أصاب أينشتاين وأخطأ في الحكم على الشيء نفسه، لا نتحدث هنا عن مفارقة فيزياء الكم؛ بل عن مشكلة فيزياء الجاذبية.
كان أينشتاين على صواب عندما قال إن جاذبية النجوم تُحدث تأثيراً مثل تأثير العدسات التي تضخم الضوء الصادر من النجوم الأخرى الأبعد مسافة؛ إذ يظهر النجم الأبعد كما لو أنه قد نزح إلى مكان أقرب ما لم يكن كلا النجمين متراص على خط واحد مع كوكب الأرض، فإذا قمنا بقياس الانزياح فإننا نستطيع أن نستنتج كتلة النجم الذي أحدث تأثير العدسة، حسبما نشر موقع La Vanguardia.
ولكنه كان مخطئاً عندما قال إنه "ليس ثمة أمل في رصد هذه الظاهرة مباشرةً"؛ لأن تأثيرها ضعيف للغاية، وهو ما قاله أينشتاين في مقال نشره سنة 1936، بمجلة Science العلمية.
الآن، وبفضل المنظار الثاقب للتلسكوب الفضائي هابل Hubble Space Telescope، تمكن فريق دولي من علماء الفضاء من تأكيد هذه التنبؤات، وستنشر مجلة Science من جديد نتائج الدراسة التي قاموا بها، بعد أن تم إعلانها في مؤتمر الجمعية الفلكية الأميركية، الأربعاء 7 يونيو/حزيران، الذي انعقد بمدينة أوستن في ولاية تكساس بالولايات المتحدة الأميركية.
وقع اختيار الباحثين على النجم "شتاين 2051 ب" ليكون الأكثر ملاءمة لرصد الظاهرة بعد فحص أكثر من 5 آلاف نجم آخرين مرشحين للدراسة، والنجم المذكور هو من نوع القزَم الأبيض، وهو النوع النجمي الذي ستصير إليه شمسنا و97% من إجمالي النجوم في الكون عندما تستنفد وقودها.
وتماثل كتلة هذه النجوم كتلة شمسنا مع حجم مماثل لحجم كوكب الأرض، فالأقزام البيضاء هي نجوم مضغوطة تعد ملائمة لدراسة ظاهرة عدسات الجاذبية، ويبعد النجم "شتاين 2051 ب" مسافة 17 سنة ضوئية عن أرضنا، ليكون بذلك سادس أقرب قزم أبيض لكوكب الأرض.
وقد تم اختيار النجم للدراسة؛ لأنه قد تم رصده في مارس/آذار 2014 على خط محاذاة واحد مع نجم آخر أكثر بعداً بنحو 300 مرة، وبتحليل ظاهرة عدسات الجاذبية تمكن الباحثون من رصد النجم في 8 مواسم مختلفة باستخدام تلسكوب هابل، على مدار عامين كاملين بدءاً من أكتوبر/تشرين الأول 2013.
وأظهر الرصد أن ضوء النجم الأبعد قد انحرف بشكل مماثل لما تنبأ أينشتاين بحدوثه، وهذا الانحراف الذي يضاهي قياس حركة النملة فوق عملة معدنية على بعد 2500 كيلومتر، يجعلنا قادرين على استنتاج أن كتلة القزم الأبيض "شتاين 2051 ب" تعادل نحو 68% من كتلة الشمس.
وحتى يومنا هذا، كان بمقدور الفلكيين أن يقوموا بحساب الكتلة الإجمالية للنجوم المزدوجة من خلال تأثير التجاذب الذي يؤثر به كل منهما على الآخر، أما الآن وللمرة الأولى فبالإمكان تحديد كتلة نجم واحد منهما بشكل منفرد.
وفضلاً عن تأكيد صحة ما ذهب إليه أينشتاين مرة أخرى، فإن هذا البحث يدشن طريقة جديدة لحساب كتل النجوم، وفقاً لما أكده معهد دراسات المرصد الفضائي هابل في بيان نُشِرَ يوم الأربعاء 7 يونيو/حزيران.
ومن المنتظر أن يصدر الكتالوج الجديد لمرصد الفضاء الأوروبي غايا Gaia في العام المقبل، ليمكننا من تحديد مواقع نحو مليار نجم، وليفتح الطريق لتطبيق هذه التقنية الجديدة على نطاق واسع.