قبل دقائق قليلة من الساعة التاسعة ليلاً في يوم الثلاثاء، كان أنطونيو غويتيريز يبحث لنفسه عن مكان لائق يستضيفه. اقترحت عليه نادلة في مقهى أن يتناول بعض المقبلات. وكان أنطونيو يعتقد أن الأمر يستحق التفكير، بعد أن قدم له المقهى طبقاً من المعكرونة، وحساء السمك، وشريحة كعك.
بالنسبة لأغلب الزبائن، فإن هذا العرض لا يمكن مقاومته. أما بالنسبة لأنطونيو، فإنه كان يبدو ضربا من الخيال، في مقهى لا يشبه أبدا كل المقاهي التي ارتادها.
في النهار، يكون مطعم "روبن هود"، الذي يقع على جانب أحد الشوارع الرئيسية في وسط مدينة مدريد، مجرد مقهى يقدم لزبائنه القهوة، والفاكهة، والدخان، وشرائح من لحم الخنزير، إلى جانب فنجان شاي.
وفي الليل، ينقلب هذا المكان إلى مأوى للمشردين، من أمثال غويتيريز الذي يبلغ من العمر 40 سنة. ويقدم لهم عشاء مجانيا فوق طاولات تزينها بعض الورود والسكاكين المعدنية والكؤوس البلورية الفاخرة، بحسب ما نشر تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
إن فكرة هذا المطعم كانت بمبادرة من منظمة "منسنخيروس دي لاباز"، وتعني "رسل السلام"، التي أسسها أنجيل جارسيا رودريغيز قبل أكثر من 54 سنة.
طعام مجاني
تقوم مبادرة المطعم على فكرة طموحة رغم بساطتها؛ تتمثل في إطعام المشردين ليلاً بصفة مجانية اعتماداً على المال الذي يمكن تحصيله من الزبائن الأغنياء الذين يرتادون المقهى في النهار.
قال الأب أنجيل متحدثاً عن فكرة المطعم "لقد ألهمنا البابا فرنسيس الذي كان يتحدث دائما عن أهمية إعطاء البشر كرامتهم، سواء كان ذلك عن طريق الخبز أو عن طريق العمل. ومن هناك جاءت فكرة افتتاح مطعم لائق، يقدم أطباقاً جيدة إلى جانب موائد مفروشة وسكاكين جديدة. إن الأشخاص الذين لا يملكون شيئا يمكنهم القدوم إلى المطعم وتناول الطعام في المكان الذي يمكن أن يحظوا فيه بنفس المعاملة التي يحظى بها الجميع".
تعمل منظمة "رسل السلام" إلى جانب عديد الجمعيات الخيرية الإسبانية على مواجهة النتائج الاجتماعية للأزمة الاقتصادية التي أدت إلى ارتفاع نسبة البطالة إلى 20 %، وبلغت هذه النسبة 45% في صفوف الشباب، وهي أعلى معدلات البطالة في أوروبا.
يوفر الأب أنجيل يوميا طعام الفطور والغداء لأكثر من 200 متشرد قرب المركز الاجتماعي للكنيسة. وفي المساء، يستضيف المطعم 100 مشرد على العشاء خلال جلستين.
إذا أثبتت هذه المبادرة نجاحها، فإن المنظمة غير الحكومية سوف تسعى إلى تعميمها في مناطق أخرى، وقد تنجح المبادرة في جذب طهاة ماهرين ليساعدوا على طبخ الأطباق في المطعم.
"اسم استفزازي"
أضاف الأب أنجيل الذي يبلغ من العمر 79 سنة: "نقرأ في الكتاب المقدس "لا يعيش الإنسان على الخبز لوحده" لكن الكتاب المقدس نسي أن بعض الناس لا يملكون الخبز حتى."
ويقرّ القسيس بأن ثمة شيئاً استفزازياً بعض الشيء في تسمية المطعم على اسم شخص كان يوزع المال والثروة بحد السيف والسهم، ولكن الفكرة ليست سرقة الأثرياء بقدر ما هي تشجيعهم على مشاركة ثروتهم الكبيرة مع الآخرين."
وأضاف الأب "إن اسم المطعم يساهم فقط في لفت الأنظار للمبادرة. كنا نستطيع أن نسميه "بيت دعارة"، ويمكن أن يحظى هذا الاسم بانتباه الجميع".
قال راموس لويس، أحد رواد المطعم معلقا على الخدمات التي يقدمها مطعم "روبن هود"، "إن الطعام هنا جدي ولائق. يستحق أفضل العلامات، ولذلك سأعود غدا لتناول الطعام مرة أخرى".
وذكرت كارمن جانكويتا أن الأواني والمفروشات التي كانت فوق الطاولة إلى جانب الطعام، أظهرت مظاهر الحفاوة في العشاء. وأضافت "إن هذا المطعم يمثل الحياة والسعادة بالنسبة لي. إنه أفضل شيء على الإطلاق. إنه أفضل شيء في العالم".
وقال غويتيريز الذي أمضى أكثر من عشر سنوات متشردا في شوارع مدريد، ولم يذق طعاما مماثلا منذ أربع أو خمس سنوات، إلا في بعض المرات التي كان يصطحبه فيها الأب أنجيل؛ "إذا كنت لا تملك شيئا، فإن ذلك يعني الكثير بالنسبة لك".
وبعد تردده لبضع ثوان، طلب غويتيريز قطعة أخرى من الكعك.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.