يحتل تعلُّم اللغات جزءاً كبيراً من قطاع الأعمال. فالطلاب الذين يأتون إلى المملكة المتحدة كل عام لدراسة اللغة الإنكليزية، يدعمون الاقتصاد البريطاني بقيمة ملياري جنيه إسترليني (نحو 2 مليار و433 مليون دولار).
تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية رصد التطور الهائل في تطبيقات تعلّم اللغات الذي أصبح سوقاً مرنةً ومناسبةً للاستخدام على الهواتف الجوالة، مع وجود أكثر من 350 تطبيقاً مُسجّلاً على متجر تطبيقات آبل وحده.
ولكن تكنولوجيا اللغات ليست بالمجال السهل للنجاح فيه. فالتغيُّر السريع في التكنولوجيا يعني أنه يجب على الشركات الناشئة أن تتكيَّف معه بسرعة لتنجو، بحسب شهادة الشريك المؤسس لشركة بوسو، بيرنارد نيزنر.
أحب نيزنر، ذو الأصول النمساوية، اللغات بشدة. فقد تعلَّم الإسبانية، وسافر إلى أميركا اللاتينية قبل أن يحصل على شهادة MBA من جامعة IE للأعمال في مدريد. وهناك، قابل أدريان هيلتي السويسري الأصل. وفي عام 2008، كان موقع فيسبوك يتوسع بشدة، فتساءل كلاهما إن كان بإمكانهما الجمع بين التكنولوجيا وتعلُّم اللغات والتواصل الاجتماعي.
سُمِّيَت "بوسو" على اسم لغةٍ كاميرونية، ونشأت لتعليم المستخدمين عن طريق دورات تفاعلية مصحوبة بشبكة تواصل اجتماعي للمتحدثين الأصليين للغات.
يقول نيزنر: "كانت الفترة من عام 2000 إلى 2002 هي الأسوأ على الإطلاق لتدشين شركة تكنولوجيا ناشئة".
وأضاف: "لحسن حظنا أنه كان لدينا مدخراتنا الخاصة، بالإضافة إلى مساعدات أهلنا المالية، ولكننا لم نتقاضَ راتباً مدة عامين".
بدأت "بوسو" كموقعٍ إلكتروني قبل إطلاق تطبيقها في عام 2010. والآن، يصل نحو 80% من المستخدمين إلى "بوسو" عبر الهواتف الجوالة.
وقد أبدى مؤسسوها مهارةً في جمع التمويل لها. ففي عام 2010، تلقت الشركة 400 ألف دولار أميركي من مستثمرين رعاة، ثم تلقت مبلغاً آخر في 2011 لم يُفصَح عن قيمته.
تبع ذلك سلسلةٌ من التمويلات، بدأت في 2012 بقيمة 4.7 مليون دولار، وفي 2015 بقيمة 5.4 مليون دولار من شركة ماكجرو هيل للتعليم.
وهناك إصدارات مجانية وأخرى ممتازة من "بوسو"، تبلغ قيمة اشتراك الأخيرة من 5-6 جنيهات إسترلينية (أي من 6 إلى 7.29 دولار أميركي) شهرياً.
ولدى التطبيق أكثر من 65 مليون مُستخدِم مُسجَّل، ويتزايد هذا العدد بمعدل 25 ألف مُستخدِم يومياً. ويتزايد الطلب في كلٍ من الصين والبرازيل، وبين ذوي الأصول الإسبانية بالولايات المتحدة الأميركية، فنسبة 50%من الدخل تأتي من دورات اللغة الإنكليزية، تليها الإسبانية.
الخروج من الاتحاد الأوروبي
ويعتقد نيزنر أن الطلب على تعلُّم اللغات سيزداد داخل المملكة المتحدة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث سيضطر الكثيرون من رجال الأعمال البريطانيين إلى البحث عن زبائنٍ جدد في أسواق جديدة: لدى "بوسو" بالفعل عملاؤها من الشركات والمؤسسات التعليمية.
في الواقع، أخبرت البارونة كوسينس، وهي الرئيس المشارِك في المجموعة المشتركة للغات الحديثة، مجلس اللوردات، في نقاشٍ حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بأن نقص المهارات اللغوية داخل المملكة المتحدة سيكلِّف اقتصادها ما يقرب من 48 مليار جنيه إسترليني كل عام، أو 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي، كفرصٍ أعمالٍ مهدرة.
تقول كوسينس: "الآن، نود أن نتأكد، أكثر من أي وقت مضى، من الإمداد المحلي للمهارات اللغوية؛ لنساعد قطاع الأعمال، ولنعطي أفضل فرص العمل لشبابنا للعمل في السوق العالمية".
لعبة
"ميمرايز"، هي إحدى الشركات الناشئة في مجال تعليم اللغات، الموجودة في المملكة المتحدة، وتُقدِّم دوراتٍ تعتمد على آخر تقنيات تعلُّم اللغات.
التقى إد كوك وبين ويتلي، مؤسسا شركة ميمرايز، في جامعة أكسفورد، بعد أن انتقل ويتلي إلى الصين لتعلُّم اللغة من أهلها.
في البداية، قام ويتلي بتعليم اللغة الإنكليزية، ثم أقام مشاريع تجارية مع شركاء صينيين. لقد استغل خبرته لصياغة أفكار جديدة في مجال التعليم.
في غضون ذلك، تميَّز كوك بألعاب الذاكرة، وألَّف كتاباً في تقنيات الذاكرة. وظلَّ الثنائي على اتصالٍ حتى عادا إلى المملكة المتحدة في 2010، وأسَّسَا "ميمرايز" كموقعٍ إلكتروني في البداية، ثم الآن كتطبيق. الأمر مبني على نظام علمي مصمم على جعل تعلُّم اللغات ممتعاً بتحويله إلى لعبة، تبدأ كل كلمة دورة حياتها كبذرة تزدهر في "حديقة الذاكرة".
وفي عام 2011، بعد أن فشلا في إيجاد مستثمرين مناسبين في المملكة المتحدة، سافرا بفكرتهما إلى شركة تيكستارز بولاية بوسطن في الولايات المتحدة الأميركية، وفازا بتمويل مبدئي بقيمة 20 ألف دولار. ساعدهم ذلك في جلب المزيد من الدعم المالي بما يقرب من مليون دولار من مستثمرين رعاة في بوسطن، من ضمنهم مؤسس ووردبرس، مات مولينغ. ومنذ 3 سنوات، تلقيا دفعةً تمويليةً أخرى تُقدَّر بما يقرب من 6 ملايين دولار، وأصبحت الشركة الآن مربحة.
بدأت "ميمرايز" كموقع إلكتروني ثم بعد قليل جذبت قطاعاً من المهووسين بتعلُّم العديد من اللغات، بحسب تعبير كوك. كان التحدي يتمثَّل في أن يأخذوا هذه التقنيات إلى السوق العالمية.
في عام 2014، انضم إلى الفريق كل من دانييل زوهار رئيساً تنفيذياً للتكنولوجيا، وكريستينا ناروسك مديرةً للمنتج.
أسهم كلاهما بشدة في التطوير وإطلاق التطبيق عام 2015. ومنذ ذلك الحين، توسعت "ميمرايز" ليزداد عدد المستخدمين من مليون إلى 20 مليون مستخدم . وهناك إصدار مجاني وآخر مدفوع، يكلف اشتراك الأخير نحو 60 دولاراً سنوياً.
ولكن، ليس عليك أن تكون متعدد اللغات لتطلق تطبيقاً لتعلُّم لغات.
يقول آرند آشنتراب، مؤسس شركة تاندم، والذي يشارك متعلّمي اللغات محادثات الفيديو، إنه طالما كافح لتعلُّم إحداها. ولكن عليك أن تدرك سريعاً ما يحتاجه زبائنك.
وبعد أن أطلق آشنتراب مشروعين تقنيين بالفعل، من ضمنهما تطبيق هاتفي، قام هو ومشاركوه بتأسيسِ موقع Vive في عام 2012. أطلقوا عليه أنه ضد المحادثات والدردشات العشوائية التي يتواصل من خلالها الأشخاص ذوو التفكير المتشابه حول العالم من خلال الاتصال بالفيديو على الهواتف الجوالة. ولكنهم، كما يقول آشنتراب، "أدركوا سريعاً أن كل ما أراده المستخدمون من وراء هذا التطبيق هو ممارسة اللغة".
بنى المؤسسون نسختهم الأولى من "تاندم" من ميزانيتهم الخاصة. ثم بعد ذلك تلقوا دعماً بقيمة 600 ألف جنيه إسترليني (729 ألف دولار) من مستثمرين رعاة، منهم كريستوف مير صاحب معامل تحاليل أتلانتيك لابس، وقطب اللغة الألماني فلوريان لانغنشيدت.
ووصلت دفعةٌ تمويليةٌ أخرى بقيمة مليوني جنيه إسترليني (2 مليون و430 ألف دولار) عام 2016. وبلغ معدل تحميل التطبيق الآن نحو مليون و750 ألف تحميل، بمعدل زيادة شهرية ثابت يتراوح من 15 إلى 20%. ومع أن التطبيق مجاني، تُقدّمه الشركة كمنصةٍ لمعلِّمي اللغة المحترفين، وتأخذ حصتها بقيمة 20% من رسوم كل درس. وتربح الشركة أيضاً من عمليات الشراء داخل التطبيق.
الأميركيون لا يهتمون
وحتى المنصات الراسخة تواجه هي الأخرى تحدياتٍ بمجرد دخولها السوق. تقول جولي هانسن، المدير التنفيذي للنسخة الأميركية من بابل، التي أُنشِئت عام 2007، ولكنها ركزت على المنصة الأميركية منذ 2015، إن التحدي بالنسبة لـ"بابل" أن الأميركيين أصحاب اللغة الإنكليزية الأم، لم يروا أي أهمية اقتصادية في تعلُّمهم لغة أخرى.
وتضيف: "الأمر له علاقة بالاختيارات الطموحة بشكل أكبر".
في المقابل، ركَّزَت النسخة الأميركية من "بابل" على مجتمع ذوي الأصول الإسبانية الذين يودون تعلُّم أو تحسين لغتهم الإنكليزية.
رجوعاً إلى المملكة المتحدة؛ بينما ينتظر الشعب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يعترف المديرون بأهمية اللغات في العمل.
يقول ريان غرين المدير التنفيذي لشركة روماغ، المتخصصة في أعمال الزجاج المفصل والطاقة الشمسية، إن المهارات اللغوية أصبحت مهمة لتأمين الأعمال الجديدة حول العالم.. المدير الفني لشركته يتحدث الألمانية بطلاقة ويستخدمها في الكثير من المعارض التجارية الدولية.
يقول غرين: "كثيراً ما جاء مندوبون لا يتحدثون الإنكليزية لزيارتنا، ولكن مهاراته اللغوية الضعيفة لم تكن ذات قيمة في تأمين العمل التجاري الدولي". ويضيف: "التواصل الفعَّال مع العملاء هو مفتاح خططنا التوسعية حول العالم، ويجعلنا منافسين بشكلٍ أكبر في السوق".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.