لا توجد طريقة إحصائية وحيدة قد نستطيع أن نحدد بها أي سنوات السينما كانت الأكثر ازدهاراً، فالأمر مرتبط كثيراً بالزاوية التي قد تعرف بها هذا الازدهار.
قد تقيم النجاح بجودة الأعمال المنتجة ومدى صمودها في مواجهة قوة الزمن وسلطان مواقع التقييم. قد يرى آخر أن المعيار الوحيد هو النجاح المادي ومدى قدرة هذه الأفلام على جلب الأموال، بينما يرى آخرون أن معيار التقييم يجب أن يكون الكثرة، أي في أي السنوات تم إنتاج أكبر عدد من الأفلام.
لن يكون بإمكان طبعا في هذا التقرير تقديم صورة دقيقة تمثل كل هذه المعايير ولكن بإمكاننا اتباع مقاربة توضيحية تقرب الصورة وتلقي بعض الضوء على الظروف التاريخية والاجتماعية التي تؤثر على صناعة السينما.
في هذا المقام إذا يجدر بنا أن نستطلع آراء أهم موقعين جماهيريين لتقيم الأفلام وهما Imdb و Rotten Tomatoes، يتبع الموقعان طرقاً مختلفة لتقيم هذه الأفلام، فبينما يقوم Rotten Tomatoes بالاعتماد على آراء النقاد يفضل imdb تقييم الأفلام بحسب وجهة نظر مشتركيه وزواره. هذا الاختلاف أدى إلى قائمتين مختلفتين تماماً بأفضل الأفلام. هذا التنوع والاختلاف قد يزيد من ثراء الصورة التي نحاول عرضها.
حديث الأرقام
نبدأ مع قائمة imdb حيث تتصدر فترة التسعينات بـ23 فيلماً ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في التاريخ و يتصدر العام 1994 بالتحديد بخمس أفلام من بينها الفيلم الأول على القائمة The Shawshank Redemption
وأفلام أخرى من قبيل Pulp Fiction و Forrest Gump.
حل العقد الأول من الألفية الجديدة ثانيا بعدد 15 فيلماً من بينها Inception
وThe Dark knight و Wall E و V For Vendetta
بينما تتذيل الثلاثينات والعشرينات القائمة باعتبار أن مشاهدي اليوم لا يشاهدون الأفلام القديمة كثيراً، ومن أجمل أفلام تلك الحقبة لدينا Gone With the Wind و Modern Times و The Wizard of Oz.
في قائمة Rotten Tomatoes حل عقد الخمسينات في المركز الأول بـ18 فيلما منها فيلم All About Eve وفيلم Rear Window
تلاه العقد الثاني من الألفية الجديدة بـ15 فيلماً منها فيلم الكارتون Inside Out وفيلم Boyhood وفيلم Selma
بينما تذيلت فترة الثمانينات القائمة، من الملاحظ في هذه القائمة أن فترة الثلاثينات والعشرينات تسجل حضورها بقوة بعدد كبير من الأفلام، مما يدل على أن آراء النقاد لديها بعض القدرة على تجاوز العقبة الزمنية.
والآن إذا نظرنا من منظار المدخول المادي للأفلام فبالتأكيد تتصدر الحقبة الحالية القائمة بأفلام مثل Avatar و Titanic و Star Wars إلا أنه بحساب نسبة التضخم يفاجئنا الفيلم الشهير Gone With the Wind الذي أنتج في العام 1939 ليحل في المركز الأول متقدماً بثلاثة ونصف المليار دولار بينما حل فيلم The Sound of Music وهو من إنتاج عام 1965 في المركز الخامس بملبغ قدره مليارين وثلاثمائة مليون دولار .
في غياب إحصائية دقيقة يتصدر العام 2011 قائمة الأكثر إنتاجاً في تاريخ هوليود بـ 818 فيلماً بينما يفاجئنا العام 1939 الذي يطلق عليه البعض أفضل أعوام السينما الأميركية بحضور قوي بـ 365 فيلماً برغم تأخر الإمكانيات في حينها
مرآة الواقع
ليس من المصادفة أن تكون فترات التسعينات والخمسينات والثلاثينات الأفضل في تاريخ هوليوود فالظروف الإجتماعية والسياسية والإقتصادية في الولايات المتحدة ساهمت بشكل كبير في خلق العوامل التي قادت صناعة السينما إلى الازدهار في هذه الفترات، ففترة التسعينات على سبيل المثال كانت فترة مزدهرة في عهد الرئيس بيل كلينتون الذي إستطاع إدارة الاقتصاد الأميركي في فترة ما بعد الحرب الباردة بنجاح يضرب به المثل.
ولم يكن الاقتصاد المؤثر الوحي في فترة التسعينات، بل كذلك الجدالات الفكرية والثقافية التي تلت انهيار الاتحاد السوفيتي وقيام نظام عالمي جديد وبروز أفكار جديدة كالنيوليبرالية وصدامها مع اليسار المنهار وغيرها من المساجلات والتدافعات الفكرية، مثل تأزم وتقلص حركات تحرير المرأة وحقوق السود في ظل مناخ اقتصادي مزدهر وسيادة الحلم الأمريكي.
الأمر لم يكن مختلفا كثيرا في فترة الخمسينات والستينات بعد خروج الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية منتصرة، ودخولها في صراع بارد مع الاتحاد السوفيتي وصعود نجم حركات التحرر حول العالم والحركة المدنية الأميركية والنشاط الطلابي والفكري في الجامعات وظهور سرديات ما بعد الدولة الوطنية الحديثة وما بعد الكلونيالية.
كذلك في فترة الثلاثينات بعد خروج الولايات المتحدة من الكساد العظيم وظهور وبداية الازدهار الحقيقي لصناعة السينما وظهور أشهر ممثليها ومخرجيها مثل شارلي شابلن وسواه.
بما أن الفن وفي القلب منه السينما إنما هو مرآة للمجتمع فكان لا بد لكل هذه العوامل الاقتصادية والإجتماعية والسياسية أن تنعكس على السينما وازدهارها
وتمددها كأهم المكونات والمصانع للوعي والفكر الجماعي.
السينما العربية
في ظل الغياب الملحوظ والمزعج للإحصائيات التي تتناول تاريخ السينما العربية لا يمكننا التحديد على وجه اليقين أي فترات السينما العربية هو الأكثر نجاحاً وتأثيراً وإن كان بإمكاننا أن نسرد تاريخ هذه السينما سرداً مختصراً يقرب الصورة قليلاً.
بدأت صناعة السينما العربية في مصر في أوائل القرن العشرين وبالتحديد مع المخرج محمد كريم في الإسكندرية حيث أسس شركة إنتاج قامت بصناعة فيلمين هما "أزهار ميتة" و"شرف البدوي" ثم تم بعد ذلك تأسيس العديد من شركات واستوديوهات الإنتاج السينمائي وأشهرها استوديو مصر الذي أسسه طلعت حرب الذي لعبا دورا جوهريا في تقدم وتطور صناعة السينما في مصر حتى نهاية فترة الخمسينات.
من فيلم شرف البدوي
حيث قام الدولة المصرية إبان حكم الزعيم جمال عبدالناصر بتأميم صناعة السينما ثم عادت السينما تستعيد بعضاً من زخمها حين سمح للمال الخاص بدخول المجال مرة اخرى في السبعينات في عهد الرئيس السادات وظلت السينما المصرية هي المسيطرة على المشهد العربي مدة طويلة من الزمن وسيطرت على شاشات الفضائيات والقنوات التلفزيونية العامة والخاصة في معظم البلدان العربية
حتى بدأت صناعتها في التدهور في نهايات العقد الأول من الألفية الجديدة لأسباب متعددة منها تغيرات الربيع العربي واتشار الإنترنت وشبكة المعلومات كمصدر بديل للترفيه بدل القنوات التلفزيونية وصالات السينما.