إذا كنت من محبي الخيال العلمي، فعلى الأرجح لن تستغرب فكرة إقامة قاعدة فضائية على القمر ليسكنها البشر بشكل دائم.
ولكنك قد تندهش إذا علمت أن هذه الفكرة ظهرت منذ ما يقرب من أربعة قرون – في العام 1638- عندما نُشر كتاب Discovery of a World In The Moon للقس جون ويلكينز، الذي درس علم الرياضيات والفلك، واعتقد -بخلاف العديد من معاصريه- أن أرض القمر صلبة بما يكفي لعيش البشر على سطحه.
وظلَّ حلم الإنسان باستيطان القمر موضوعاً مفضلاً لأدباء الخيال العلمي، إلى أن صُنعت الصواريخ، واكتُشفت الطاقة النووية قبيل منتصف القرن العشرين، حينئذ بدا ذلك الحلم قاب قوسين أو أدنى من التحقق.
السباق نحو القمر
بدأت منافسة محمومة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي حول القمر في النصف الثاني من القرن العشرين.
وشهدت هذه الفترة دراسة بعض المشروعات والبرامج الخاصة باستيطان البشر للقمر بشكلٍ دائمٍ.
ومن أبرز تلك المشروعات الأميركية مشروع لونيكس ومشروع هورايزون، وهي خطط طموحة كانت تهدف إلى إنشاء قاعدة عسكرية على القمر أواخر الستينات.
وعلى الجانب الروسي، كانت هناك برامج مماثلة لإنشاء قاعدة قمرية، مثل زفيزدا، وتعني نجماً باللغة الروسية.
ورغم نجاح السوفييت في إرسال "لونا-2″، أول مركبة فضاء تهبط على القمر في العام 1959، إلا أن الولايات المتحدة ربحت السباق نحو القمر عام 1969؛ عندما وضع رائد الفضاء الأميركي نيل آرمسترونج قدمه على سطح القمر، فكان أول إنسان يسير على القمر، في حين فشلت محاولات السوفييت آنذاك لصنع محرك صاروخي يستطيع دفع مركبة فضاء مأهولة إلى القمر.
العودة للقمر
خفتت الأصوات المنادية بعسكرة الفضاء، بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وأعيد النظر في مشروع القاعدة القمرية، مع تعديل الغرض منها لتصبح محطة علمية متقدمة، تسهم في سبر أغوار الكون .
وقد اقترحت ناسا في العام 2006 خطة لإرسال رحلات مأهولة للقمر بحلول 2020؛ لإنشاء أماكن للإقامة، وتجهيزها بمصادر للطاقة، على عدة مراحل تستغرق خمس سنوات تقريباً، وعندما تكتمل القاعدة، يمكنها استضافة رواد الفضاء للبقاء على القمر لعدة أشهر.
فيما تبحث وكالة ناسا في تقنيات الزراعة الملائمة للاستخدام في القاعدة القمرية، مثل الزراعة المائية لنباتات الفجل والخس والبصل الأخضر، التي ستوفر مصدراً غذائياً لرواد الفضاء، وتحول ثاني أكسيد الكربون إلى الأكسجين.
القمر للجميع
أعلنت اليابان في العام 2006 اعتزامها إنشاء قاعدة قمرية بحلول 2030، وذكر مصدر بالوكالة اليابانية لاسكتشاف الفضاء (JAXA) أن تلك القاعدة ستلعب دوراً أساسياً في تطوير علم الروبوت.
بينما أعلنت روسيا في العام 2007 خطة مماثلة لإنشاء قاعدة قمرية بحلول 2025، وإن كان الهدف المعلن هو سياحة الفضاء، إذ تخطط وكالة الفضاء الروسية لجني أرباح من رحلاتها الفضائية، التي يبلغ سعر التذكرة الواحدة على متنها 30 مليون دولار أميركي.
هذه المشروعات أثارت مخاوف البعض من أن يتم طمس آثار الرحلات المأهولة السابقة للقمر، ما دفعهم لاقتراح مطالبة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (UNESCO) باعتبار مواقع هبوط رواد الفضاء على القمر ضمن مواقع التراث العالمي، لكن يستلزم هذا الطلب أولاً إعلان السيادة على تلك المواقع، ما يخالف اتفاقية الفضاء الخارجي للعام 1967، التي تحظر إعلان السيادة على القمر بصفته إقليماً تابعاً لأي من الدول الموقعة عليها.
وأعلنت روسيا في أواخر 2015 عزمها إطلاق مسبار إلى القمر في العام 2024؛ لاستكشاف المواقع المرشحة لبناء القاعدة القمرية، التي يتوقع البدء في إنشائها العام 2030.
ومن المخطط إرسال ست رحلات فضائية تنقل كل منها وحدات منفصلة يتم تجميعها على سطح القمر لبناء القاعدة القمرية الروسية.
كما نظمت وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) في ديسمبر/ كانون الأول 2015 ندوة بعنوان "القمر 2020-2030 – عهد جديد من الاستكشاف بواسطة الإنسان والروبوت" في المركز الأوروبي لأبحاث وتقنيات الفضاء بنوردفيك في هولندا، حضرها أكثر من 200 عالم فضاء ومسؤولين من 28 دولة، وتناولت خططاً لإرسال روبوتات مزودة بتقنيات تحكم متقدمة مع أنظمة استشعار بصري ولمسي؛ لتمكن علماء الجيولوجيا من استكشاف سطح القمر بصفته بديلاً أرخص عن إرسالهم بأنفسهم إلى هناك.
البناء على سطح القمر
تعتمد معظم مشاريع بناء قاعدة على القمر، إما على وحدات مدفونة أو مغطاة بالتربة القمرية، أو وحدات مبنية بواسطة الطباعة ثلاثية الأبعاد، وفقاً لمخططات وكالة الفضاء الأوروبية (ESA).
فيما يعتقد بول سبوديس، بمعهد دراسة القمر والكواكب في هيوستن، أن هناك ثلاثة مسارات محتملة لمشروع القاعدة القمرية.
أولها مشروع فردي لإحدى الدول، مثل برنامج أبوللو للهبوط على القمر الذي نفذته وكالة ناسا الأميركية، ويرجح أن تقوم الصين بتبني هذا المسار.
والثاني مشروع جماعي بين عدة دول، على غرار المحطة الفضائية الدولية (ISS)، ومن المتوقع أن تشارك فيه اليابان وروسيا والهند مع وكالة الفضاء الأوروبية (ESA).
أما الثالث، فمشروع متعدد المراحل تنفذه شركات خاصة تعمل في مجال الفضاء، ويعتمد في أغلبه على الروبوتات.
فهل يشهد العقد القادم فعلاً نجاح البشر في استيطان القمر والإقامة عليه بشكل دائم؟ لندع الأيام تجيب عن هذا.