لعل الموت من الأشياء القليلة المؤكدة في هذه الحياة، فلا يمكن لأحد تجنُّبه أو الفرار منه، سواء أحببنا ذلك أم لا، ففي جميع أنحاء العالم يموت ما يقرب من 100 شخص كل دقيقة.
لكن مع ذلك، فلا يعرف معظمنا إلا القليل جداً ما يحدث لأجسادنا بعد الموت، فتصوُّر البعض له ينتهي عند لقطة هادئة شاهدها في مسلسل أو فيلم لتوقف ضربات القلب فجأة لشخص مستلْقٍ على السرير منتظراً إياه.
الثواني الأولى بعد الموت
إذ يعتبر الأطباء لحظة توقف القلب أنها وقت الوفاة، ففي الثواني الأولى يتوقف القلب عن ضخ الدم إلى الشرايين وجميع أنحاء الجسد، وبالتالي يتم حرمان خلايا الجسم من الأكسجين بصورة سريعة، مما يؤدي إلى توقف نشاط الدماغ، وتوقف الخلايا العصبية عن العمل.
وأحياناً، يحاول الأطباء إنعاش شخص ما، بضخ هواء إضافي إلى الرئة والمعدة، فإذا حدثت الوفاة فإن الهواء يخرج مروراً بالحبال الصوتية، ومن الممكن أن يسبب ذلك صوتاً مثل الأنين أو الحشرجة، وهي بالطبع أصوات مخيفة.
بعد ذلك، يبدأ الجسم في فقدان درجة حرارته ويتأقلم ببطء مع درجة حرارة الغرفة المحيطة، بحيث يفقد نحو 0.8 درجة مئوية (1.5 درجة فهرنهايت) كل ساعة، وهو ما يسمى "برودة الموت".
بعد ساعات من الموت.. يتغير لون الجلد
وبعد مرور بضع ساعات من الوفاة، نرى وجه الميت شاحباً بشكلٍ مُخيف، فبعد توقف القلب عن ضخ الدم يمر الجلد بالعديد من التغييرات، حيث يتجمع الدم عند أدنى نقطة في الجسم بسبب الجاذبية.
ويتغير لون الجلد إلى الأرجواني الأحمر أو الأرجواني الأزرق، وهو ما يسمى "الزرقة الرمية"، ويمكن أن يستغرق ذلك من 8 إلى 12 ساعة لتصبح أكثر وضوحاً أو مرئية.
فيما يتحول باقي الجسد إلى اللون الشاحب، ويثبت اللون على ذلك بحيث إذا تم قلب الجثة على الجانب الآخر سيظل اللون كما هو ولن يتغير، ويساعد ذلك الأطباء الشرعيين في معرفة وقت الوفاة.
العضلات تتيبس مع الوقت
يبدأ تيبس الميت خلال الساعات الأولى من الوفاة حتى 12 ساعة، بدايةً بالعضلات الصغيرة في الجفون والفك والرقبة ثم يليها الذراعان والجسم بأكمله، بحيث تصبح الجثة صعبة التحرك تدريجياً وهو ما يسمى أيضاً "التخشُّب"، وذلك بسبب توقف المضخات التي تنظم الكالسيوم في الجسد بعد الوفاة.
حيث يتم ترسيب الكالسيوم، مما يؤدي إلى تشنج العضلات والمفاصل، لكنها تتبدد ويعود الجسم مسترخياً مرة أخرى بعد 12 ساعة إضافية، ويختفي التيبس بنفس الترتيب، ومن الممكن أن يؤدي إلى تخلّص الجثة من البول أو البراز بسبب ارتخاء العضلات.
اختفاء التجاعيد
كما يؤدي تيبس العضلات إلى تسطّح الجلد وفصله عن العضلات والعظام تحته، وتختفي التجاعيد على الفور، حيث تفقد العضلات كل التوتر في لحظة الوفاة.
هناك أسطورة شائعة تقول إن الشعر والأظافر يستمران في النمو بعد الموت، وفي الواقع هذا غير صحيح، حيث يفقد الجلد الرطوبة، مما يؤدي إلى انكماشه بعيداً عن بصيلات الشعر والأظافر، وهو يجعلها تبدو أطول مما كانت عليه عندما كان المتوفى على قيد الحياة.
خلايا تظل على قيد الحياة لفترة
وعلى الرغم من أن معظم الخلايا تموت بعد بضع ساعات من الوفاة، على سبيل المثال تموت خلايا المخ في غضون بضع دقائق، فإن هناك بعض الخلايا لا تموت على الفور، ويساعد ذلك على زرع الأعضاء والأنسجة كالتبرّع بالقلب والرئتين، ويمكن لخلايا الجلد البقاء على قيد الحياة أكثر من 24 ساعة، وذلك بسبب اتصاله مع البيئة الخارجية، حيث يقوم بسحب ما يستطيع من الجو ليظل حياً.
بعد أيام من الموت
خلال الأيام الأولى، من الوفاة يبدأ الجسد في الانهيار من الداخل، حيث تتحلل البروتينات والإنزيمات، مما يؤدي إلى انهيار جدران الخلايا داخل الجسم، وفقدان التماسك بين الأنسجة، وتبدأ الملايين من الكائنات الحية الدقيقة مهمتها في تحطيم الخلايا الميتة بالأمعاء، وينتشر التعفّن في المعدة، وتنتج الغازات الفاسدة والرائحة الكريهة.
وهذا ما يؤدي إلى انتفاخ العينين وتورم اللسان، فيما تستمر البكتيريا في الدخول إلى مجرى الدم وتنتقل عن طريق الأوعية الدموية لتحطيم أجزاء مختلفة من الجسم، وتقوم كذلك بكتيريا القولون في غزو أجزاء أخرى من الجسم، فمن الخارج تبدو الجثة بخير، لكنها من الداخل تتجه نحو الانهيار.
بعد شهور من الموت
يسقط الشعر والأظافر والأسنان بعد مرور شهر من الوفاة، والعظام هي آخر الأشياء التي تختفي بعد الموت، حيث ينجذب الذباب والنمل إلى الرائحة الكريهة التي تخرج من الجسد، ويقوم الذباب بوضع البيض الذي يفقس إلى يرقات.
ويمكن لليرقات أن تستهلك 60% من الأنسجة بالجسم في غضون بضعة أسابيع، وتنجذب كذلك الخنافس والعناكب إليها، وتقوم بنخر العظام حتى تتحول إلى غبار، وهو ما يعرف بـ"التسوس الجاف"، ويمكن أن يحدث على مدار السنة والسنة التي تليها.