قالت شركة فيليب موريس إنترناشيونال إنها أنتجت سجائر أقل سُميَّة – وهو ابتكار تزعم أنَّه سينقذ حياة الكثير وسيقضي على التدخين في الولايات المتحدة.
وتتألَّف التكنولوجيا الجديدة للسجائر التي يُطلق عليها اسم IQOS من أنبوب يعمل على تسخين أعواد التبغ بتمهُّل بدلاً من حرقها. وباستخدام الحرارة بدلاً من اللهيب، تقول شركة التبغ إنَ أجهزة IQOS تقضي على نحو 90% إلى 95% من المكوِّنات السامة في دخان السجائر، وفق ما ذكر تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.
ومن المُتوقَّع أن تقرِّر إدارة الغذاء والدواء الأميركية في خلال الشهرين المقبلين ما إذا كانت ستسمح بدخول أجهزة IQOS سوق الولايات المتحدة أم لا. وأثار ذلك جدلاً شديداً ومخاوف وسط خبراء الصحة عمَّا إذا كانت أجهزة IQOS ستفيد الصحة العامة داخل البلاد أم ستضرها.
ومن ضمن أشد مخاوفهم: ما إذا كان الجهاز الجديد سيُقلِّل من حالات الوفاة الناجمة عن تدخين التبغ، أو أنه مجرد منتج ضار يستبدل منتجاً ضاراً غيره.
ويرجع السبب وراء إثارة هذه الشكوك إلى أنَّ العديد من منظمات الصحة الرائدة والخبراء في أميركا لا يزال لديهم شكوك عميقة في شركة فيليب موريس.
فقد أشاروا إلى أنَّها هي الشركة نفسها التي تنتج سجائر مارلبورو – السجائر الأعلى مبيعاً في العالم – وقد ضلَّلَت العامة لأعوام بشأن مخاطر التدخين.
قال ماثيو إل مايرز، وهو رئيس حملة "أطفال بلا تبغ" منذ زمن طويل: "إنَّهم كاذبون ماهرون. وهذه ليست مبالغة، بل حقيقة مثبتة بدلائل عمرها عقود. ولذلك فالسؤال الذي نسأله جميعاً لأنفسنا الآن هو: ما خطتهم الأساسية من هذا الشيء؟".
وقد فحصت حتى الآن دراسة مستقلة واحدة فقط مخاطر أجهزة IQOS ووجدت عدة مكوِّنات سامّة أنتجها هذا الجهاز بمستويات أعلى من التي تزعمها شركة فيليب موريس، التي كانت استجابتها لهذه الدراسة حادة للغاية إلى درجةٍ جعلت الباحثين المستقلين صامتين الآن، ويرفضون التحدُّث علانية عن عملهم.
بمثابة حصان طروادة
وحتى إذا ثبت صحة المزاعم الصحية لشركة فيليب موريس، فقد حذَّر مسؤولون في مجال الصحة من أنَّ أجهزة IQOS قد تكون بمثابة "حصان طروادة"، بحسب قولهم. فقد انخفضت نسبة التدخين في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق.
ويتخوَّف بعض المدافعين عن الصحة العامة من أن شركة فيليب موريس – التي أنفقت 3 مليارات دولار لتطوير تكنولوجيا IQOS – تريد استخدام جهازها الجديد لإيقاف عملية الانخفاض هذه. وإذا جذبت IQOS مدخنين جدداً فيمكنها أن تدفع جيلاً جديداً نحو النيكوتين.
قالت مويرا جيلكريست، وهي واحدةٌ من أكبر علماء شركة فيليب موريس: "لا يدهشنا التشكيك. فليس عليك الوثوق بنا أو تصديقنا، وليس عليك أن تثق بصحة ما نقول. ولكن ما نطلبه هو أن يفكر الناس بعقل منفتح. اطَّلعوا على الأساس العملي لما أنتجناه واتخذوا قراركم بناءً على ذلك".
لكن حتى أشد المُشكِّكين يُقرِّون بوجود احتمال أن تكون شركة فيليب موريس محقَّة وأنَّ جهاز IQOS يمكنه أن ينقذ حياة الكثيرين.
قال مايرز، الذي يناضل منذ 3 عقود لإبعاد الأطفال عن منتجات التبغ: "إذا كنا صادقين، فنحن نتعامل مع شيء مجهول للغاية هنا، لكن الشيء الوحيد الأكيد هو: أنَّ نسبة المخاطر مرتفعةٌ للغاية".
وفي يومٍ مشمس منذ فترة قصيرة، خارج مكتب شركة فيليب موريس في واشنطن على بُعد بنايتين فقط من البيت الأبيض، وقفت مويرا وفتحت وحدة بطارية مصقولة وملساء.
وسحبت بإصبعيها ما يبدو سيجارةً إلكترونيةً جوفاء – وهي أحدث نموذج لجهاز IQOS. وشرحت كيفية استخدامها بإدخال سيجارة قصيرة معدَّلة تُسمى HeatStick تجاه طرفها الأجوف، ومن ثم تثقب شفرة التسخين داخل جهاز IQOS سيجارة HeatStick وتعمل على تسخين التبغ بداخلها بلطف.
رفعت مويرا جهاز IQOS وسحبت نفثاً طويلاً. وعندما أخرجته، اجتاحت الهواء رائحة ما بين النتنة والطيبة.
وقالت: "نظراً لعدم وجود عملية احتراق، فلا يوجد دخان".
وعلى عكس أجهزة تدخين البخار، التي تستخدم محلول سائل لتوصيل النيكوتين، فجهاز IQOS يستخدم التبغ عن قصد. ويصعب على العديد من المدخنين الامتناع عن تدخين السجائر حتى بعد محاولة تدخين السجائر الإلكترونية التي تعتمد على سائل، كما توضح الدراسات. ويصر علماء شركة فيليب موريس على أنَّه حتى يتمكَّن المدخنون من الإقلاع عن التدخين، يجب أولاً أن نوفر لهم شيئاً له نفس إحساس التبغ ومذاقه.
وقد أنشأت الشركة – التي تنتج السجائر الأعلى مبيعاً في العالم – مركز أبحاث جديداً بقيمة 120 مليون دولار في سويسرا للتركيز تماماً على المنتجات عديمة الدخان. ويُطلَق على المنشأة المُغلَّفَة بالزجاجِ اللامع اسم "Cube – المكعب"، وتتكوَّن من 3 أجنحة – أسماؤها الأرض، والرياح والهواء (ولا يوجد كما يبدو قسم باسم النار). ومن ضمن جميع منتجات منشأة Cube الجديدة، يُعتَبَر جهاز IQOS هو الأكثر تطوراً، وهو يُباع الآن في 25 دولة.
وتقول شركة فيليب موريس إنَّ 72% من المستخدمين في اليابان أقلعوا عن التدخين نهائياً واتجهوا لاستخدام جهاز IQOS. وذلك أعلى بكثير من نسبة 7% من المقلعين عن التدخين من ضمن الذي استخدموا أجهزة تدخين البخار، ونسبة 6% من المقلعين عن التدخين من ضمن مستخدمي رقع النيكوتين، في تجربةٍ نشرتها دورية Lancet.
وفي هذا العام تُخطِّط الشركة لزيادة قدرتها التصنيعية لما يزيد على 3 أضعاف، من 15 مليار عود من أعواد HeatStick إلى 50 ملياراً. وتُخطِّط لإنتاج 100 مليار منها بنهاية عام 2018.
ومنذ شهرين، نشر 3 باحثين سويسريين دراستهم المستقلة الوحيدة حتى الآن عن المخاطر الصحية لجهاز IQOS. وعندما تواصل معهم مراسل صحيفة واشنطن بوست الأميركية، رفض الباحثون التحدث إليه. وأوضحت متحدثةٌ رسمية باسم جامعة لوزان (حيث يعمل أحدهم) في بريد إلكتروني أنَّه بعد نشر دراستهم، تلقى رؤساء الباحثين الثلاثة خطاباً تحذيرياً من شركة فيليب موريس.
وقارنت الدراسة السويسرية المكوِّنات الضارة في الهواء الناتج عن جهاز IQOS مع الهواء الناتج عن السجائر العادية. واكتشفت الدراسة أنَّه مع أنَّ جهاز IQOS ينتج العديد من المواد الكيمائية السامة بمعدلات أقل، فهي أعلى بكثير مما زعمت شركة فيليب موريس. وبالإضافة إلى ذلك، اكتشفت أنَّ جهاز IQOS ينتج مكوَّناً ضاراً واحداً بزيادة 295% عن السجائر التقليدية.
وفي دراستهم، اتهم العلماء شركة فيليب موريس "بالالتفاف حول تعريف الدخان" وجادلوا بأنَّه "يمكن وجود دخان بلا نار".
وهذه ليست المرة الأولى التي تتفاخر فيها شركات التبغ بإنتاج سجائر أفضل صحياً.
ففي خمسينيات القرن العشرين، روَّجَت الشركات السجائر ذات المرشحات بوصفها أكثر أماناً، لكن ثبت أن في ذلك مبالغة. وفي سبعينيات القرن العشرين، أعلنوا إنتاج سجائر "خفيفة" و"منخفضة القطران"، واستغرق خبراء الصحة عقوداً من الزمن ليثبتوا أنَّها ليست أكثر أماناً على الإطلاق. وأوضحت وثائق داخلية أن شركات تصنيع التبغ صمَّمَت عن عمد السجائر الخفيفة لتضليل الأجهزة الحكومية للكشف عن التدخين.
وأخيراً، ستكون الكلمة النهائية لإدارة الغذاء والدواء الأميركية بشأن المخاوف العلمية والصحية لأجهزة IQOS.
وفي الشهر الماضي، دُعِمَت قضية أجهزة IQOS لشركة فيليب موريس عندما شدَّد مفوض إدارة الغذاء والدواء الأميركية، في خطابٍ له، على ضرورة الابتكار وإيجاد بدائل للسجائر.
ومن المُتوقَّع أن تُقرِّر الإدارة في الشهرين المقبلين ما إذا كان يمكن بيع أجهزة IQOS في الولايات المتحدة، ولكنَّها لن تحكم على المزاعم الصحية حتى بداية العام المقبل، 2018.
وإذا وافقت إدارة الغذاء والدواء على هذه المزاعم الصحية، ستكون أجهزة IQOS هي أول منتج تبغ يحمل ختم حكومة الولايات المتحدة بوصفه بديل أقل ضرراً من السجائر – وهو ما سيمثل انقلاباً تسويقياً لشركة فيليب موريس. ويتسابق المتنافسون بالفعل للحاق بالأمر في الدول الأخرى عن طريق الإسراع في تنفيذ نماذجهم الخاصة.
ويتكوَّن طلب شركة فيليب موريس المُقدَّم إلى إدارة الغذاء والدواء من أكثر من مليوني صفحة من البيانات العلمية. وبدأت منظمات صحية، مثل جمعية الرئة وجمعية السرطان الأميركيَّتين، في فحص هذه البيانات لتقديم توصياتهم إلى إدارة الغذاء والدواء.