لم يسجل تاريخ السينما الجزائرية، التفافاً واسعاً من الجمهور والدوائر الرسمية حول عمل إبداعي مثلما يحدث حالياً مع فيلم "البئر"، لمخرجه لطفي بوشوشي، والذي يتنافس رسميا في المسابقة الـ89 نيل جائزة الأوسكار العالمية، بعد اختياره من قِبل اللجنة المختصة عن فئة الأفلام الأجنبية.
وصحيح أن السينما الجزائرية حصدت جوائز عالمية من قبل؛ أهمها السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي في فرنسا، والتي فاز بها الأخضر حامينا عام 1975 عن فيلمه "وقائع سنين الجمر"، غير أن الاهتمام الرسمي والشعبي بفيلم "البئر" غير مسبوق.
فقد أطلقت المؤسسة الرسمية في الجزائر ممثلة في وزارة الثقافة، حملة وطنية واسعة لحشد الدعم اللازم لهذا العمل، الذي يصور معاناة الجزائريين أثناء ثورة التحرير من زاوية جديدة.
وصور فيلم "البئر"، الذي نجح لحد الآن في تثبيت مكانته ضمن روائع السينما الجزائرية، بين سنتي 2014 و2015، في إطار سلسلة من الأعمال الثقافية التي أطلقتها وزارة الثقافة بمناسبة الاحتفال بمرور خمسين عاماً على استقلال الجزائر، وهو عمل مقتبس عن قصة حقيقية عن سكان قرية جزائرية تقع في منطقة صحراوية، وجدت سكانها أنفسهم بين مطرقة الموت برصاص الاستعمار الفرنسي، وسندان الموت عطشاً، ثمن دعمهم للثورة، كتبها المؤلف مراد بوشوشي، فيما نفذ السيناريو محمد ياسين بن الحاج.
رعاية سامية وعرض وطني
وزارة الثقافة الجزائرية، اختارت أن يكون أول نشاط ثقافي لدار الأوبرا المدشنة حديثاً، عرضاً شرفياً لفيلم "البئر" أول من أمس، تم تنظيمه تحت رعاية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وحضره مسؤولون كبار في الدولة ومثقفون جزائريون وعرب.
ومثلّت رعاية بوتفليقة للفيلم مبادرة نادرة، تشير إلى اصطفاف السلطات العليا والأسرة الثقافية خلفه، وقال وزير الثقافة عز الدين ميهوبي، على مسرح قاعة العرض "علينا الالتفاف حول هذا العمل السينمائي المميز الذي سيكون ممثلاً للجزائر والعرب والأفارقة في مسابقة الأوسكار".
وأوضح ميهوبي أن الفيلم "جدير بتمثيل الجزائر، وأنه يلقى الدعم من قِبل السينمائيين ورجال الأعمال والجمهور العريض"، وأضاف أن "مجرد أن يكون "البئر" ضمن قائمة الأفلام المرشحة للمسابقة هو انتصار للسينما الجزائرية، وأن كل الجزائريين معه، سواء فاز بالجائزة أو لم يفز".
كما نظمت وزارة الثقافة برنامجاً وطنياً لعرض الفيلم في كل ولايات القطر الجزائري البالغ عددها 48 ولاية، لتعريف الجمهور به والترويج له بالشكل اللازم.
سر النجاح
ويظهر العمل كيف ضحَّت نساء القرية وأطفالها وشيوخها ببئرهم، وهي مصدر المياه الوحيد، وألقوا فيها جثث جنود فرنسيين اشتبكوا مع مجاهدين يترددون على عائلاتهم خفية، فقامت كتيبة فرنسية بضرب حصار خانق على القرية، وأعطى قائدها الضابط "أونسناس" أوامر صارمة بقتل كل من يدخل أو يخرج منها، إلى حين اتضاح مصير رائد فرنسي مختفٍ.
ويصور الفيلم كيف انتصرت البطلة "فريحة" ورفيقاتها من النساء على الجيش الفرنسي، ومضايقات جنوده لهن، وكيف نجحن في الخروج من القرية بحثاً عن الماء، رغم رصاص القناص الذي انهارت نفسيته رفقة قائده أمام إصرارهن على التقدم.
لماذا يجب دعمه؟
من جهته، أوضح المخرج بوشوشي لـ"عربي بوست"، الأسباب التي جعلته يطلب المساعدة المادية من الجزائريين، لإنجاح مشاركة الفيلم في مسابقة جوائز الأوسكار العالمية، قائلاً: "غالبية الأفلام المشاركة في منافسات الأوسكار من 85 بلداً لديها موزعون، يقومون بالترويج لها بالشكل اللازم، ونحن ليس لدينا موزعون ولا أستطيع أن أفعل كل شيء وحدي".
وأفاد بوشوشي بأن عرض الفيلم في جميع ولايات الجزائر يساعد كثيراً من الناحية المادية، وكذا رفع نسبة المشاهدة، قائلاً: "الجزائري يدفع دولارين لمشاهدة الفيلم، وهذا مبلغ زهيد ولكنه مفيد جداً لنا، ويُعلي من معدل مشاهدة الفيلم ويجعله يشاركنا مشروعاً ثقافياً يمثل الجزائر في الخارج".
وأكد بوشوشي، أن فكرة الفيلم إنسانية بالدرجة الأولى، متمنياً إيصال رسائله إلى العالم بضرورة وقف الحروب الطاحنة التي يروح ضحيتها الملايين من البشر، ونوه بالتفاف الجزائريين حوله قائلاً: "ما يحدث من تشجيع هو بمثابة إعادة بعث للسينما الجزائرية وإعادة الجزائريين إلى دور العرض بقوة، الأمر الذي لم يحدث منذ سنوات".
"البئر" الذي أبكى مشاهديه من قسوة الحياة والمشاعر الإنسانية المعبرة ، نال 11 جائزة دولية حتى الآن؛ أبرزها الجائزة الكبرى لمهرجان مسقط الدولي 2016، والجائزة الكبرى للفيلم المغاربي بوجدة 2016، وجائزة أحسن فيلم إفريقي في مهرجان كندا 2016. كما نال أيضاً جوائز أفضل إخراج وأفضل ممثلة وأفضل سيناريو.
واعتبرت الروائية الجزائرية الشهيرة أحلام مستغانمي، الفيلم "عملاً سينمائياً رائعاً، يحمل رسائل إنسانية عالمية بنقله جوانب جديدة من تاريخ المقاومة الجزائرية ضد الاستعمار"، وأضافت أن "الجندي الإسرائيلي عندما يشاهد هذا الفيلم سيفكر أكثر من مرة قبل أن يطلق النار على النساء والأطفال"، مؤكدة أن "البئر" يستحق كل الدعم والمساندة.
ويشارك "البئر" إلى جانب 85 فيلماً أجنبياً، للمنافسة على جائزة أفضل فيلم أجنبي منها أفلام عربية، نذكر منها "اشتباك" من مصر للمخرج محمد دياب، و" 3000 ليلة" من الأردن من إخراج الفلسطينية مي المصري، و"بركة يقابل بركة" من السعودية من إخراج محمود صباغ، بالإضافة إلى أفلام من العراق والمغرب وفلسطين والجزائر.