من المتوقع أن يحضر نصف مليون شخص مراسم إعلان قداسة الأم تيريزا في الفاتيكان، الأحد 4 سبتمبر/أيلول 2016، في حفل سيُبث مباشرة لمنزلها الذي بنته في مدينة كلكتا وللجماهير الكاثوليكية حول العالم.
سيحوّل القداس المُقام في ساحة القديس بطرس على مدار ساعتين، والذي سيقوده البابا فرانسيس بعد حوالي 19 عاماً على وفاتها، الراهبة الضئيلة والتي أصبحت رمزاً عالمياً لعملها مع الفقراء إلى القديسة تيريزا من كلكتا بحسب صحيفة The Guardian البريطانية يُعيد إحياء النقد الحاد للحركة التي أسستها، الإرساليات الخيرية، والتي وفقاً للمعارضين ركّزت على رفع، بدلاً من تخفيف، المعاناة.
1.5 مليون طابع بريدي تذكاري
يقوم الحجاج بتعظيم آثارها ويحظون بفرصة شراء 1.5 مليون طابع بريدي تذكاري 95c، صدرت يوم الجمعة، التي جاءت للاحتفال "بقوتها الكبيرة وبساطتها وتواضعها الاستثنائي.. وتفانيها الدؤوب"، وفقاً لما جاء في نشرة مصاحبة للاحتفال.
وفي مجريات الاستعداد لقداس الأحد، عُرضت صور الأم تيريزا علانية داخل الفاتيكان وفي أنحائه. وشددت سلسلة من الندوات والأعياد والفعاليات الموسيقية وجلسات الصلاة التي عُقدت من أجل الحُجاج الزائرين على أوجه الشبه بين عملها طوال حياتها ورسالة البابا فرانسيس الجوهرية عن العدالة الاجتماعية والتواضع. كما أن مغنية البوب البريطانية ريتا أورا في طريقها لإحياء حفل موسيقي أمام مراسم إعلان القداسة في الفاتيكان.
في كلكتا، يجري التجهيز لثلاثة أشهر من الاحتفالات، تتضمن تدشين كتاب، وعروضاً فنية، وقداساً في الاستاد وفي الأسبوع الأخير يُنصب تمثال برونزي بالحجم الطبيعي للراهبة.
الهنود يشعرون بالفخر
أثنى رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، على الأم تيريزا في بث إذاعي، قائلاً: "إنها كرّست حياتها بالكامل للفقراء". وأضاف: "عندما يُمنح شخص مثلها القداسة، فمن الطبيعي أن يشعر الهنود بالفخر".
وفي رسالة إلى الفاتيكان، قالت سونيا غاندي رئيسة المؤتمر الوطني الهندي أن كل هندي، وليس فقط الـ20 مليون كاثوليكي الموجودين في البلاد، "يشعر بالاعتزاز والسرور" لإعلان قداسة "امرأة مثّلت تجسيداً حقاً لرحمة ورأفة وحنان لا حدود لها".
احتجّ النقاد رغم ذلك ضد قرار مودي بإرسال وفد مكون من 100 شخصية على رأسهم وزيرة الخارجية الهندية سوشما سواراج إلى قداس الأحد. وجاء في عريضة منشورة على الإنترنت "إنه لأمر مُحير للعقل أن تُبدي وزيرة خارجية دولة يحض دستورها المواطنين على التحلي بطابع علمي موافقتها على إعلان قداسة مبني على (معجزات)".
حاصدة الأرواح
ادّعى القوميون الهنود أن الأم تيريزا كانت "حاصدة أرواح" قامت بالتبشير بمعتقد جديد في أوساط الفقراء، وأنها وأتباعها عمّدوا الموتى خلسة بدون علمهم.
نشأ أروب شاتيرجي، وهو طبيب، في مدينة كلكتا ويعمل الآن في المملكة المتحدة. وهو واحد من أكبر الأصوات المعارضة للأم تيريزا. "أصبح كثير من المحتالين قديسين كاثوليك"، كما يقول. "ما يُثير غضبي أن العالم يصنع مثل هذه الأغنية ويرقص حول احتفال من السحر الأسود، الخرافي".
وأضاف: "أنه من الواضح أن الناس يُخدعون، وأن لديهم عقلية القطيع. لكن وسائل الإعلام لديها مسؤولية ألا تتآمر مع هذا الأمر".
ووصف الأم تيريزا بأنها "مخلوق ظلامي من العصور الوسطى"، وأنها "شخصية وهمية مذهلة" لم يتم تحديها من قِبل الإعلام العالمي.
وفقاً لكتابه الصادر عام 2003، الأم تيريزا: الرأي الأخير، والمبني على شهادات العشرات من الناس الذين عملوا مع الإرساليات الخيرية، فإن الرعاية الطبية المقدمة للمرضى والهالكين كانت ضئيلة. كانت المحاقن يُعاد استخدامها بلا تعقيم، وتخفيف الألم لم يكن موجوداً أو كان غير كافٍ، وكانت الظروف غير صحية. وفي الوقت نفسه، قضت الأم تيريزا الكثير من وقتها في السفر حول العالم في طائرة خاصة لمقابلة القادة السياسيين.
وجّه الكاتب الراحل كريستوفر هيتشنز انتقاداتٍ مشابهة في كتابه، الموقف التبشيري. كتب أن الأم تيريزا كانت "أصولية دينية وناشطة سياسية وواعظة بدائية ومتواطئة مع القوى العلمانية العالمية".
وقال إن عمل الراهبة لم يكن يتركز على "التخفيف الحقيقي للمعاناة بل نشر عبادة مبنية على الموت والمعاناة والخضوع".
من بين هؤلاء الذين استشهد بهم هيتشنز كانت سوزان شيلدز، العاملة السابقة في الإرساليات الخيرية، والتي ادّعت أن مبالغ هائلة من المال تراكمت في الحسابات البنكية بينما كان يُصرف القليل منها على الخبرات الطبية أو في جعل حياة المرضى والمعرضين للموت أكثر راحة.
وكتب روبن فوكس، مُحرر مجلة The Lancet، في عام 1944 عن المقاربة "العشوائية" للرعاية المقدمة من الراهبة والمتطوعين، ونقص الأفراد المدربين طبياً في منازل الإرساليات.
أمضى الصحفي الاستقصائي دونالد ماكينتير أسبوعاً يعمل سراً في منزل للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة تابع للإرساليات الخيرية في كلكتا عام 2005. وفي مقالة منشورة على موقع The New Statesman، وصف مشاهد يُرثى لها. "في أكثر الحالات، كانت الرعاية التي يلقاها الأطفال مفتقرة إلى الكفاءة وغير احترافية، وفي بعض الحالات، غير رحيمة وخطيرة".
بعد مُضي 3 سنوات، توّصلت دراسة أكاديمية تابعة لجامعة مونتريال لخلاصة مفادها أن الفاتيكان قد تجاهل "طريقة الأم تيريزا المشكوك فيها في رعاية المرضى، وصلاتها السياسية محل التساؤل، وإدارتها المشكوك فيها لمبالغ هائلة من الأموال كانت قد تلقتها، وبشكل عام معتقداتها المتعلقة.. بالإجهاض ومنع الحمل والطلاق".
راهبة في سن 18
وُلدت الأم تيريزا باسم غانشي بوياخيو في عام 1910 فيما يُعرف الآن بمقدونيا. وأصبحت راهبة في سن 18، وفي عام 1946 تلقّت ما وصفته "نداء داخل نداء" للعمل والعيش وسط الفقراء. بعد سنتين انتقلت إلى مدينة كلكتا حيثُ أقامت بقية حياتها.
في عام 1950، أسست الإرساليات الخيرية مع 12 من أتباعها. اليوم، لدى الحركة 5.600 عضو، وعشرات الآلاف من المتطوعين، وتدير الحركة ملاجئ أيتام، ومدارس وبيوت للمرضى والمعرضين للموت، وملاجئ للمشردين، وعيادات طبية وغيرها من الخدمات في 139 دولة.
جائزة نوبل للسلام
في عام 1979، مُنحت الأم تيريزا – التي أصبحت حينها شخصية معروفة عالمياً – جائزة نوبل للسلام. قالت إنها لا تستحق الجائزة لكنها قبلتها "باسم الجوعى والعرايا والمشردين والمشلولين والمكفوفين ومرضى الجذام، وباسم كل هؤلاء الناس الذين يشعرون أنهم غير مرغوبٍ فيهم، وغير محبوبين، وغير مُعتنى بهم في شتى أنحاء المجتمع".
في خطاب تلقيها للجائزة، ركّزت على الإجهاض، الموضوع الأبرز حينها. "إن السلام مُهدد بسبب الإجهاض"، كما قالت. "اليوم، يُعد الإجهاض أسوأ أنواع الشر وأكبر عدوٍ للسلام.. لأنه إذا استطاعت الأم أن تقتل ابنها، ما الذي سيمنعنا من قتل أنفسنا، أو قتل بعضنا البعض؟ لا شيء".
بعد سنواتٍ عدة من المرض، توفيت الأم تيريزا في 5 سبتمبر/أيلول عام 1997 عن 87 عاماً، ومُنحت جنازة رسمية من الحكومة الهندية. منذ حينها تقريباً، بدأت المطالبات بإعلان قداستها.
بعد مُضي عامين على وفاتها، بدأ الفاتيكان في إجراءات تطويبها، وهي المرحلة الأولى من تحولها لقديسة. في عام 2002، اعترف الفاتيكان "بالعلاج المُعجز" لامرأة هندية صلّت للأم تيريزا حول مرضها بالسرطان، رغم أن زوج المرأة وأطبائها يقولون أن السرطان عُولج بالأدوية.
العام الماضي، اعترف البابا فرنسيس بمعجزة أخرى ترجع إلى الأم تيريزا، لتُمهد الطريق أمام إعلان قداستها.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.