لا تكتمل الزيارة إلى المغرب، والدار البيضاء على وجه التحديد، دون زيارة حصن "السّقالة" الأثري الذي يعتبر شاهداً على تاريخ المدينة العريق.
يقع حصن السقالة خلف سور المدينة القديمة بالدار البيضاء، وتحيط به "الزاوية الدرقاوية" على اليمين، وضريح "سيدي علال القرواني" على اليسار.
كما يطلّ مباشرة على ميناء العاصمة الاقتصادية للمغرب، حيث يوجه مدافعه القديمة إلى اليوم باتجاه المحيط الاطلسي؛ وكأنه ما زال يحرس المدينة من التسلل الأجنبي.
ويتميز البناء المعماري لحصن السّقالة، كباقي السّقالات بالمغرب، بمزجه بين العمارة الأندلسية والبرتغالية والمغربية.
ويعكس تنوّع الحصن عراقة هذه المنشأة التاريخية، التي تعدّ واحدة من أشهر المعالم التراثية بمدينة الدار البيضاء، التي تحكي زواياها أحداثاً تاريخية تختزل رمزية الدولة والسيادة المغربية في الدفاع عن الوطن، بعدما تعرّض لحملات عسكرية أجنبية، واحتُلّت سواحله في القرنين الخامس والسادس عشر من طرف البرتغاليين.
ينسب الباحثون السقالة تاريخياً إلى السلطان المغربي العلوي محمد بن عبد الله (1710-1790م)، كإحدى بقايا مملكته، إذ أعاد بناءها عام 1769، كمركز للدفاع عن المحيط الأطلسي.
وتعرض "السقالة" لجهوم من قبل البرتغاليين ما بين عامي 1468 و1470، خلال فترة "الجهاد البحري – أو كما يسميها المؤرخون الأوروبيون "قرصنة البربر والعثمانيين"، في إشارة المعارك التي خاضها المسلمون ضد سواحل أو سفن الدول الأوروبية المعادية لهم من القرن السادس عشر إلى أوائل القرن التاسع عشر.
وحتى عندما أقدمت فرنسا على وضع تصميم جديد لمدينة الدار البيضاء، بأحيائها الأوروبي والإداري والمسلم عام 1917 ميلادي عبر مخطط "هنري بروست"، حافظت على طبيعة منشأة السقالة كما هي لأنها كانت تابعة لملكية الدولة المغربية، وذلك بعدما دخلت القوات الإسبانية وفرضت ما يسمى "الحماية" ابتداءً من نهاية 1912.
عودة السياح
بحصنها المتين وأبوابها المقوّسة ونوافير المياه تغري السقالة السائح الأجنبي لزيارتها، خاصة بعد أن تحول الشاهد التاريخي إلى مطعم مغربي يقدّم خدمات متنوعة للزوار.
بدوره يؤكد المشرف على مطعم السقالة، عزيز شابين، في حديث لـ"هافينتغون بوست عربي" أن الناس لم يعتبروا السقالة مكاناً تراثياً إلى أن تحولت إلى مقصد سياحي.
ورغم عودة الاهتمام بالمكان بعد أن ظل مغلقاً لنحو 20 عاماً، فإن البعض اعتبر هذا التحول تطاولاً على رمزيته التاريخية والذي صنفته اليونسكو تراثاً إنسانياً.
وبدوره يوضح عبد الله العلوي، رئيس مديرية التراث الثقافي التابعة لوزارة الثقافة المغربية، أن "لكل تأويلاته الخاصة في هذه المسألة، لكن خصخصة حصن السقالة وتحويله مزاراً سياحياً ليس بالأمر الجديد".
وأضاف العلوي أن هذه سياسة تتبعها وزارة الثقافة منذ فترة بهدف تشجيع الحركة السياحية التاريخية والحركة الاستثمارية معًا، مع الحرص على مراقبة المباني التراثية والتشديد على حمايتها.
كما اعتبر أن "الأهم في كل ذلك هو خدمة المواطن والسائح عموماً، بتقديم خدمات متنوعة داخل فضاء المنشأة التاريخية".