أحدى الاختبارات.
وأبلغ الطلاب في مدرسة فيومان وسائل إعلام محلية أنَّهم لا يملكون ملابس تُدفئهم من البرد، ومن الشائع تجمد شعرهم خلال رحلتهم الطويلة إلى المدرسة، وفقاً لـ"نيويورك تايمز".
تبرعات كبيرة
ودفعت قصة فيومان إلى تدفق المعونات وجهود الجمعيات الخيرية الشبابية إلى المدرسة، ما وصل إجمالاً إلى 330 ألف دولار. وقال مسؤولون محليون إنَّه سيتم البدء في برنامجٍ يوفر ملابس الشتاء للأطفال المعوزين في المنطقة.
وفي مقابلةٍ مع شبكة التلفزيون الصيني المركزي، تحدث فيومان عن رحلته اليومية إلى المدرسة، وقال إنَّه كان قد نسي قفازاته وغطاء رأسه في اليوم الذي التقط له فيه المُعلم الصورةَ.
ولدى فيومان حلم كبير، تحدث عنه لشبكة التلفزيون الصيني المركزي، وقال إنَّه يأمل أن يذهب إلى الجامعة في بكين، وأن يصبح ضابط شرطة أو عالماً. وأضاف: "حتى وإن كنت قد أصبحتُ معروفاً الآن على الإنترنت، فلا ينبغي لي أن أفخر بذلك".
وروى والد فيومان، وانغ جانكووي في اتصالٍ تليفوني، أمس السبت، أنَّ فيومان وأخته الكبرى يعيشان مع جدتهما المريضة، بينما يقضي جدهما عقوبةً في السجن.
ويعمل وانغ عامل بناء في كونمينغ، على بعد 250 ميلاً (402 كم) من بيت فيومان في قرية لوديان. وقال إنَّ والدة فيومان تركت العائلة منذ سنتين. وأضاف أنَّه مضطرٌ للعمل بعيداً عن العائلة، لأنَّ العائلة مثقلةٌ بالديون، وأنَّ "كل القرويين الآخرين ينظرون إلينا نظرةً دونية".
وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ تعهد بالقضاء على الفقر المُدقِع بحلول عام 2020، ولكنَّ هذا لن يكون سهلاً. إذ تعيش العديد من الأسر الصينية في مناطق معزولة عن الطرق والمدارس والمستشفيات المتطورة.
وبينما يزداد ثراء المناطق الحضرية بوتيرةِ أسرع، فإنَّ 500 مليون صيني -نحو 40% من التعداد السكاني- يعيشون بأقل من 5.50 دولار في اليوم وفقاً للبنك الدولي.