اختلقوا تهمة السحر فقتلوا وأعدموا حرقاً 40 ألف شخص.. قصة الحروب الدينية التي خلفت واحدة من أكبر المآسي بأوروبا

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/07 الساعة 11:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/07 الساعة 11:52 بتوقيت غرينتش

لا يزال عصر مطاردة الساحرات العظيم، ظاهرة مرعبة تخيم على أجزاء معينة من أوروبا حتى وقتنا هذا، وذلك العصر هو خلال الفترة الممتدة بين عام 1550 وحتى عام 1700، وفيه قُتل عشرات آلاف الأشخاص لاتهامهم بمزاولة السحر.

وفي تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، الأحد 7 يناير/كانون الثاني 2018، فإنه على مدار قرن ونصف القرن، تعرَّض 80 ألف شخص للمطاردة بتهمة مزاولة السحر، نصفهم حُكم عليهم بالإعدام، وأغلبهم أعدم بالحرق حياً، وظلت هذه المأساة مستمرة إلى أن اختفت مطاردات الساحرات تماماً تقريباً.

وأشارت الصحيفة إلى أن الأمر الغريب ليس اختفاء ظاهرة ملاحقة السحرة بقدر ظهورها من الأساس.

كيف بدأت؟


في ذلك الحين، كانت السلطات الدينية المسيحية في أوروبا ترفض تماماً الاعتراف بوجود السحرة، ناهيك عن محاكمة أحد بتهمة مزاولة السحر، حتى وإن كان الاعتقاد بوجود السحرة سائداً بين عامة الناس في أوروبا في العصور الوسطى.

ومع ذلك، بلغت مطاردات الساحرات في عام 1258 مبلغاً دفع البابا ألكسندر الرابع إلى إقرار قانون كنسي لوقف تلك المحاكمات، إلا أنه بحلول عام 1550، كانت السلطات الدينية المسيحية في أوروبا قد اتخذت موقفاً مغايراً تماماً، وقادت حملات مطاردة الساحرات في جميع أنحاء العالم المسيحي.

وصحيحٌ أن هناك تفسيرات عديدة قد قُدمت للعوامل التي أدت إلى تلك الظاهرة، إلا أنَّ بحثاً جديداً صدر في الآونة الأخيرة يعزو ذلك إلى وجود تفسير اقتصادي له علاقة بالعصر الحديث، وفقاً لـ"الغارديان".

بيتر ليسون وجاكوب روس، عالما اقتصاد في جامعة جورج ماسون بولاية فيرجينيا الأميركية، قالا إنَّ مطاردة الساحرات تعكس "المنافسة غير السعرية التي كانت قائمة آنذاك بين الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية للحصول على حصة في السوق الدينية المسيحية".

وكانت كلتا الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية تتنافسان على ضمّ أتباع الكنيسة الأخرى إلى صفها أو الإبقاء على أتباعها، ولذا كانتا بحاجةٍ إلى إحداث تأثير ما.

ونتيجة لذلك أصبحت مطاردة الساحرات هي المعركة التي وقع عليها الاختيار. وبعبارةٍ أخرى، كما قال العالمان الأكاديميان ليسون وروس في ورقتهما البحثية التي ستُنشَر في الطبعة الجديدة من مجلة Economic Journal الاقتصادية البريطانية: "استغل مطاردو السحرة اعتقاد عامة الناس بالسحر آنذاك في الترويج لالتزامهم بعلاماتهم التجارية الدينية وسلطتهم التي تخول لهم حماية المواطنين من تجسّد شرور الشيطان في الدنيا".

وتوصل العالمان إلى استنتاجهما هذا من خلال الاعتماد على تحليلاتٍ لبياناتٍ جديدة تشمل أكثر من 43 ألف شخص خضعوا للمحاكمة بتهمة مزاولة السحر في 21 دولة أوروبية.

وتُظهر البيانات التي اعتمد عليها ليسون وروس أنَّ مطاردة الساحرات لم تحدث إلا بعد الإصلاح البروتستانتي في عام 1517، أي بعد الانتشار السريع للبروتستانتية، ومن ثم يرى العالمان أنَّ الإصلاح البروتستانتي قدم لأعدادٍ كبيرة من المسيحيين الخيار الديني لأول مرة في التاريخ: إما البقاء في الكنيسة الكاثوليكية القديمة، أو الانتقال إلى الكنيسة البروتستانتية الجديدة.

وتعقيباً على ذلك، قال ليسون وروس: "وبطبيعة الحال، حين يكون ذلك الخيار الديني متاحاً أمام مرتادي الكنيسة، فلا بد أن تتنافس الكنائس".

الأعوام الأسوأ


ومع احتدام التنافس بين الكنائس على المسيحيين، بلغت ظاهرة مطاردة السحرة ذروتها في الفترة من عام 1555 وحتى عام 1650، وهي الأعوام الأكثر اشتعالاً لاستحواذ الكنائس على أكبر عدد ممكن من التابعين.

وقالت "الغارديان" في تقريرها، إن أكبر دليل على ذلك هو الإصلاح الكاثوليكي المضاد، الذي تصدى فيه المسؤولون الكنسيون الكاثوليكيون للنجاحات التي حققها البروتستانتيون في تحويل الكاثوليكيين إلى طرق العبادة الجديدة في أغلب أنحاء أوروبا.

ويبين التحليل الجديد الذي أجراه ليسون وروس أيضاً، أنَّ جنون مطاردة الساحرات بلغ أشده مع احتدام الخصومة بين الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية. فوفقاً للعالمين، كانت الكنائس تختار معاركها الإقليمية الرئيسية بعناية، تماماً كما يختار الحزبان الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة الأميركية في وقتنا هذا التركيز على ولايات رئيسية بعينها خلال فترة الانتخابات الرئاسية الأميركية.

وهذا ما يفسر زعم ألمانيا -نقطة انطلاق الإصلاح البروتستانتي- بأنَّ ما يقرب من 40% من كافة محاكمات السحر في أوروبا قد حدثت بها، في حين سجَّلت اسكتلندا التي شهدت تنافساً بين طوائف بروتستانتية مختلفة ثاني أعلى معدل من معدلات مطاردة الساحرات، إذ حُوكم فيها ما بلغ مجموعه 3563 شخصاً بتهمة السحر.

ومن جانبه، يرى روس أنَّه: "في المقابل، فإنَّ إسبانيا وإيطاليا والبرتغال وأيرلندا -التي ظلت معاقل للكاثوليكية بعد الإصلاح البروتستانتي ولم تشهد أي منافسة جادة بين الكاثوليكية والبروتستانتية- تمثل مجتمعةً 6% فقط ممن حوكموا بتهمة السحر في أوروبا".

إلا أنه وبحلول عام 1650، بدأت حدة جنون مطاردة الساحرات تقل بسرعة، حتى اختفت المحاكمات بتهمة السحر تماماً تقريباً في عام 1700.

ما أسباب اختفائها؟


يُرجع ليسون وروس الفضل في ذلك إلى صلح وستفاليا، وهو عبارة عن سلسلة من المعاهدات عُقِدَت في عام 1648، وأسدلت الستار على حرب الثلاثين عاماً، وأنهت عقوداً من الحروب باسم الدين في أوروبا.

مع ذلك، يشير العالمان إلى أنَّ ظاهرة استخدام الترهيب لفرض رسالة معينة على عامة الشعب لم تنحسر.

ويقول ليسون: "الظاهرة التي نُوثقها، وأعني بذلك الاستعانة بالمحاكمات العامة في الترويج لسلطة عُليا باعتبارها استراتيجية تنافسية، أوسع نطاقاً بكثير من محاكمات الساحرات في أوروبا في مطلع العصر الحديث؛ إذ اتخذت أشكالاً مختلفة في أماكن أخرى من العالم منذ القرن التاسع على أقل تقدير، وصولاً إلى المحاكمات الصورية التي شهدها الاتحاد السوفيتي في عهد ستالين في القرن العشرين".

علامات:
تحميل المزيد