أرسل التلسكوب الدولي الخاص بأفق الحدث للثقب الأسود البيانات مباشرة على الإنترنت وسجلها. الآن، نحن ننتظر النتائج.
وأفق الحدث هو مصطلح يستخدم عند شرح نظرية النسبية العامة، باعتباره حداً موجوداً في الزمكان spacetime، كمنطقة تحيط بالثقب الأسود، لا يستطيع مَن في خارجه ملاحظة ما يجري في داخله.
وفي حين أننا نعرف ثلاث طرق منفصلة لتشكيل الثقوب السوداء، واكتشفنا أدلة لوجود الآلاف منها، لكننا لم نصور أحدها بشكل مباشر، على الرغم من كل ما اكتشفناه، لم نر قط مجال أفق الحدث لأي ثقب أسود، أو حتى أكدنا أن الثقب الأسود يحمل فعلاً مثل هذا المجال.
لكن في العام الجديد، كل هذا سيتغير، ستظهر النتائج الأولى من التلسكوب الذي يرصد أفق الحدث، وستأتينا الإجابة عن واحدة من أعظم الأسئلة في الفيزياء الفلكية، بحسب موقع Medium.
عملياً، هناك ثلاث طرق نعرفها لخلق ثقوب سوداء فلكية حقيقية:
1. عندما يحترق نجم ضخم بما يكفي بوقوده ويتحول إلى سوبر نوفا، يمكن أن تنفجر النواة المركزية فيه، ويتحول جزء كبير من شكل النجم ما قبل سوبر نوفا إلى ثقب أسود.
2. عندما يندمج نجمان من النجوم النيترونية، فإذا صارت كتلتاهما معاً بعد الاندماج أكثر من حوالي 2.5 إلى 2.75 كتلة شمسية، سينتُج ثقب أسود.
3. وإذا تعرّض نجم ضخم جداً أو سحابة ضخمة من الغاز إلى الانهيار الفوري المباشر فسيُنتج هذا أيضاً ثقباً أسود، وستتحول 100% من كتلته الأولية إلى الثقب الأسود.
مع مرور الوقت، يُمكن أن تستمر الثقوب السوداء في التهام المادة، وتنمو كتلتها وحجمها بشكلٍ متناسب. لأنه إذا تضاعفت كتلة الثقب الأسود، سيتضاعف نصف قطره أيضاً. فإذا زادت الكتلة بمقدار عشرة أضعاف، سيزداد نصف القطر بمقدار عشرة أضعاف أيضاً. وهذا يعني أنه عندما تزداد الكتلة -كلما ينمو الثقب الأسود- سيصبح أفق الحدث المحيط به أكبر فأكبر.
ونظراً لأنه لا يمكن لأي شيء الهروب منه، فإن أفق الحدث ينبغي أن يظهر باعتباره "ثقباً" أسود في الفضاء، ويحجب الضوء من كل المصادر الكامنة وراءه، ويتفاقم بفعل انحناء الضوء تحت تأثير الجاذبية بالنظر إلى توقعات نظرية النسبية العامة. وإجمالاً، نتوقع أن يظهر أفق الحدث، من نقطة رؤيتنا له، أكبر بمقدار 250% كما تتنبأ التوقعات الجماعية.
هذا هو أكبر ثقب أسود
مع أخذ كل ذلك في الاعتبار، يُمكننا أن ننظر إلى جميع الثقوب السوداء المعروفة، بما في ذلك كتلها ومدى بعدها عن الأرض، وحساب أي منها سيظهر بحجم أكبر عند رؤيته من سطح الأرض.
سنجد أن الفائز هو الرامي أ* – وهي منطقة لامعة ومصدر راديوي قوي جداً تقع في مركز مجرة درب التبانة، وهي جزء من منطقة أكبر تسمى الرامي أ. ونظراً إلى جميع خصائصه، ولكونه يبعد "فقط" 27,000 سنة ضوئية، بينما لا تزال تزداد كتلته بشكلٍ مذهل، والتي تصل إلى 4 ملايين مرة مثل كتلة الشمس، مما يجعله يحتل المركز الأول من حيث الحجم.
ومن المثير للاهتمام، أن الثقب الأسود الذي يحتل المركز الثاني هو الثقب الأسود المركزي في مجرة مسييه 87 – M87، وهي مجرة إهليجية ضخمة، وتعتبر أشد المجرات لمعاناً في الجزء الشمالي من تجمع مجرات العذراء. وعلى الرغم من أن كتلته أكثر من 6 مليارات كتلة شمسية، فإنه يقع على بعد حوالي 50-60 مليون سنة ضوئية. ولذلك إذا أردت رؤية أفق الحدث، يعتبر مركز مجرتنا هو المكان الأمثل للبحث.
يمكنك رؤيته بالتلسكوب!
إذا كان لديك تلسكوب في حجم الأرض، وليس هناك شيء يحجب الضوء بينك وبين الثقب الأسود، ستكون قادراً على رؤيته، بدون مشكلة.
بعض الأطوال الموجية لمادة المجموعات المجرية المتداخلة شفافة نسبياً، لذلك إذا نظرت إلى الطّيف الكهرومغناطيسيّ من الترددات المنخفضة (الطول الموجي الطويل)، مثل موجات الراديو، من المحتمل أن تستطيع رؤية أفق الحدث نفسه- المنطقة المحيطة بالثقب الأسود.
وعلى الرغم من عدم توفر تلسكوب في حجم الأرض الآن، ولكن لدينا مجموعة من التلسكوبات اللاسلكية في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى التقنيات اللازمة للجمع بين هذه البيانات الواردة من تلك التلسكوبات لإنتاج صورة واحدة. ولذا يضم تلسكوب أفق الحدث أفضل التقنيات المتاحة لنا في الوقت الراهن، وينبغي أن يُمكننا من رؤية أول ثقب أسود.
ينتشر ما يقرب من 15 إلى 20 تلسكوباً لاسلكياً في جميع أنحاء العالم، بدلاً من تليسكوب واحد، وتراقب نفس الهدف في نفس الوقت. ويفصل بين التلسكوبات الأكثر بعداً ما يصل إلى 12,000 كيلومتر، ويمكن تحديد الأشياء الصغيرة التي تقع على زاوية اختلاف تصل إلى 15 ميكروارك ثانية (microarcseconds (μas: مثل حجم ذبابة على سطح القمر. ونظراً إلى كتلة ومسافة الرامي أ*، فإننا نتوقع أن يظهر حجمه حوالي 37 ميكروارك ثانية.
وبالنظر أيضاً إلى الترددات الراديوية، ينبغي أن نرى الكثير من الجسيمات المشحونة التي تزداد سرعتها بسبب الثقب الأسود، ولكن يجب أن يكون هناك "فراغ" حيث يقع أفق الحدث نفسه. إذا تمكنا من الجمع بين البيانات بشكلٍ صحيح، سنكون قادرين على الحصول على صورة للثقب الأسود للمرة الأولى.
البيانات التقطت العام الماضي
التقطت التلسكوبات التي تشمل تلسكوب أفق الحدث أول لقطة لها أثناء مراقبة الرامي أ* في وقتٍ واحدٍ من العام الماضي. وقد جُمعت البيانات، ويجري حالياً إعدادها وتحليلها. وإذا عمل كل شيء على النحو الذي صُمم لأجله، سيكون لدينا أول صورة في عام 2018. فهل ستبدو كما توقعت نظرية النسبية العامة؟ هناك بعض الأشياء المذهلة التي يُبحث عنها:
ما إذا كان حجم الثقب الأسود صحيحاً كما توقعت نظرية النسبية العامة.
ما إذا كان أفق الحدث دائرياً (كما هو متوقع)، أو له أشكال أخرى غير ذلك.
ما إذا كانت الانبعاثات الراديوية تمتد أبعد مما كنا نعتقد، أو ما إذا كانت هناك أي انحرافات أخرى عن السلوك المتوقع.
كل ما نقوم به (أو لا نقوم به) سيتم اكتشافه في النهاية، ونحن على استعداد لتحقيق تطور هائل ببساطة من خلال إنشاء أول صورة على الإطلاق لثقب أسود. لم نعد بحاجة إلى الاعتماد على المحاكاة أو تصورات الفنانين.
سيكون لدينا أول صورة حقيقية قائمة على البيانات للعمل على أساسها. وإذا نجح الأمر، فإنه سيُمهد الطريق للمزيد من الدراسات الأساسية العميقة، باستخدام مجموعة من التلسكوبات الراديوية في الفضاء، يمكننا توسيع نطاق وصولنا بدلاً من ثقب أسود واحد إلى عدة مئات منهم.
إذا اعتُبر عام 2016 هو العام الذي اكتشف فيه موجة الجاذبية وعام 2017 هو عام اندماج النجوم النيوترونية، لذلك يعتبر عام 2018 هو عام أفق الحدث. ولذا يعد العصر الذي نعيش فيه هو العصر الذهبي لكل محبي الفيزياء الفلكية، والثقوب السوداء، والنظرية النسبية العامة. لأن ما كان يعتبر في السابق "غير قابل للاختبار"، قد أصبح فجأة حقيقية.