الطبيب والسرطان.. كيف نتعامل مع مرضانا الذين أوشكوا على الرحيل؟!

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/18 الساعة 15:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/18 الساعة 15:39 بتوقيت غرينتش

عندما قاربت جلسة الاستشارة على الانتهاء، مال المريض الذي أفحصه إلى الأمام وقال: "إذاً، أيها الطبيب، لم يشرح لي أحد خلال كل ذاك الوقت، كيف سأموت تحديداً؟".

تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية يعرض تجربة طبيب سأله مريض كيف يتسبب السرطان في الموت؟

"إنه في الثمانينات من عمره، وشعره أبيض وتجاعيد وجهه مليئة بالخبرة، وقد رفض أخذ جولة أخرى من العلاج الكيماوي واختار العلاج بالمسكّنات. ولأنه أكاديمي بشدة فهو يتساءل عن جسم الإنسان ويريد تفسيرات وافية".

قلت له: "ماذا سمعت؟". فقال بخفة: "القصص المعتادة"، ولكن القلق كان واضحاً على وجهه، وشعرتُ فجأة بأنني أريد حمايته.

قلت له بلطف: "هل تريد أن نتكلم في هذا الأمر اليوم؟"، متسائلاً إذا كان يريد أن تكون زوجته معه.
قال وقد أعجبته مزحته: "كما ترى، يقتلني الفضول لأعرف".

إذا كنت مريضاً بالسرطان أو كان أحد من يهمك أمرهم مصاباً به، فربما وردت تلك الفكرة في ذهنك. السؤال: "كيف يموت الناس بالسرطان؟"، هو الأكثر بحثاً على جوجل، ومع ذلك من النادر أن يسأل المريض طبيبه عن هذا الأمر. وكطبيب فقد الكثير من المرضى وشارك في عدد من المحادثات حول الموت والاحتضار، سأبذل ما في وسعي لأشرح الأمر، ولكن قبل ذلك قد تساعدنا قصة في ذات السياق.

بعض الناس يخافون مما يمكن أن ينكشف لهم إذا سألوا هذا السؤال، وآخرون يريدون أن يعرفوا ولكن أحباءهم يثنونهم عن ذلك، ذات مرة قالت زوجة لزوجها: "عندما تذكر الموت تتوقف عن المحاربة".

وهناك قصة محفورة في عقلي لمريضة شابة، طلبت مني قبل أيام من وفاتها أن أخبرها بالحقيقة لأنها صارت محتارة وعائلتها المتدينة لم تكن تخبرها بشيء. بدأت بإخبارها وأنا أمسك بيدها: "أخشى أنك تحتضرين"، ولكن في تلك اللحظة دخل زوجها غاضباً – وقد سمع ما قلته لها – من أنني أقتل الأمل لديها في وقت حرج. وبينما نظرت له معتذرة، كان هو يصيح بي ويخرجني من الغرفة، ثم بعد ذلك أجبرها على الذهاب للمنزل.

النفور من النقاش

لا عجب من وجود نفور من موضوع أن يناقش الأطباء والمرضى التكهنات والتوقعات، ولكن هناك أدلة على أن التواصل الصادق والحساس والتكلم عن الموت إذا دعت الحاجة، يجعل المرضى قادرين على اتخاذ القرارات المتعلقة برعايتهم الصحية، وأن يخططوا لأمورهم ويبتعدوا عن أساليب العلاج العنيفة غير الضرورية.

وبعكس الخوف الشائع، قال المرضى إن الوعي بالموت لا يؤدي إلى الحزن أو القلق أو الاكتئاب، ولا يُعجل بالموت، وتوجد أدلة على أنه في أعقاب الوفاة، تكون عائلة المتوفى أقل قلقاً واكتئاباً إذا كانت قد شاركت في الحوارات التي تناقش الموت. بشكل عام، يبدو أن الصراحة هي السياسة الأفضل.

تظهر الدراسات أن غالبية المرضى لا يعلمون بتوقع موتهم، إما لأن أحداً لم يخبرهم أو لأنهم أساءوا فهم المعلومة. من المحبط بطريقة ما أن الأطباء الذين يتحدثون بصدق عن توقعاتهم السيئة للمرضى لا يكونون محبوبين كثيراً. ولكن عندما نُخفي تلك التوقعات، يكون التحدث عن الموت أكثر صعوبة.

بفضل تطور الطب أصبح من الممكن أن يُشفى الكثيرون من مرضى السرطان، والأعداد تزداد. ثلثا مرضى السرطان في العالم المتقدم سيعيشون لخمس سنوات، وهؤلاء الذين يتجاوزون تلك النقطة تزيد فرصهم في النجاة لخمس أخرى وهكذا.

ولكن السرطان في الحقيقة مجموعة من الأمراض المختلفة لا تتصرف بنفس الطريقة، بعضها – مثل سرطان القولون – إذا اكتُشف في مرحلة مبكرة يكون قابلاً للعلاج، كذلك سرطان الثدي يكون قابلاً للعلاج في المراحل المبكرة، ولكن يمكنه أن يعود بعد عدة عقود. سرطان البروستاتا النقيلي وسرطان الكلى وسرطان الجلد، خيارات علاجها ضئيلة حتى هذا اليوم، لكن يتم اكتشاف علاجات واعدة لها أعطت نتائج شفائية غير مسبوقة.

ولكن الحقيقة هي أن المراحل المتقدمة للسرطان لا تكون قابلة للعلاج، وعلى الرغم من أن العلاجات الحديثة يمكنها أن تتحكم بالأعراض وأن تطيل مدة البقاء، فإنها لا تستطيع أن تطيلها إلى الأبد. لهذا أعتقد أنه أمر مهم أن يعرف الناس كيف يموت مرضى السرطان فعلاً.

الفشل في التطور

"الفشل في التطور" هو مصطلح عام لعدد من التطورات في المراحل النهائية للسرطان والتي تؤدي بالمريض إلى التدهور تدريجياً حتى الموت.

ينتج مرض السرطان عن نمو مفرط لخلايا كانت طبيعية سابقاً تتملص من الدفاعات المعتادة ضد انتشار الخلايا الطبيعية لمناطق أخرى (وبالتالي تبدأ فيما يعرف بالنمو السرطاني) وعندما يؤثر السرطان على عضو حيوي يتعطل أداء هذا العضو، ويمكن أن يؤدي هذا العطل إلى الوفاة. فمثلاً، تقوم الكليتان والكبد بالتخلص من السموم وتحافظ على وظائف الأعضاء، إذاً فهما عضوان مهمان للغاية، ولذلك عندما يتلف أداؤهما فإن الموت يكون وشيكاً.

تفرز الخلايا السرطانية الكثير من المواد الكيميائية التي تسد الشهية وتؤثر في عملية الهضم وامتصاص الطعام، ما يؤدي إلى فقدان الوزن تدريجياً وبالتالي حدوث ضعف شديد.

الجفاف كذلك أمر شائع، نظراً للنفور من السوائل أو عدم القدرة على البلع. وبسبب الجفاف وقلة التغذية والنشاط تحدث خسارة سريعة في الكتلة العضلية وضعف. أورام الرئتين أيضاً شائعة ويمكنها أن تسبب ضيق التنفس، ومن المهم أن نفهم أن الرئتين – أو أي عضو آخر – لا يتوقف عن العمل تماماً، بل إنها تعمل تحت ضغط شديد يصيبها بالإرهاق. يُشبه الأمر دفع وزن ثقيل إلى أعلى.

العلاج الكيماوي يفاقم المشكلة

يُمكن لمُصابي السرطان كذلك أن يموتوا جرّاء الإصابة غير المُتحكم بها التي تسحق موارد الجسم المعتادة.

فالإصابة بالسرطان تُضعف المناعة والعلاج الكيماوي المُستخدم في الآونة الأخيرة يُضاعف المشكلة عبر تثبيط نخاع العظام. يمكن اعتبار نخاع العظام المصنع الذي يُنتج الخلايا الدموية، ويمكن لوظيفته أن تضعُف جرّاء استخدام العلاج الكيماوي أو أن تتسلل إليه الخلايا السرطانية.

كما يمكن للوفاة أن تقع نتيجة إصابة حادة. ويمكن أيضاً لضعف وظائف الكبد الموجود مُسبقاً أو للفشل الكلوي الناتج عن الجفاف أن يُصعّب من اختيار المضاد الحيوي المناسب.

سرطان الدماغ

ربما تلاحظ أن المرضى المصابين بسرطان في الدماغ يبدون على نحوٍ خاص على غير ما يُرام. معظم الخلايا السرطانية في الدماغ تأتي من أماكن أخرى، مثل الثدي والرئة والكلى. تمارس الأورام الخبيثة في الدماغ تأثيرها بطرق قليلة، عبر التسبُب في نوبات أو شلل أو نزيف أو إضطراب سلوكي. ويُمكن للمرضى المصابين بالأورام الخبيثة في الدماغ أن يصبحوا مُرهقين ووغير مُبالين بما حولهم ويتطور ضعفهم سريعاً. كما يمكن لورم الدماغ أن يؤدي إلى الفقدان التدريجي للوعي والوفاة.

في بعض حالات السرطان، مثل سرطان البروستات والثدي والرئة، يمكن للورم الخبيث في العظام أو التغيرات البيوكيميائية أن ترفع نسبة الكالسيوم لمستويات عالية خطيرة، الأمر الذي يُسبب انخفاضاً في الوعي وفشلاً كلوياً مؤدياً للوفاة.

قد يقع نزيف غير متحكم به أو سكتة قلبية أو توقف في التنفس نتيجة جلطة دموية كبيرة، إلا أنه على عكس الاعتقاد السائد، من النادر وقوع وفاة مفاجئة ومأساوية في حالات السرطان. وبالطبع، فحتى مرضى السرطان في المراحل المتقدمة يمكن أن يكونوا عرضة لنوبة قلبية أو سكتة دماغية، إلى جانب مسببات الوفاة غير المرتبطة بالسرطان الشائعة في المجتمع بشكل عام.

ربما تكون قد سمعت "بالتأثير المزدوج" لإعطاء أدوية قوية مثل المورفين لآلام السرطان، خوفاً من أن تصاعد مستويات الأدوية قد يُسرع من الوفاة. لكن الخبراء يقولون إن استخدام الأفيونات أمر حيوي لتخفيف معاناة المرضى وإنها عادة لا تُقلل من حياة شخص محدودة بالأساس.

من المهم تقدير مسألة أن الوفاة يمكن أن تحدث بطرق قليلة، ولذا أردت أن أتحدث بشكل عابر عن المسألة الهامة المتعلقة بما يمكن للمتخصصين في الرعاية الصحية أن يقدموه لتسهيل عملية الوفاة.

في الأماكن التي يتوافر بها مستوى جيد من الرعاية التلطيفية، لا يمكن لنا أن نُبالغ في تقدير قيمتها. توفر فرق الرعاية التلطيفية مساعدة محترفة فيما يخص التعامل مع الأعراض البدنية والآلام النفسية. يمكن لهم معالجة القضايا الشائكة وتقديم المشورة لأعضاء العائلة القلقين ومساعدة المرضى على تسجيل تركتهم بصيغة رقمية أو مكتوبة. وهم يحاولون جعل الحزن مسألة طبيعية، ويساعدون على تهوين الأمور في الأوقات الحرجة.

يشعر المنضمون الجدد لمهنة الرعاية التلطيفية بشكل عام بالقلق لأنهم سيفوتون الفرصة على التعامل الفعّال مع مرضى السرطان، لكن هناك أدلة جيدة للغاية على أن الرعاية التلطيفية تُحسّن الراحة النفسية وجودة الحياة، وفي بعض الحالات، متوسط العُمر المتوقع.

إن الرعاية التلطيفية وافد جديد نسبياً على مهنة الطب، لذا من الممكن أن تجد نفسك تعيش بمنطقة لا يوجد بها خدمات رسمية، لكن ربما يوجد أطباء محليون وأخصائيو صحة معاونين متدربين على أوجه تقديم ذلك النوع من الرعاية، لذا تأكد من أن تسأل في محيطك.

وختاماً، أود قول القليل عن كيف لك أن تسأل طبيب الأورام الخاص بك عن حالتك المرضية، وتباعاً، عن كيفية وفاتك. ما ينبغي عليك معرفته أن التدريب على هذا المجال الحساس من التواصل يعتريه النقص الشديد في أماكن كثيرة، وربما يشعر طبيبك بعدم الراحة في مناقشتك هذا الموضوع. لكن ذلك لا يجب أن يمنع أي طبيب من المحاولة، أو على الأقل إرشادك إلى شخص آخر يمكنه المساعدة.

التكهن الدقيق بالحالة الصحية أمر صعب، لكن ينبغي عليك توقع أن يخبرك أحدهم بتقدير ما عن حالتك للأسابيع أو للشهور أو للسنوات القادمة. عندما يتعلق الأمر بطرح أصعب الأسئلة، لا تتوقع من طبيب الأورام الخاص بك أن يقرأ ما بين السطور. إنها حياتك ووفاتك، ويحق لك الحصول على رأي صادق وحوار مستمر ورعاية رحيمة يمكن أن يوفرها لك، بالمناسبة، أي عدد من الناس، بمن فيهم الممرضات والأخصائيين الاجتماعيين وأطباء العائلة ورجال الدين وكذلك، بالطبع، مَن هُم الأقرب إليك.

منذ أكثر من 2000 سنة مضت لاحظ الفيلسوف الإغريقي إبيقور أن فن العيش الجيد وفن الموت الجيد هما سواء. وفي وقتٍ أقرب، ذكّرنا أوليفر ساكس بهذا الاعتقاد بينما كان يموت من إصابته بسرطان الجلد. إذا كان لابد من الموت، فالأمر يستحق أن نُذكر أنفسنا بالجزء الذي نستطيع القيام به من أجل ضمان الموت بسلام.

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.

علامات:
تحميل المزيد