شكلها لا يختلف عن باقي الأبقار الموجودة في العالم، ولكنها تمتلك وضعية خاصة للغاية؛ إذ إن أهميتها لا تكمن في لحمها أو الحليب الذي تُدرّه، وإنما في دمها. وتُصنف هذه الأبقار على أنها من مانحي البلازما.
وربما سيأتي اليوم الذي سيكون لهذه الأبقار دور في إنقاذ حياة الكثيرين.
تجري حالياً بعض الاختبارات على الأبقار القادرة على إنتاج أجسام مضادة بشرية باعتبارها خط الدفاع الأول ضد الأمراض المعدية.
مؤخراً، خلال تفشي وباء الإيبولا في غربي إفريقيا، عالج العاملون بمجال الرعاية الصحية بعض المرضى من خلال حقنهم بالبلازما –الجزء السائل من الدم– المأخوذة من أفراد تمكنوا من التغلب على هذا المرض.
وفي حالة غياب الأدوية المُعتمدة لعلاج المرضى، تصبح البروتينات الوقائية في بلازما المتبرعين هي الأمل الوحيد لمساعدة المرضى على مكافحة الأمراض والاستشفاء منها.
وهو النهج الذي تحاول شركة SAB Biotherapeutics، العاملة في مجال التكنولوجيا الحيوية، اتباعه في إنتاج أجسام مضادة بشرية وبروتينات لمكافحة مُسببات الأمراض من خلال الأبقار المُعدلة جينياً.
وتعتبر الأبقار التي تستخدمها شركة SAB Biotherapeutics هي المثال الأحدث على الحيوانات المُعدلة وراثياً في المعامل لتكون بمثابة مصانع للأدوية.
يُنظر إلى الحيوانات المُعدلة وراثياً بعين التفاؤل، باعتبارها شيئاً واعداً، لما قد تمثله من نقلة نوعية في صناعة الدواء؛ إذ يمكن لها أن تجعل كلفة تصنيع الدواء أقل مما هي عليه الآن، وذلك على المدى الطويل.
وبمجرد إعدادها داخل المعمل، يمكن لهذه الحيوانات أن تستمر في إنتاج الدواء بتكلفة منخفضة.
وفي وقتنا الحالي، سهلت تقنيات التنقيح الجيني مثل كريسبر/كاس 9 مسألة تبديل وإدخال الجينات أكثر من أي وقت سابق، الأمر الذي يسمح بتشكيل أو إعداد حيوانات معدلة جينياً داخل المعمل بشكل أسرع وتكلفة أقل.
وبحسب موقع The verge، يتوقع البروفيسور ويليام موير -أستاذ العلوم الحيوانية بجامعة بوردو- حدوث المزيد من التطور السريع في هذه التقنية، وأضاف "أصبحنا على علم بالتقنية، وأصبحنا على علم بكيفية استخدامها، ونحن الآن ننتظر فقط لمعرفة كم التطبيقات التي يمكن أن تُستخدم خلال هذه التقنية".
ومن قبل، استُخدمت الأجسام المضادة المُصنعة داخل أجسام الحيوانات لعلاج الأمراض.
وفي تسعينيات القرن ما قبل الماضي، كان إِميل فون بهرِنغ –الطبيب الألماني والاختصاصي في علم البكتريا– أول من استخدم مصلاً مُستخرجاً من حيوانات مثل الخيول لعلاج الخناق أو الديفتريا –هو مرض الجهاز التنفسي العلوي بسبب بكتيريا الخناق الوتدية– وكان أول من فاز بجائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء أو الطب عام 1901 بسبب اكتشافاته.
ولكن ما حدث بعد ذلك أن جسم المضيف قد تعرف على هذه الأمصال باعتبارها شيئاً دخيلاً على الجسم؛ الأمر الذي قد يُحدث حساسية شديدة للجسم.
أما في الأبقار المُعدلة من خلال المعامل التابعة لشركة SAB Biotherapeutics، فتم التخلص من جينات الأجسام المضادة البقرية الخاصة بها واستبدالها بالنسخة البشرية لهذه الجينات مما يسمح للأبقار بإنتاج أضداد بشرية تامة.
ويقول إيدي سوليفان، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة SAB، إن ما يفعلونه –والمتمثل في قدرتهم على إنتاج هذه النسخة البشرية من الأضداد في أجسام الحيوانات– هو امتداد لتلك التكنولوجيا التي اكتُشفت منذ سنوات عدة مضت.
وتعتمد عملية التعديل الجيني التي يُجريها سوليفان وزملاؤه على الأبقار لاستبدال قطاع أو جزء جيني معين في الحيوانات بكروموسوم بشري اصطناعي يحتوي على المعلومات الوراثية اللازمة لإنتاج الأضداد البشرية.
وبعد ذلك تُحقن الأبقار بالمُسْتَضَدّ الخاص بالمرض المستهدف، وهي المادة التي من شأنها استثارة الاستجابة المناعية وتحفيز إنتاج الأجسام المضادة، وفقاً لموقع MIT technology review.
وبعد أن تُنتج الأبقار أجساماً مضادة كافية لهذا المرض، تُستخلص البلازما الخاصة بها 3 مرات شهرياً.
وبعد ذلك، تُعزل الأجسام المضادة من البلازما وتُنقى وتُحول إلى الدواء، وفقاً لتصريحات سوليفان التي نقلها موقع The verge.
وتستغرق العملية بأكملها، بدءاً من حقن الأبقار وحتى الخروج بالمنتج النهائي، حوالي الشهرين ونصف الشهر.
ويضيف سوليفان، ما ننشده من الأمر، بكل بساطة، هو تعزيز قدرة الجهاز المناعي الخاص بالمريض من خلال استخدام البروتينات الطبيعية المُستخدمة في أجسادنا لمكافحة الأمراض.
وكانت الحيوانات المعدلة وراثياً تُستخدم، بالفعل، منذ زمن طويل من قبل شركات تصنيع الدواء.
وعلى سبيل المثال، ففي مطلع التسعينيات من القرن المنصرم، كانت الفئران تُعدل وراثياً لإنتاج أجسام مضادة بشرية، وكانت هذه الطريقة التي اكتشفت من خلالها شركات تصنيع الأدوية العديد من الأجسام المضادة الجديدة لاستخدامها في إنتاج الدواء، وفقاً لروبرت إتشز، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة Crystal Bioscience المتخصصة في اكتشاف الأجسام المضادة.
ومنذ ذلك الحين، أصبح التطور في هذا المجال يحدث ببطء شديد؛ إذ لم يُنتج هذا النوع من الدواء إلا من خلال بيض أو حليب بعض الحيوانات المُعتمدة من قبل إدارة الأغذية والدواء الأميركية.
وكانت الأسباب الكامنة وراء هذا الأمر، بحسب الكثير من العاملين في هذا المجال، هي مخاوف العامة بشأن الكائنات المُعدلة وراثياً.
هل صعّب القلق العام بشأن الكائنات المعدلة وراثياً مسألة جذب الاستثمارات نحو هذه التكنولوجيا؟
وفقاً للعديد من الخبراء، كان للجدل المُثار حول الكائنات المعدلة وراثياً في أوروبا وأميركا دور كبير في ابتعاد الاستثمارات في هذه التكنولوجيا؛ إذ كان يخشى المستثمرون تمويل هذا النوع من الأبحاث المثيرة للجدل.
8 ملايين جرعة من اللقاح
تعود قيمة الأبقار المُعدلة وراثياً إلى إمكانية إنتاجها لأجسام مضادة – وهي الأجسام المضادة القادرة على مهاجمة البكتيريا والفيروسات وحتى الخلايا السرطانية في مناطق متعددة– وذلك على العكس من الأجسام المضادة أحادية النسل التي، بجانب التكلفة الباهظة لإنتاجها، تهاجم أهدافها في منطقة واحدة فقط داخل الجسد.
الأجسام مضادة متعددة النسائل تمثل الطريقة الطبيعية التي تكافح من خلالها أجسادنا الأمراض، ويمكن إنتاجها من خلال الكائنات الحية فقط.
وبحسب موقع The verge، تستطيع الأبقار إنتاج أجسام مضادة أكثر من البشر، إذ تُنتج البقرة الواحدة ما بين 30 و60 لتراً من البلازما شهرياً مقابل 4 لترات فقط للشخص الواحد.
والآن، ما زالت مسألة الأجسام المضادة المُستخلصة من الأبقار قيد التجربة لمعرفة ما إذا كانت آمنة أم لا.
2000 دولار لكل جرام
حاليا، تُجري المعاهد الوطنية للصحة الاختبارات اللازمة للأجسام المضادة البشرية المُنتجة داخل أجساد اﻷبقار، للمرة اﻷولى، من خلال الاستعانة ببعض البالغين اﻷصحاء، وذلك ضمن المرحلة اﻷولى لتجارب اﻷمن والسلامة الخاصة بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية.
وتخطط الشركة ﻹجراء المرحلة الثانية من التجارب في الدول التي لديها حالات مصابة بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية على المستوى المحلي، وذلك إذا ما أظهرت المرحلة اﻷولى من تجارب السلامة النتائج المرجوة.
ورغم المستقبل الواعد لهذه التكنولوجيا، إلا أن تكلفتها عالية للغاية؛ إذ تشير التقارير الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، التي نشرها موقع MIT technology review، إلى أن تصنيع هذا الدواء قد تصل كلفته إلى 2000 دولار للجرام الواحد.
ونص التقرير أيضاً على أن هذه الكُلفة العالية للدواء قد تعني ضمنياً عدم قدرة الدول الأكثر احتياجاً لهذا النوع من الدواء على تصنيعه.
ووفقاً لسوليفان، بإمكان كل بقرة إنتاج أجسام مضادة تتراوح بين 150 إلى 600 جرام في كل شهر.