أزمة خطيرة تواجه معرض القاهرة الدولي للكتاب المقرر افتتاحه أوائل العام المقبل، ربما تؤثر بشكل كبير على الدورة المقبلة للمعرض -رقم 48- والمقرر تنظيمها في الفترة من 27 يناير/كانون الثاني إلى 10 فبراير/شباط 2017، في أعقاب الارتفاع الكبير في سعر الدولار بعد تعويم العملة المصرية -من 9 إلى 18 جنيهاً مقابل الدولار في غضون شهر واحد- ومن ثم ارتفاع أسعار الورق المستورد والأحبار وغيره.
الأزمة الاقتصادية في مصر، وما تبعها من ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، لم تلقِ بظلالها على السلع والمأكولات والملابس والأدوية فقط؛ بل وصلت أيضاً للكتاب وباتت تهدد معرض الكتاب المقبل، الذي تشارك فيه كل الدول العربية ودور نشر أجنبية، وتهدد بتراجع المبيعات لأكثر من النصف.
أزمة ورق
وبحسب بيانات غرفة تجارة القاهرة، تحتاج مصر إلى ما يعادل 450 ألف طن من ورق الكتابة والطباعة المستخدم في إنتاج كتب الدراسة والكتب الخارجية والكشاكيل والكراسات، يتم تدبير 200 ألف طن منها سنوياً عن طريق 22 مصنعاً، بينها مصنعان حكوميان هما إدفو وقنا لصناعة الورق، واستيراد ما يزيد على 250 ألف طن، و150 ألف طن من الورق الخاص بإنتاج الصحف سنوياً.
ويبلغ عدد دور النشر الأعضاء في اتحاد الناشرين المصري 500 دار، وفقاً لبيانات الاتحاد.
الكتاب ارتفع سعره 50% والمترجَم 150%
مدير مكتبة ودار نشر "دار المعارف" الشهيرة بشارع عبد الخالق ثروت (وسط القاهرة)، طارق محمد فاروق، يتوقع "عدم مشاركة العديد من دور النشر التي تشارك كل عام في المعرض"، مؤكداً: "تأثرنا كثيراً بأزمة الدولار، وأحجم الجمهور بشكل غير عادي عن شراء الكتب وأصبحنا نعاني خسائر كبيرة".
وعن دورة المعرض المقبلة، يتوقع فاروق في حديث لـ"عربي بوست"، "أن تتخذ وزارة الثقافة قراراً بإلغائه، ليس فقط بسبب ارتفاع أسعار الكتب التي زاد سعرها 50% عن العام الماضي؛ بل بسبب أزمة أكبر ستواجه المشاركين؛ وهي ارتفاع أسعار إيجار أماكن العرض لدور النشر داخل المعرض".
الجمهور لا يملك أن يدفع 200 أو 250 جنيهاً في الكتاب الواحد، فضلاً عن ارتفاع بلغ 150% في سعر الكتاب المترجم، وهو الذي يكون الإقبال عليه كبيراً في المعرض، فقد قفز متوسط سعره بعد التعويم من 200 إلى 460 جنيهاً، فكيف يتحمل الناشر كل هذه الأعباء؟!".
دور نشر لن تشارك
أسامة رمضان، مدير دار نشر "القاضي" بوسط القاهرة، يتوقع بدوره "أنه لن يكون هناك رواج داخل معرض الكتاب. فكثير من دور النشر لن تشارك في المعرض بسبب أزمة الدولار".
ويقول "رمضان" لـ"عربي بوست"، إن السبب "ارتفاع سعر الدولار الذي أثر على مبيعات الكتب بعد ارتفاع أسعار الورق والخامات المستوردة والمصرية، حيث زاد سعر الأخيرة 30% عقب قانون الضريبة المضافة، بينما سعر المستوردة ارتفع 3 أضعاف، ليصل سعر الكتاب الصغير إلى 250 جنيهاً". ويتساءل: "كيف يشتري الجمهور كتاباً بـ200 و300 جنيه، كان يشتريه العام الماضي بـ50 أو 75 جنيهاً فقط ؟!".
الإيجارات زادت 20%
ويقول "مصطفى الفرماوى" مدير التسويق بـ"دار الشروق للطباعة والنشر"، والمسؤول عن المشاركة في معرض القاهرة الدولي للكتاب، إن "ارتفاع سعر الدولار تسبب في خسائر مجحفة لدور النشر، وكنا نستعد للمعرض منذ شهور، قبل قرار تعويم الجنيه، ولكن التعويم وصعود الدولار للضعف، أديا إلى خسائر كبيرة على الناشرين ستؤثر على صناعة الكتاب".
ويضرب مثالاً بقوله: "تعاقدنا مع دور نشر لبنانية، واشترينا منها كتباً بسعر الدولار قبل التعويم (بسعر 8 جنيهات)، ولأن دور النشر العربية والأجنبية لا تقبل سداد السعر بالجنيه المصري وتصر على أخذ مستحقاتها بالدولار، فقد حمّلنا هذا على أسعار الكتب بما يعادل أكثر من ضعف سعر الكتاب الواحد".
وانتقد الفرماوي "هيئة الكتاب"، وإدارة "أرض المعارض"، لعدم دعم الأولى لدور النشر، وزيادة الثانية لأسعار الإيجار بنسبة تتعدى 20% مقارنة بالعام الماضي، ما سيؤدي إلى خسائر كبيرة لدور النشر التي "ستحاول أن تعمل بالكاد لتغطية التكاليف من دون أي أمل في تحقيق أرباح".
اختفاء الكتاب "أبو جنيه"
ويؤكد أصحاب دور نشر، استطلعت "عربي بوست" رأيهم، أن "الكتاب أبو جنيه واحد سيختفى من المعرض تماماً"، وهذه النوعية من الكتب كانت تصدر عن جهات حكومية مثل "الهيئة العامة للكتاب" و"مكتبة الأسرة"، وكان لها جمهور كبير من الطلبة ومحبي القراءة.
وبدأ مشروع مكتبة الأسرة عام 1994، ثم تطور إلى مشروع "القراءة للجميع" الذي ارتبط اسمه بسوزان مبارك زوجة الرئيس المخلوع مبارك، ولكنه توقف بعد ثورة 25 يناير 2011، وكان يبيع الكتب التاريخية والعلمية وغيرها بجنيه مصري واحد.
ويشير العديد من أصحاب دور النشر، إلى أن نوعية جمهور الكتاب التي لا تزال حريصة على اقتنائه رغم كل الظروف هم أساتذة الجامعات والطلاب والأكاديميون وطلبة الماجستير والدكتوراه والقضاة. فمهما ارتفع ثمن كتب القانون مثلاً، فهي تأتي في مقدمة المبيعات، لحاجة الدارسين والمحامين والقضاة لها.
ويلي كتب القانون في المبيعات بدور النشر المصرية، الكتب العلمية وكتب التنمية البشرية والروايات العالمية وكتب البرمجة اللغوية والتنمية البشرية وفن التعامل مع الآخرين.
الحكومة: كُتبُنا تزيد 10% فقط
ولكن، ماذا عن دور الحكومة؟ وهل يُؤجل معرض هذا العام؟ أو ترتفع أسعار الكتب بهذه المعدلات غير المسبوقة؟
رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، والمسؤول عن تنظيم معرض القاهرة الدولي الدكتور هيثم الحاج علي، يعترف بأن أسعار الورق المستورد زادت، وزادت معها أسعار الكتب، ولكنه يؤكد أن هيئة الكتاب، التي اعتادت تقديم كتب مخفّضة، "لديها 300 عمل خاص من إنتاج 2016 و2017، ستقدم بأسعار مخفضة".
ويؤكد رئيس الهيئة أن معرض القاهرة للكتاب "تظاهرة ثقافية"، وليس مجرد مكان لبيع الكتب، وأنه يشهد إقبالاً شديداً من الجميع، مشدداً على أن "إصدارات الهيئة التي ستعرض بمعرض الكتاب في دورته الـ48، لن تتأثر بتعويم الجنيه".
ولكنه يعترف بزيادة نسبية في أسعار الكتب الحكومية تقدر بنحو 10%؛ بسبب ارتفاع أسعار الورق المستورد ومستلزمات الطباعة، كاشفا عن أن "هيئة الكتاب تحسبت لهذا الغلاء في أسعار الورق، واتخذت العديد من الإجراءات قبل تعويم الجنيه، حتى يكون لدينا عدد من خامات الورق تكفي لإنتاج إصدارات معرض الكتاب 2017".
ويحذر "عادل المصري"، رئيس اتحاد الناشرين المصريين، من "شبح غلق دور النشر أبوابها"، مشيراًإلى أن 60 داراً للنشر توقفت عن دفع الاشتراك السنوي للاتحاد (700 جنيه سنوياً فقط)، ما يشير إلى توقفهم عن العمل نتيجة ارتفاع أسعار الورق والخامات، لافتاً إلى أن "متوسط ما تصدره أي دار نشر سنوياً يبلغ في المعتاد نحو 60 إلى 80 كتاباً، ولكن بعد أزمة ارتفاع أسعار الورق أصبحت كل دار لا تنشر سوى 25 إلى 30 كتاباً سنوياً، والكثير منها توقف".