تذهل آثار الحضارات الغابرة الناظرين إليها بتصميماتها المهيبة وقدرتها على الصمود مئات وآلاف السنين حتى يومنا هذا. لكن هذا العدد الهائل من السنين أكبر دليل على أن ما ننظر إليه حالياً يختلف كثيراً عن التصميم الأصلي.
دعنا نصحبك في جولة إلى عمق التاريخ لنتأمل فيها هندسة 4 آثار عالمية جارت عليها عوامل الزمن والطبيعة فتغيرت ولكن لم تفقد عظمتها.
1- الأهرام كانت ساطعة البياض ذات يوم
هل كنت تعلم أن أهرامات الجيزة كانت في الأصل بيضاء اللون؟ غطى الفراعنة سطح الأهرامات بطبقة عاكسة ساطعة مصنوعة من الحجر الجيري الأبيض المصقول. وقُطعت هذه الأحجار الكريمة بدقة مذهلة؛ لتكون بمثابة منحدر سلس للأهرامات، على عكس الطريقة التي تظهر بها اليوم.
جعلت هذه الطريقة في البناء الأهرامات مرئية حتى من الفضاء، لكن لسوء الحظ دُمرت هذه الطبقة الخارجية، وكل ما يظهر من الهرم اليوم هو الطبقة المتدرجة أسفل الطبقة الملساء؛ بسبب زلزال قوي وقع عام 1301 م.
ويعتقد الخبراء أيضاً أن تلك الحجارة المتساقطة أُعيد استخدامها في بناء الكثير من المباني التاريخية في القاهرة، مثل التحصينات والمساجد المنتشرة بالقاهرة، وتحديداً في عهد سلطان الدولة المملوكية ناصر الدين حسن.
ويوجد آثار منها أسفل الهرم الأكبر يمكن مشاهدتها لو زرت يوماً الأهرامات.
2- كنيسة ساغرادا فاميليا: قصة 139 عاماً من البناء
تعتبر كنيسة "ساغرادا فاميليا" معبداً تكفيرياً، أي مكان للاحتفال بجبر الخطايا التي ارتُكبت ضد المسيح أو قوانين الكنيسة، وكان المسؤول عن مشروع بنائها في البداية المهندس المعماري الإسباني "فرانسيسكو دي باولا ديل فيلار"، لكن في نهاية المطاف عُهد بالعمل عليها عام 1883 م إلى "أنتوني غاودي"، الذي يعد أشهر المهندسين المعماريين الإسبان.
وغير "غاودي" في ملامح المشروع الأصلي ليبدأ في بناء عمله الأشهر على الإطلاق، وتميز أسلوبه كثيراً، ما جعله معروفاً في العالم أجمع بلقب سيد الهندسة المعمارية الحديثة. فمنذ أن تولى المشروع حتى وفاته عام 1926 م، عمل المهندس الإسباني على بناء هذا المعبد الفريد بهدف جعله تحفة عالمية تجمع بين جميع رموز المسيحية، ويُمول العمل مباشرة من تبرعات الزوار والجمهور، ما يفسر بطء تقدم البناء، الذي لا يزال مستمراً حتى اليوم. ومن المقرر الانتهاء منه في عام 2026 م، وهو العام الذي سيُحتفل فيه بالذكرى المئوية لوفاة "أنتوني غاودي".
3- الكولوسيوم: الأعجوبة التي نجت من الزلازل
بُني مدرج الكولوسيوم، وهو مدرج روماني عملاق يقع في وسط مدينة روما، في القرن الأول الميلادي بأوامر من الإمبراطور فيسباسيان من سلالة فلافيان كهدية للشعب الروماني.
وبعد أكثر من 1000 سنة فقد الصرح المعماري العظيم الكثير من معالمه الأصلية، إذ يعتقد علماء الآثار أن الكولوسيوم كان يضم بين جنباته نوافير للشرب ومراحيض.
لكن زلزالاً قوياً في منتصف القرن الرابع عشر تسبب في انهياره جزئياً، وخاصة في الجانب الجنوبي منه. وخلال العصور الوسطى تعرض البناء إلى أضرار أخرى كبيرة؛ نتيجة هزة أرضية أدت إلى انهيار جزء كبير من جداره الخارجي.
لم يقف الأمر عند ذلك الحد، إذ أدت الكوارث الطبيعية والإهمال والأعمال التخريبية إلى تدمير ما يقرب من ثلثي مبنى الكولوسيوم الأصلي، بما في ذلك جميع مقاعد الرخام في الساحة وعناصرها الزخرفية.
وزعمت الكنيسة الكاثوليكية في القرن الثامن عشر أن المسيحيين الأوائل في روما عُذبوا وقُتلوا داخل حلبة الكولوسيوم، وهو الأمر الذي أعطى المبنى أهمية دينية ساهمت في الحفاظ عليه.
بدأت جهود ترميم الكولوسيوم في التسعينيات وما زالت مستمرة حتى اليوم، كونه يشكل وجهة سياحية عالمية. ورغم التجارب المؤسفة التي مر بها، ما زال يشكل أعجوبة في عالم المعمار.
4- معبد البارثينون.. انفجار في مخزن البارود
يعد معبد البارثينون الإغريقي الواقع على جبال الأكروبوليس في أثينا من أفضل نماذج العمارة الإغريقية القديمة؛ فقد بُني بأيدي الإغريقيين بعدما حرقه الفرس أثناء إنشائه للمرة الأولى عام 480 قبل الميلاد.
تمثلت المهمة الرئيسية للمعبد في إيواء تمثال إلهة الحكمة والقوة وإلهة الحرب وحامية المدينة أثينا الضخم المصنوع من الذهب والعاج، والذي صنعه النحات والرسام اليوناني "فيدياس"، صاحب تمثال زيوس الموجود بلندن، وهو واحد من عجائب الدنيا السبع في العالم القديم.
شهد معبد البارثينون عدة اعتداءات عسكرية وحرائق، أبرزها دخول القوات العثمانية أثينا في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي وتحويله إلى مسجد.
وفي عام 1687 م أصيب البارثينون بأضرار جسيمة عندما حاول سكان مدينة البندقية الاستيلاء على أثينا، فقد كان الأتراك يستخدمون المبنى مخزناً للبارود في ذلك العهد، وأدى انفجار كبير إلى هدم الجزء الأوسط من المبنى، ونُقلت معظم بقايا المنحوتات إلى متحف الأكروبوليس في أثينا، والمتحف البريطاني في لندن، حيث ما زالت تعرض هناك.