"أرض ليس بها سوى الحجارة والرجال"، هكذا يُعرّف أفغانستان أهلها. وهذا هو ما عبّر عنه العقيد في قوات الحرس المظلية السوفيتية، فلاديمير سافيتسكي، عندما قال: "ألقوا بنا في حمأة النار" مُلخصاً بذلك ما يُقارب الـ9 سنوات، قضتها القوات السوفيتية في أفغانستان، والتي كانت بدايتها في الـ25 من ديسمبر/كانون الأول للعام 1979 ونهايتها في الـ 15 فبراير 1989 وكانت القصة كالتالي:
حكم الأفغان للأفغان.. إسلامي وماركسي وثورة!
ورث محمد ظاهر شاه الحكم في أفغانستان العام 1933، وظل يحكم لأربعة عقود تالية، يعاونه في ذلك ابن عمه محمد داود خان، والذي عُين رئيساً للوزراء في نفس العام .
وحتى العام 1963، حاول خان القيام بعدة إصلاحات استعان فيها بالاتحاد السوفيتي، للحصول على مساعدات اقتصادية وعسكرية واجتماعية.
وبالتزامن مع إصلاحات خان، كانت شعبية حزب البعث الديمقراطي الأفغاني –ماركسي الهوية- تتوسع في أنحاء أفغانستان، وتُطالب بالمزيد من الإصلاحات في البلاد.
وفي العام 1963، أُجبر داود خان على الاستقالة، لكنه عاد، بعد ذلك التاريخ بعقد من الزمان، ليتولى السلطة بانقلاب عسكري، قام به العام 1973، واُتهم فيه ظاهر شاه بالفساد السياسي.
وكانت تلك هي نهاية الحكم الملكي في أفغانستان، تولى على إثرها داود خان حكم البلاد مُحاولًا القيام بالعديد من الإصلاحات، التي لم تُفلح كثيرًا، وساعدت خلافات أخرى نشأت بين خان وبين حزب البعث الديمقراطي، على انتهاج ممارسات قمعية واضطهاد من قِبل الحكومة تجاه حزب البعث وقادته، ما أدى إلى خروجه من الحكم بعد ذلك بعامين.
كانت الخلافات قد عصفت بقادة حزب البعث، في 1967، لينقسم إلى حزبين، أحدهما "حزب خلق" بقيادة محمد نور تراقي، ومساعده حفيظ الله أمين، و"حزب برشم" بقيادة بابراك كارمل.
لكن أعمال القمع التي مارسها خان ضد عناصر الحزب، أعادت توحيد صفوفه من جديد، ليُطاح بداود خان من سُدة الحكم، ويتم إعدامه وأفراد أسرته العام 1978، ويستولي حزب البعث على حكم أفغانستان، ويُصبح محمد نور تراقي، السكرتير العام للحزب، رئيسًا للمجلس الثوري، ورئاسة وزراء جمهورية أفغانستان الحديثة.
حاول حزب البعث لما يُقارب العام والنصف، بقيادة تراقي فرض إصلاحات تميل للاتجاه الماركسي، منها: تعديلات في قانون الزواج، واستصلاح الأراضي، وتعديلات اقتصادية واجتماعية، بل وأضاف عليه اضطهاد المؤسسات الدينية عن طريق نفي أو سجن أو إعدام بعض قادتها وعناصرها.
لم يعجب هذا الامر الشعب الأفغاني المتمسك بشدة بالعادات والتقاليد الإسلامية، لتندلع ثورة ضد حكم تراقي في الأنحاء الشرقية من أفغانستان، في منطقة نورستان تحديداً، ما أدى إلى الإطاحة به في إطلاق نار حدث العام 1979 داخل القصر الرئاسي، ويتولى من بعده حفيظ الله أمين الحكم.
تدخل سوفييتي أشعل فتيل الحرب.. وأيقظ أميركا
الصورة لقصر طاجيك، حيث كانت تتمركز قوة من الجيش السوفييتي قبل غزو أفغانستان
وفي أغسطس/آب 1978، وُقعت اتفاقية تعاون بين أفغانستان، والاتحاد السوفييتي، توالت على إثرها مساعدات استخباراتية وعسكرية واقتصادية من روسيا للحكومة الأفغانية، في محاولة من الأولى للتصدي للنمو المتتالي للجماعات الإسلامية في أفغانستان، ودعمًا للنظام الشيوعي الموالي للسوفييت.
لكن هذه المساعدات لم تحل دون مقتل تراقي، واستيلاء حفيظ الله أمين على الحكم، مما زاد من تخوفات السوفييت بشأن قيام حكومة إسلامية معادية لهم في أفغانستان، وهو ما عجّل بإعلان التدخل العسكري السوفيتي في أفغانستان بعد ذلك بعام.
بدأت المخابرات الروسية بإرسال عناصرها إلى أفغانستان منذ تولي أمين الحكم، وقبل 6 أشهر من دخولها أفغانستان، كان لدى السوفييت وحدة خاصة من المخابرات الروسية "كي جي بي" مدعومة بوحدات من الجيش السوفيتي لمساعدة الحكومة الأفغانية ضد المقاتلين من الجماعات الإسلامية.
لكن التغييرات التي أعلنها أمين اقتصاديًا واجتماعيًا ومساعيه لفرض سيطرته على البلاد بالقمع والعنف، لم تحز على رضا الاتحاد السوفيتي أيضاً، وكانت نتيجة هذا أن قامت القوة الخاصة للمخابرات السوفيتية، والمتواجدة في أفغانستان باغتيال أمين، وإعلان التدخل الاحتلال السوفييتي العسكري في الـ 25 من ديسمبر/كانون الأول 1979.
التدخل السوفيتي أثار قلق الولايات المتحدة تجاه التوسع الذي قد يقوم به السوفييت بداية من أفغانستان، وهو ما جعل الرئيس الأميركي في ذلك الوقت، جيمي كارتر، يُعلن عن تقديم المساعدات العاجلة للمقاتلين الأفغان، مساعدات اقتصرت طوال العام الأول للغزو على الأموال والإمدادات غير العسكرية سواء للمقاتلين مباشرة، أو عن طريق المخابرات الباكستانية الموالية لأميركا، أو عبر الصين والبلدان الإسلامية.
لكن الولايات المتحدة سخرت آلياتها الإعلامية ضد الغزو السوفييتي، ودعت للمقاومة ضده، وأعلنت عن دعمها للمقاتلين هناك بمساعدات لم عسكرية، عبر كل من السعودية وباكستان شملت صواريخ مقاتلة ضختها الولايات المتحدة إلى الداخل الأفغاني، ولم تتوقف إمداداتها حتى انسحاب السوفييت بعد ذلك بـ9 سنوات، إذ كانت الحرب فرصة لأميركا لإسقاط عدوها الأبرز.
9 سنوات من الحرب.. ونهايتها؛ الجميع خاسرون
جانب من انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان
وما اعتبرته القوات الروسية "مهمة سهلة وسريعة" في أفغانستان، انتهى بعد 9 سنوات، مخلفاً خسائر بشرية تقترب من الـ1.5 مليون، في كلا الجانبين.
وفقدت القوات الروسية وحدها ما يُقارب 15 ألف جندي، وأصيب ما يُقارب الـ53 ألف جندي، وفُقد ما يقارب 300 آخرون، وبلغت قيمة الخسائر المادية ما يُعادل الملياري دولار سنوياً، في حين بلغت قيمة ما أنفقته الولايات المتحدة من مساعدات للمقاتلين الأفغان ما يعادل الـ2 مليار دولار.
كما تسببت الحرب في تشريد حوالي 5 ملايين أفغاني خارج أفغانستان أقام أغلبهم في مخيمات للاجئين أنشأتها باكستان على حدودها مع أفغانستان، وتشرد حوالي مليونين خارج البلاد.
لكن هذه الخسائر لم تكن الوحيدة التي تسببت بها هذه الحرب، فخروج السوفييت من أفغانستان، تلته حرب أهلية استمرت لعدة سنوات، قامت على إثرها حركة طالبان، والتي كان الغزو السوفييتي، والدعم الأميركي هما عناصر نشأتها الأولى، بالاستيلاء على الحكم في أفغانستان.
ثم كان ظهور تنظيم القاعدة وهجمات 11 سبتمبر التي تلتها الحرب الأميركية على أفغانستان ثم العراق وهي الأحداث التي تشكل ملامح عالمنا الذي نحيا فيه إلى الآن.