يسير بين قطعان الخراف المعروضة للبيع بسوق عين عباسة الشهير، 300 كيلومتر شرق العاصمة الجزائر، ويده موضوعة في جيب، والأخرى يمسك بها يد ابنه طارق صاحب الـ7 سنوات، وفي وجه أحمد طبازة حيرة كبيرة، لا من غلاء الأسعار فحسب، بل تخوفاً من الأضحية التي سيشتريها، وإن كان سيناريو العيد الماضي سيتكرر مجدداً.
سيناريو عيد 2016
في مثل هذه الأيام من العام المنصرم 2016، كان أحمد طبازة(أب لـ6 أولاد) قد حسم أمر الأضحية، واشترى كبشاً أقرن بما يقارب 5 ملايين سنتيم بالعملة المحلية (350 دولاراً)، واقتاده إلى بيته وسط فرحة العائلة، لا سيما الصغار.
الفرحة بهذا الكبش لم تدم طويلاً، فبعد ذبحه بأقل من ساعة، بدأت تظهر على الأضحية بقع زرقاء، ازدادت قتامة مع مرور الوقت، بل انبعثت منها رائحة كريهة رغم وضعها داخل الثلاجة، ما أرغم أحمد على رمي الأضحية كاملة.
ظن أحمد حينها كما صرح لـ"عربي بوست": "أن الحالة شاذة، واقتصرت على أضحيته قبل أن تبلغ مسامعه أخبار الجيران، وما تداوله الإعلام المحلي حينها، بعد تعرض الآلاف من الأضاحي إلى تعفن مفاجئ وغريب".
ونقلت حينها قناة "النهار" الجزائرية، صوراً للحوم ببقع زرقاء وخضراء، سجلت لدى العديد من العائلات، رغم اتخاذها لإجراءات الحفظ الصحي، بتوفير ثلاجات ومبردات، وقد حذرت حينها المصالح البيطرية من عدم استهلاكها للخطورة التي قد تحتويها.
وتحدثت حينها جريدة الخبر الجزائرية، ونقلاً عن وزارة الفلاحة تم تسجيل ما يفوق الـ1000 حالة، من الأضاحي التي تم التخلص من لحومها من طرف المواطنين.
رعب التعفن يسحق رعب الأسعار
عرفت أسواق الماشية في الجزائر قبل ساعات من عيد الأضحى ارتفاعاً كبيراً، مقارنةً بالفترة نفسها من السنة الماضية، ووصلت أسعار الأضاحي ما بين 4 و6 ملايين سنتيم بالعملة المحلية (300,450 دولار)، وفق ما نقلته جريدة "البلاد" الجزائرية.
يحدث ذلك حسب نفس الجريدة رغم تطمينات وزارة القطاع، واتحاد الفلاحين الجزائريين، على لسان رئيسه محمد عليوي قبل أشهر، لما حدد سعر الأضحية بـ4 ملايين سنتيم (300 دولار) كحد أقصى.
ورغم لهيب الأسعار، فإن المواطن في الجزائر بات متخوفاً من مصير الخروف بعد ذبحه، فرعب تعفن اللحوم هزم الرعب السائد من ارتفاع الأسعار.
وأضاف طبازة: "كنت في السنوات الأخيرة أضع في الاعتبار أسعار الماشية، لكن وبعد نكسة العام الماضي، أصبحت أركز على صحة الخروف وجودته قبل كل شيء، فما الفائدة من شراء خروف مآله القمامة؟"
وتابع: "لا حديث في أسواق المواشي سوى عن تعفن اللحوم في عيد 2016، والمواطنون متخوفون من فساد اللحوم، أكثر من تخوفهم من غلاء الأسعار".
التحقيقات
التحقيقات في فساد لحوم الأضاحي التي باشرتها الحكومة الجزائرية ممثلة في وزارة الفلاحة حينها، استغرقت أكثر من شهرين، رغم أن التحاليل النهائية من المخابر التي كانت تابعة لجهاز الدرك والأمن الوطنيين، لم تخرج للإعلام.
وكان وزير الفلاحة حينها عبد السلام شلغم، طمأن الجزائريين بعدم خطورة تلك اللحوم، وأن التحقيقات مستمرة، وسبب تعفن اللحوم يكون راجعاً بالدرجة الأولى إلى الأعلاف، في لقاء مع الإذاعة الجزائرية.
ليأتي بعدها بشهر نفس الوزير، ليؤكد أن هناك عدداً من الفلاحين والموالين والتجار، قدموا جرعات زائدة من المكملات الغذائية التي قدمت لعدد من رؤوس المواشي قبل البيع بأيام.
وجاء في يومية الخبر أن الوزير أرجع سبب تعفن لحوم الأضاحي وبالأساس بعد التحاليل التي قامت بها مخابر الدرك الوطني والمخبر المركزي البيطري "كشفت بالإجماع أن جرعات زائدة من المكملات الغذائية أضيفت إلى الأعلاف".
سيف الحجاج
لا تريد الحكومة الجزائرية تكرار فضيحة تعفن لحوم الأضاحي هذه السنة 2017، وقامت بعدة إجراءات صارمة، كلها تصب في مراقبة الأسواق وعملية نقل المواشي، إضافةً إلى عملية الذبح يوم العيد.
وتؤكد جميلة حاج اعمر، مفتشة مركزية بوزارة الفلاحة، أن الوزارة قامت بإجراءات وقائية، امتدت إلى ما قبل فتح 638 نقطة لبيع الكباش عبر ولايات الوطن، وهذا بعدما كان في البداية مقتصراً على 23 سوقاً للبيع بالولايات الكبرى.
كما تضيف في حديث لـ"عربي بوست": "تم تجنيد 890 طبيباً بيطرياً لمراقبة مختلف الأسواق، والترخيص ببيع الأضاحي، دون الحديث عن تجنيد ما بين 20 إلى 80 بيطرياً لمتابعة الذبح يوم العيد".
وتضيف: "كما أن هناك فرقاً بيطرية متنقلة، تم توجيهها للولايات الصحراوية والسهبية المعروفة بتباعد المجمعات السكنية بها".
وكانت "الشروق" الجزائرية قد تحدثت عن 154 بيطرياً تم توزيعهم من قبل مفتشية البيطرة بالعاصمة وحدها، وتقوم عبر المقاطعات الإدارية بمتابعة كل صغيرة وكبيرة بشأن الحالة الصحية للماشية.
تراخيص لنقل وبيع الكباش
وجد التجار والموالون أنفسهم هذا العام أمام مئات الحواجز الأمنية، التي تطالبهم بالدرجة الأولى بتراخيص تسمح لهم بنقل الخراف والكباش بين الولايات.
إذ قالت حاج اعمر في هذه النقطة، إن الوزارة فرضت على عمليات النقل والبيع ترخيصاً يُقدم من طرف المصالح البيطرية للموالين والتجار، ويتم استحضاره في مختلف الحواجز الأمنية التي فرضت عليها تعليمات من الهيئات العليا.
وهذا الإجراء، تضيف: "جاء لصدِّ أيِّ تجارة مشبوهة بعيدة عن الرقابة البيطرية، وحفاظاً على صحة المواطنين، من خلال متابعة سلامة الكباش الموجهة للاستهلاك خلال عيد الأضحى المبارك".
وعلى كل موالٍ، "يقوم بتعيين نقطة من بين الأماكن التي صرَّحت بها الوزارة لبيع ماشيته، الوزارة في هذا الشأن توفر طبيباً بيطرياً يقوم بمتابعة الحالة الصحية للماشية أثناء البيع للمواطنين"، بحسب المفتشة بوزارة الفلاحة.
والمواطن في هذا الإطار يتحمل مسؤولية اقتنائه للكباش من الأماكن الموازية وغير القانونية، البعيدة عن الرقابة البيطرية.
الكبش بهوية
يستطيع أي مواطن في الجزائر أن يتحصل على بطاقة هوية خاصة بالكبش، من الأماكن المصرح بها من قبل وزارة الفلاحة والتنمية والصيد البحري.
وقالت البيطرية جميلة حاج اعمر: "إن المواطنين المتخوفين من سلامة أضاحيهم، بإمكانهم الحصول على بطاقة تحمل معلومات الخروف، ومصدره، إضافة إلى اسم الموال أو التاجر، ومعلوماته".
وفي حالة المرور على المراحل القانونية في اقتناء الكبش، من أماكن مصرحة، وبعد مراقبة الطبيب البيطري، والحرص على طرق الحفظ السليمة للحوم، يكون بذلك قد تجنب مشكل اللحوم الفاسدة. تقول نايلة.
وتضيف: "في حال حدوث مشكل ما خلال الذبح، واكتشاف أمر ما في الأضحية فإن المعلومات التي بحوزته تستطيع أن توصله إلى التاجر أو الموال للمطالبة باسترجاع أمواله".
هذا، وطالب رئيس المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك مصطفى زبدي بالوصاية بسن وثيقة بيع تحمل هوية الموال والتاجر والمشتري، ومعلومات عن الكبش كهوية يتم تقديمها في حال الغدر والغش، في أثناء حديثه لـ"عربي بوست".
رقم وطني لكل كبش
يعد ترقيم رؤوس الأغنام من المشاريع المقدمة لوزارة الفلاحة في الجزائر منذ مدة، وهذا للوقوف ضد ظواهر الغدر والغش وفضيحة فساد اللحوم، ومنع تهريب المواشي، بالإضافة إلى تنظيم إحصاء الثروة الحيوانية.
وجاء في يومية "المساء " الحكومية، نقلاً عن المصادر البيطرية بوزارة الفلاحة، أن مشروع جرد وترقيم رؤوس الماشية في مرحلته النهائية، وسيتم عرضه أمام وزير القطاع خلال الأشهر القادمة.
وهذا المشروع بحسب الصحيفة، تم إعداده في إطار التوأمة مع الاتحاد الأوروبي للاستفادة من الخبرة والتقنيات، تحضيراً لمنح أول علامة جودة لسلالة أغنام أولاد جلال، على أن يتم إطلاق حملة تحسيسية مع الموّالين لتشجيعهم على المشاركة بصفة تطوعية في عملية جرد القطعان وترقيمها.
ويهدف أساساً المشروع إلى تحسين الإحصائيات الرسمية لثروة المواشي، وتنظيم سوقها الذي ينتعش خلال عيد الأضحى المبارك، وتجنب بعض الأمراض التي قد تضر بالصحة العامة، إضافة إلى البحث عن اعتراف عالمي ببعض السلالات الجيدة للغنم في الجزائر.
"مجرد كلام"
رغم كل الكلام الذي أثارته وزارة القطاع، لمنع تكرار فضيحة اللحوم الفاسدة العيد المنصرم، إلا أن الواقع لا يثبت ذلك.
المواطن أحمد طبازة، يؤكد بأنه جاب 4 أسواق كاملة، وطالب التجار بالكشف عن شهادات البيطري، أو تصاريح البيع، لكنه لم يتمكن من الحصول عليها، والسبب بحسبه "راجع إلى انتشار كبير لتجار غير قانونيين".
وأردف: "أرى أنه من المستحيل مراقبة جميع الخراف الموجهة للذبح يوم العيد، فعدد كبير من المواطنين يشترون أضاحيهم من الأقارب، وبعيداً عن الأسواق، كما أن الأسواق المرخصة بعيدة عن المناطق النائية".
وبخصوص توفير البياطرة يوم العيد، يقول: "أنا شخصياً اتصلت بمصالح بلدية عين عباسة في عيد 2016، بعد فساد لحم الأضحية، لكن لا أحد زارنا ولا حتى اتصل بنا، رغم أن الجميع يتحدث عن بيطري مناوب يوم العيد".
مصطفى زبدي رئيس المنظمة الوطنية لحماية المستهلك يقول لـ"عربي بوست": "على الدولة أن تنزل إلى الميدان بإجراءات أكثر صرامة ومراقبة لحماية المستهلك، وعدم الاكتفاء بالكلام وعدد البياطرة والأسواق".
وأضاف: "أرى شخصياً استظهار شهادة البيطري وحدها لا تكفي لإثبات سلامة الأضحية، فهناك حالات مرضية لا يمكن للبيطري إثباتها إلا بعد التحاليل، وبالتالي نطالب بجدية بإجراءات رقابة صارمة".