احتج نحو 2000 من الآباء والأمهات الألمان على تغييرات بالمناهج الدراسية، خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2016؛ بمدينة فيسبادن الألمانية، بسبب إقحام الجنس في الدروس بحيث يتلقى الأطفال دروساً عن الجنس الشرجي والأدوات الجنسية والممارسات الجنسية الأخرى غير التقليدية.
ورغم تحفظ الأهالي واعتراضات كثير من القوى السياسية المحافظة، فقد طُلِب من المدارس التشجيع على قبول ما وُصف بأنماط حياة وهُويات مُختلفة، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
وقالت وزارة التعليم بولاية هسين الألمانية إنه اعتباراً من خريف العام الجاري 2016؛ يُحتم على المُعلمين إجراء نقاشات بشأن التنوع الجنسي والنوع الاجتماعي مع الأطفال، ليس في دروس التربية الجنسية الإلزامية في ألمانيا فحسب؛ بل في مناهج مثل اللغة الإنكليزية والرياضيات أيضاً، بحسب ما أوردت الغارديان البريطانية.
طرق التدريس
يقول ماركوي أولريش، من مجموعة "مِثليي الجنس" الألمانية لحقوق المثليين (LSVD): "الفكرة هي أن نُبيّن للأطفال أن هناك طرقاً مُختلفة للحب وللحياة هكذا، حيث يتم التطرق إلى القضية على أساس يومي"، حسب ما نقلت عنه الغارديان.
ويضيف: "مثلاً؛ في الرياضيات؛ بإمكان المدرس أن يضع مسألة تشمل عائلة من مثليي الجنس، أو في الإنكليزية؛ عندما يدرس الطلاب رواية روميو وجولييت؛ بإمكان المُدرّسين أن يسألوا عن أنواع أُخرى من العلاقات التي يتم رفضها في بعض الأحيان".
وتضع كلٌ من ولايات ألمانيا، البالغ عددها 16 ولاية، منهجها الدراسي الخاص، وكانت هسين آخر الولايات التي قالت إن المُعلّمين مُلزَمون بتناول قضايا المثليين في المدارس، على غرار برلين وبراندنبورغ اللتين بدأتا هذا المسار؛ ولكن أينما طُرِحت هذه القضية، يُقابَل الأمر باحتجاجات، بحسب أولريش.
إذاً؛ ماذا يُدرّس المُعلمون بشكل فعلي؟
يقوم غيدو مايوس، مُدرِّسُ علم الأحياء بمدينة بوتسدام (على مقربة من برلين)، وهو مثلي الجنس، بتدريس التنوّع الجنسي والنوع الاجتماعي خلال حصص علم الأحياء وحصص التربية الجنسية.
ولجعل الأطفال يفكرون بشأن الفروق بين الجنسين، يسأل غيدو عن مزايا الأولاد والبنات التي يتفوق بها كل منهم على الآخر (بحسب إحدى الحصص؛ أُجيب بأن الفتيات لديهن ميزة القدرة على البكاء متى أردن، في حين أن الأولاد بإمكانهم غسل شعرهم القصير بسهولة)، كما تناولوا لاحقاً كيف يتم بناء النوع الاجتماعي، فقال غيدو إن "هناك العديد من الأشياء القديمة في عقول الأطفال؛ لأننا نُدرّبهم على اعتقاد أن الأولاد أقوياء ورياضيون، في حين أن الفتيات لسن كذلك".
ويشرح غيدو الطرق التي تُستخدم لجعل الأطفال يتقبلون مثيلي الجنس قائلاً: "في مسيرة حقوق المثليين التي تُنظّم كل عام بمدينة برلين؛ يجلِب بالونات كُتِب عليها (لطيف. مُدرِّسي مِثلي الجنس) إلى التلاميذ بالمدرسة".
وبحسب غيدو؛ يستمتع الأطفال بالتعلّم بشأن الجنس والتنوع؛ إذ يقول إنهم "لم يتحدّثوا أبداً عن هذا الشأن من قبل، لذا؛ نتناول الأمر بمرح ونضحك كثيراً!".
المعلمون غير مرتاحين
ومع ذلك؛ لا يُجمِع كافة المُعلّمين على الارتياح بشأن التطرّق إلى ذلك الموضوع؛ ويطالب مُديرو المدارس جنباً إلى جنب مع اتحاد التعليم الألماني بتدريب المدرّسين على نحو أفضل.
تُشير ماركيه كلاوينفلوجيل، المُدرسة بمدينة فرانكفورت والمتحدثة لدى اتحاد التعليم الألماني باسم المُعلمين المثليين، إلى أن المُعلمين يفتقرون إلى الثقة بِشأن التحدث عن الجنس والتنوّع، فيما يشعر آخرون بأنه ليس لديهم الوقت، فضلاً عن مواجهة الضغط القائم بالفعل والذي أسفرت عنه أزمة اللاجئين.
وقالت: "عادة ما تكون الإدارات مسؤولة عن التأكد من أن الأمر يتم تطبيقه في المدارس، والبعض يفعل ذلك، والبعض الآخر يتجاهل المسألة".
ومن المُتطلّب أن يتم دمج القضية في دورات تدريب المُدرسين، حيث قالت ماركيه: "هناك حاجة لمبادئ توجيهية تقدّمها وزارة التعليم الألمانية، كما أنهم بحاجة لتوفير تدريب يشمل كافة الولايات"، وبهذه الطريقة؛ سيتمكن المُدرسون من الشعور بالمزيد من الراحة بشأن الحديث عن الموضوع.
وتشير ريجين فيلاسيتشاو، من جميعة Pro Familia المُختصة بقضايا الجنس والشراكة وتنظيم الأسرة في ألمانيا، إلى أن مديري المدارس قد يماطلون في الأمر بسبب الشكاوى المُحتملة من قِبل الآباء والأمهات.
ولذا، يجب إبقاء الأبوين على دراية بالبدء ليساعدوا بدورهم على اتخاذ موقفٍ داعمٍ، حيث قالت إنه "من المهم إشراك الأبوين في التعليم الجنسي، فهذا يعني أنه بإمكانهم التعبير عن قلقهم".
وأشارت أولريش أيضاً إلى أن مُديري المدارس بإمكانهم إيضاح أن قبول التنوع يعد جزءاً من سياسة المدرسة، بإدراجه ضمن لوائح المدرسة أو على موقعها الإلكتروني.
متطوعون
قد يساعد مُتطوعون صغار أيضاً على طرح ذلك الموضوع؛ فمثلاً، يقوم الطالب بكلية الطب بجامعة هيدلبيرغ والبالغ من العمر 22 عاماً، لوكاس تشينشافسكي، بتنسيق برنامج "Safety in Love" للتثقيف الجنسي، وفيه يتحدّث طلاب مُتطوعون عن كافة جوانب التربية الجنسية في المدارس، ويتأكدون من أن المحتويات الدراسية تشمل قبول التنوّع.
ويقول لوكاس: "في إحدى الألعاب؛ نعرض صوراً لمشاهير يُعلنون أنهم مِثليو الجنس أو ذوو هويات جنسية مغايرة، ونسأل عن الميول الجنسية التي يتوقعها الطلاب بشأنهم، وعادة ما يقولون عن أحدهم: (آه حقاً، إنه يبدو مثلياً) أو لا يقولون ذلك، ومن ثم نتناول لاحقاً الصور النمطية بشأن الموضوع".
وتشارك في البرنامج أيضاً الطالبة البالغة من العمر 21 عاماً من جامعة لوبيك، فريدريك بووك، وتقول: "عندما أقوم بتدريس التربية الجنسية، ويسألني أحد الطلاب في الفصل عما إذا كان لدي حبيب، دائماً ما أُجيب قائلة: لماذا لا ينبغي أن تكون لي حبيبة؟ كي أقدّم لهم فكرة عن الموضوع!"، حسب قولها.
ويدير الطلاب أيضاً ورش عمل للمدرسين، ويسمحون لهم بالمشاركة في الفصول الدراسية بأنفسهم ليشهدوا كيف يتحدّثون عن تلك القضايا.
ووفقاً لما يرى مُديرو مدارس؛ من المهم أن يشعر المُدرسون بالارتياح وألا يُدرّس التنوع بشكل مُنفصل في حصص دراسية خاصة، فتقول سارة كليمان من اتحاد التعليم الألماني إن "المُدرسين عليهم أن يأخذوا ذلك في اعتبارهم بكافة دروسهم، فلا ينبغي لهم قصر أمثلتهم على عائلات مكونة من جنسين (أب وأم وطفل)، حيث يعد ذلك تأثيراً خفيّاً ولكنه مهم".
في ظل المناخ السياسي الحالي؛ يرى كثيرون أن تقبّل تدريس هذه المُحتويات يعد أمراً أكثر أهمية، "فذلك يخلق بيئة مفتوحة في المدارس للجميع، وليس لمثليي الجنس فحسب"، وفق ما تقوله ستيفاني فيكتار، البالغة من العمر 28 عاماً، من مُوسسة ABqueer غير الحكومية التي تُنظم تطوّع شباب مثليين للحديث في المدارس بشأن عدم التمييز.
200 ألف معترض
وتعني المواقف اليمينية المُتنامية أن ثمة احتجاجات ستحدث دائماً عندما تحاول ولايات جديدة التطرّق إلى تعليم التنوع في المدارس، وقد بدأت تلك الضجة قبل عامين؛ عندما وقع نحو 200 ألف شخص على عريضة في ولاية بادن فورتمبيرغ الألمانية تعرب عن الخشية من تلقين المدارس للأطفال مواقف جنسية بالترويج لنمط حياة المثليين، ومنذ ذلك الحين تم تطبيق تلك المحتويات الدراسية في ولايات بافاريا وهسين.
وقد تقدم حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي حقق مكاسب في الانتخابات الإقليمية التي انعقدت عام 2016، بمقترح من شأنه تنحية معظم المحتويات الدراسية المتعلقة بالمتحولين جنسياً والمثليين ومزدوجي الجنس من مقررات المدارس، وأن يتم التركيز على "قيم الأسرة التقليدية" بدلاً من ذلك، وكيف يُعدّ التزاوج بين الرجل والمرأة "غرضاً أساسياً من الحياة".
وتقول ماركيه كلاوينفلوجيل، المُدرّسة بمدينة فرانكفورت والمتحدثة لدى اتحاد التعليم الألمانية باسم المُعلمين المثليين، إنه لا يمكن حدوث ذلك؛ "فمن الضروري جداً ربط حقوق المثليين بمسألة قبول كافة أنماط الحياة المُتعددة على تنوّعها"، حسب قولها.
وأضافت: "أعتقد أنه من المهم أن يتم تدريس التنوع في المدارس في الوقت الراهن بشكل خاص، فهي مسألة مُتعلّقة بحق من حقوق الإنسان، ومُتعلقة بقبول الناس بمختلف أنماط الحياة والمعتقدات الدينية والميول الجنسية والأنواع الاجتماعية والخلفيات، كما أنها طرح لجدارة التنوّع التي نحتاجها حقاً في مجتمعنا في الوقت الراهن".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.