ماذا لو كان أكثر شخص تحبه في العالم يقوم برحلة خطيرة وحده تماماً، وكانت وسيلتك الوحيدة للاتصال به هي تطبيق الرسائل على هاتفك؟
إنها الحقيقة التي أنستها لنا الأرقام الضخمة التي نسمعها عن عشرات آلاف السوريين الذين شردتهم الحرب في بقاع الأرض، فلكل واحد من هؤلاء الأشخاص الذين نختزلهم في أرقام -أحياناً- آخرون يحبونه ويعتبرونه أغلى إنسان في الوجود ولا يمكنهم الاستغناء عنه لحظة.
وأثناء رحلة محفوفة بالمخاطر يخوضها هذا "الرقم المجهول" للهرب من الموت والوصول إلى أي بر آمن، تكون الرسائل على الهواتف المحمولة -إن وجدت- السبيل الوحيد ليُطمئن من يعتبره الأغلى في الكون.
ومن هذه المأساة، تولَّدت فكرة لدى الصحفي الفرنسي فلورنت ماورين، العاشق للألعاب، ليصمم لعبة جديدة للهاتف المحمول تُدعى "تقبريني يا حبي"، مزج فيها بين مهنته وهوايته المفضلة، لجعل الألعاب وسيلة لنقل الأخبار عن العالم الذي نعيش فيه.
وفيها، يلعب المستخدم بشخصية ماجد، وهو رجل سوري يضطر إلى عدم مغادرة بلاده لحماية أقاربه المسنين، بينما تكون زوجته نور في طريقها إلى أوروبا، ولا يكون التواصل مع نور سهلاً دائماً؛ فلن ترد على رسائلك أحياناً، وأحياناً أخرى تراسلك بشكلٍ مفاجئ من حيث لا تدري.
وطوال لعبة "تقبريني يا حبي"، ستوافيك نور أولاً بأول بالتقدُّم الذي تحرزه هي وتطلب نصيحتك بشأن كيفية المُضي قدماً. فهل يجب أن تنتظر أم تتقدم إلى الأمام؟ هل يجب أن تثق بالمهرب الذي قابلته؟
وتحتوي اللعبة على 19 نهاية ممكنة، تعتمد جميعاً على قصص من لاجئين حقيقيين، إذ يمكن أن ينتهي بك الحال في إيطاليا والنمسا، أو فرنسا، أو يمكنك الاستسلام والبقاء في تركيا حتى يصبح ماجد قادراً على المجيء ومقابلتك هناك. وبالطبع هناك أيضاً نهايات حزينة؛ مثل تلك المصائر المأساوية التي واجهها بعض المهاجرين في الواقع.
بطلة اللعبة نور استلهمت من شخص حقيقي نشرت قصته الصحفية لوسي سولييه في صحيفة Le Monde الفرنسية، وهي سيدة سورية شابة تُدعى دانا، تعيش الآن في ألمانيا، والتي وصفها مصمم اللعبة بالشجاعة المميزة المتحضرة التي لا تعرف الخوف.
فيما كانت دانا ولوسي مستشارتين في اللعبة أثناء تنفيذها، إذ حكت دانا الكثير عن تلك الرحلة، من المهربين، والأماكن الغامضة التي اضطرت للمرور بها، والخوف الذي شعرت به بين تركيا واليونان، ليتم وضع كل ذلك في اللعبة.
من جانبه، قال فلورنت: "اللعبة نوعٌ من الخيال التفاعلي الذي يدور في الوقت الحالي؛ لذلك إذا كان يجب على نور أن تفعل شيئاً ولم تكن متاحةً لك، فإنَّها لن تكون هناك بالفعل ويجب عليك الانتظار، تماماً مثلما يجب على الأشخاص الذين يتواصلون مع اللاجئين أو المهاجرين أن ينتظروهم ويعرفوا أخبارهم".
وأضاف: "لهذا السبب اخترنا لعبة للهاتف المحمول؛ لأنَّنا أردنا أن نمنح اللاعب شعور شخص ما يستخدم تطبيق رسائل مثل واتساب في رحلته، وأيضاً لأنَّنا أردنا أن نستخدم خصائص الهواتف المحمولة، مثل الإشعارات أو Notifications، لنكون قادرين على رواية قصة في الوقت الحالي تحاكي تماماً ما يحدث عندما تتواصل مع مهاجر يحاول الوصول إلى أوروبا".
وأكد فلورنت أثناء استضافته في برنامج As It Happens لمُقدِّمة البرنامج الكاتبة الصحفية الكندية هيلين مان، أن لعبة "تقبريني يا حبي"، التي طورها استوديو ألعاب الفيديو المستقل The Pixel Hunt في العاصمة الفرنسية باريس، أنه اختار هذا الاسم للعبة لمعنى الكلمة "اعتنِ بنفسك ولا تمت قبل أن أموت".
وتابع: "آمل أن تحمل لعبة (تقبريني يا حبي) رسالة أملٍ للأشخاص الذين يريدون الوصول إلى حياةٍ أفضل، وآمل أن يدرك اللاعبون هذه الرسالة عندما يلعبون اللعبة".
فيما أكد موقع هيئة الإذاعة الكندية CBC، أن لعبة "تقبريني يا حبي" جزء من فئة جديدة من الألعاب، تسمى عادةً بـ"ألعاب التعاطف"، وتستخدم رواياتها وتقنياتها الأساسية لإثارة المشاعر الإنسانية القوية، وتجعلك متصلاً بأناس وأماكن غير مألوفين لك.
وتشمل الأمثلة الأخرى من هذه الفئة لعبة Borders، التي تلعب فيها بشخصية تحاول العبور من المكسيك إلى الولايات المتحدة، ولعبة This War of Mine، التي تضعك في موقف مواطن مدني يحاول الهروب من منطقة صراع، أو لعبة 1979 Revolution، التي يجرب المستخدم العيش أثناء الثورة الإيرانية.
وعموماً، ستصبح لعبة "تقبريني يا حبي" متوفرة للتحميل على متجر جوجل بلاي ومتجر آبل للتطبيقات، في سبتمبر/أيلول المقبل.
جدير بالذكر، أن الأمم المتحدة أعلنت عام 2016 عن حاجة أكثر من 13.5 مليون سوري إلى مساعدات إنسانية، بينهم 6 ملايين نازح داخل سوريا، و4.8 مليون آخرون خارج سوريا، بينما سجلت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 4,863,684 لاجئاً سورياً.