الغرافيتي هو فن رسم الحروف أو الصور على الأسطح، وبخاصة الحوائط والجدران، وقد بدأ هذا الفن منذ أكثر من 30,000 سنة، حيث كان البشر الأوائل يقومون بالرسم على حوائط الكهوف باستخدام عظام الحيوانات.
وفي القرن العشرين، ولا سيّما بعد الحرب العالمية الثانية، اعتادت العصابات البلدية في الولايات المتحدة الأميركية على الكتابة على الجدران، عبر رش الدهان عليها، في مواقع عامة، لتحديد مقاطعتها، أو أماكن سيطرتها. وكثيراً ما كانت الكتابات مرتبطة بحضارة موسيقى الهيب هوب والراب.
ويعتبر فن الغرافيتي أحد أكثر أشكال الفنون انتشاراً في شوارع وميادين الدول العربية، التي شهدت انتفاضات شعبية، كما أنه أكثر أشكال الفنون تأثيراً ووضوحاً، فالمقصود بهذه الرسومات هو إظهارها العلني في الفضاء العام، وتحدي هيمنة السلطة من خلالها، من هنا سببت هذه الرسومات صداعاً دائماً للسلطة التي حرصت في كل مرة على إزالة آثارها وطمسها من المجال العام.
عادة ما كان يُرسم الغرافيتي، وتوضع الملصقات في الخفاء آناء الليل، ثم تتحول الشوارع والبنايات عند حلول النهار إلى معرض مذهل يذكر الناس بالمقاومة وتحدي السلطة، كما يمثل حافزاً مهماً في تغذية روح المقاومة عند عموم الناس الذين يتصورون وجود جيوب للمقاومة ما زالت تنبض بالحياة والأمل.
وانتقلت الثورة من الشوارع والمظاهرات والمسيرات، ومن الفن الحركي من الأفلام والأغاني الثورية والمسرحيات السياسية، إلى فن جديد ومن نوع آخر، وهو فن الرسم على الجدران، فن الغرافيتي والطريقة المبتكرة في الثورة على الأنظمة والحكومات بسلمية من خلال الفن الصامت، الذي يصور قضايا مجتمعية من خلال رسومات ملونة أو بالأبيض والأسود على الجدران.
اشتهر فن الغرافيتي بالتزامن مع أحداث الربيع العربي في تونس ومصر، وكذا في فلسطين، وذلك عن طريق رسم صور للشهداء على جدران الشوارع، لتذكير الشعب بالجرائم الدموية التي ارتكبتها الأنظمة تجاه شعوبها، كما يتم كتابة الشعارات التي استخدمها الثوار في بداية الربيع العربي حتى لا ينسى الشعب مطالبه التي لم تحقهها الأنظمة بعد.
تونس
في قلب العاصمة التونسية ووسط شوارعها، انتشرت حملات الغرافيتي التي بدأت مع انطلاق الثورة، واستمرت بمرور الوقت خلال المرحلة الانتقالية في تونس ، وكانت تعبر عن التزامن مع الأحداث التي تندلع على الساحة السياسية ومحاولاً عكسها على الجدران بلوحات فنية تتراوح أفكارها بين الغضب والهزل.
ويحاول شباب الغرافيتي في تونس أن يوصِّلوا أفكارهم للشارع. حيث يستمد الفنانون الغرافيتيون مواضيعهم من الرسائل السياسية والاجتماعية والثقافية احتجاجاً على الأوضاع الحالية، تميل بعض الرسائل للانتصار للمهمَّشين من أفراد المجتمع كالفقراء والعمال والمظلومين.
وفي بعض الأحيان يستخدم الغرافيتي كشكل من أشكال الدعاية، فضلاً عن اعتباره من قِبَل النقاد شكلاً من أشكال الفن الحديث، وقد سعت بعض المتاحف وصالات العرض العالمية إلى استضافة بعض رواد هذا الفن لعرض أعمالهم على الجمهور.
وعقب أحداث ثورة تونس، استمرت حملات الغرافيتي تنتشر في شوارع تونس العاصمة، لإبداء الاعتراض على ما كان يتبع من سياسة، من قبل الحكومة والمجلس العسكري الأعلى في تونس.
ومن ضمن الكتابات التي تمت كتابتها في حملات الغرافيتي: "لا خوف لا رعب.. السلطة ملك الشعب"، و"يسقط حكم العسكر"، و"أوقفوا القتل"، و"حذار من جوعي ومن غضبي.. فإني إذا جعت آكل لحم مغتصبي"، و"الشارع ملك الشعب"، و"Molotov" و"لا تصالح"، بالإضافة إلى وجود غرافيتي للشهداء بصور لهم ومكتوب عليها ""we never forget you"
مصر
خارج براويز التلفاز وأوراق الصحف، استطاعت كتابات ورسوم الغرافيتي على الجدران في مصر أن تصنع إعلاماً مغايراً ذا طابع فني ثوري، فيكفى أن تملك علبة ألوان وفكرة جديدة، لتصبح واحداً من موثقي الثورة المصرية.
وفي أعقاب الاحتجاجات التي تتجدد كل يوم في كل أرجاء البلاد، ملأت خطوط فناني الغرافيتي الحوائط والميادين المصرية، بإمضاءات مستعارة صنعت ثورة وإعلام شارع ونجوماً غير قابلين للموت.
وبمجرد السير في الشوارع المصرية سرعان ما تجلب مجموعة صور شهداء ثورة يناير انتباه المارة، فالرسوم ملأت الحوائط وزينتها بطريقة مبتكرة وذات معنى هادف، كتلك الموجودة على جدران شارع محمد محمود بميدان التحرير، حيث طور محبو هذا الفن الرسومات الصغيرة إلى جداريات ضخمة، حولت جدران البنايات الرئيسية إلى لوحات تعبر عن مواقفهم السياسية وتسجل أهم الأحداث التي تعرضت لها المدن المصرية منذ اندلاع ثورة 25 يناير وحتى قيام القيادة العامة للقوات المسلحة بعزل الرئيس محمد مرسي.
فلسطين
ظهر فن الغرافيتي الحديث في فلسطين بشكل واضح، مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى أواخر ثمانينيات القرن الماضي (انتفاضة الحجارة)، حيث تعد فلسطين من أوائل الدول العربية التي ظهر فيها فن الغرافيتي الحديث.
ولجأت التنظيمات الفلسطينية إلى استخدام هذا الفن كأحد أساليب مقاومة المحتل حيث تنازعت مختلف التنظيمات السيطرة على هذا المنبر، من خلال الرسوم وكتابة الشعارات الوطنية، التي غطت جدران المنازل والمحال التجارية في الأزقة والحارات والميادين العامة، تدعو الفلسطينيين للمشاركة في فعاليات مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، بهدف رفع المعنويات، وبث روح الصمود، عبر تمجيد الشهداء والأسرى والجرحى، ونشر الوعي الوطني.
ويبدو أنها كانت سلاحاً فعالاً بيد فصائل الثورة الفلسطينية، ما دفع قوات الاحتلال إلى مطاردة رسامي الغرافيتي، وسجنهم، وتغريم أصحاب الجدران، وإجبارهم على مسح الغرافيتي.
ومن أبرز الرسوم التي ظهرت على الجدران: خريطة فلسطين، والعلم الفلسطيني، وقبضة شعار النصر، ورسم الكلاشنكوف، وحنظلة، وسفينة العودة، وقضبان السجان.
وأيضاً شعارات مثل "فلسطين حرة عربية"، و"لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة"، و"المجد والخلود للشهداء الأبرار"، و"ثورة حتى النصر"، و"الحرية لأسرى الحرية"، و"الموت للعملاء"، وأخرى تدعو لتصعيد المقاومة في وجه الاحتلال والحشد والتحريض والتعبئة وتحديد أيام الإضرابات.