لم تكن قضية اللاجئين تمس قلوبنا بهذا القدر قبل اندلاع الثورة السورية في العام 2011، منذ ذلك الحين صدمنا بمشاهد إنسانية لم نتوقع أن نراها بهذا القرب من قبل، أطفال يتجمدون من البرد في المخيمات، أو شيوخ دون مأوى، يسيرون في الأمطار العاتية دون حماية.
أو نساء بلا معيل خرجن للمجهول بعد أن ضاقت بهن الأرض، منضمين إلى 11 مليون سوري فرّوا من ديارهم حتى الآن بحسب الإحصاءات، وسمعنا قصص مآسٍ لا حصر لها تأتي من قلب مخيمات مثل الزعتري.
لم تستحث تلك القصص الإنسانية المتبرعين بالمال فقط، وإنما دفعت بعض العلماء من كل أنحاء العالم لكي يشحذوا عقولهم ويحاولوا تخفيف هذه المأساة الإنسانية بطريقتهم، إذ جعلوا ابتكاراتهم تفتح ذراعيها لأولئك الذين لفظتهم أوطانهم.
إليك في هذا التقرير أفضل 5 ابتكارات علمية ابتكرت إلى الآن لتخفيف معاناة اللاجئين:
1- RE:Build.. بلا أي خبرة سابقة يمكن بناء منزل بسهولة ألعاب الأطفال
لم يحتمل المهندسان المعماريان كاميرون سينكلير وبويا خزايلي، رؤية اللاجئين وهم يبيتون في الخيام في العراء تحت المطر، فقررا أن يخرجا بفكرة لأبنية مبتكرة للاجئين، تناسب ظروف بعض الدول التي منعت إقامة مبان ثابتة لهم.
هذه الأبنية سهلة التشييد لدرجة أن اللاجئين أنفسهم يستطيعون تولي أمرها، اعتماداً على نظام بسيط يربط أنابيب لسقالات معدنية، حسب شكل المبنى المطلوب، سواء أكان مدرسة أم عيادة أم بيتاً، ثم يضمها بسياج، بعد هذا يقوم اللاجئون بملء هذه المساحة بالمواد المتوافرة لديهم، مثل الحصى والرمل، وأي مواد أخرى مثلها في مرمى نظرهم.
السقف أيضاً يتم صنعه من السقالة التي تغطى بالطين موفرة عزلاً جيداً وسقفاً أخضر في الوقت ذاته، أما الأرضية فصنعت من ألواح الخشب الرقائقي، كما زود المبنى بنظام بدائي للتعامل مع المطر.
المهندسان قالا إن فريقاً من 10 عمال فقط دون أية خبرة سابقة، يستطيعون أن يجمعوا مبنى 16 x 16 متراً، في غضون أسبوعين فقط، وقد تجسد هذا المشروع بالفعل في الحقيقة، إذ تم بناء مدرستين بهذه الطريقة في حديقة الملكة رانيا ومخيم الزعتري، بتكلفة 30 ألف يورو للمدرسة الواحدة، شاملة كل مصاريف المواد والنقل والتشييد والعمالة والتصميم والتخطيط.
2- Pee Power .. دورة المياه تضيء مصابيح المخيم
نصب الباحثون حجرةً خشبيةً ملونةً لدورة مياه بالقرب من مقر اتحاد الطلاب في جامعة غرب إنكلترا، وطلبوا من الطلاب والموظفين وأي شخص يمر أن يتبرعوا بـ"البول" لأجل تجربة تحول البول إلى كهرباء.
فيما تحمس الجمهور للأمر وقرر المشاركة فيه، خاصةً بعد أن علموا أن لهذا هدفاً إنسانياً، فالفريق يريد أن يستخدم دورات المياه هذه في مخيمات اللاجئين، كي تضيء أماكن دورات المياه، ويحموا النساء والناس بشكل عام من التعرض للتهديد والتحرش أو السرقة بالإكراه تحت اضطرارهم لقضاء حاجتهم في جنح الظلام الدامس.
الفريق قاده الأستاذ يوانيس ليروبولوس، الخبير في توليد الطاقة من مصادر غير عادية باستخدام الميكروبات، وقد نجح لأول مرة في هذا عندما أعلن في العام 2013 أنه استطاع استخدام خلية وقود ميكروبية في شحن هاتف محمول، وهي تعمل عبر استغلال الميكروبات الحية للتغذي على إمداد البول، لتفوم خلية الوقود بتحويل الطاقة البيوكيميائية إلى تيار كهرباء مستمر.
وقد منح الفريق فرصة للمشاركين ليروا ما يحدث عبر شاشة مثبتة لتحول البول إلى طاقة، ولا تكلف صناعة خلية الوقود الميكروبية الواحدة أكثر من واحد يورو، بالتالي فصناعة وحدة صغيرة تجريبية لن تكلف أكثر من 600 يورو.
فيما تم المشروع بالتعاون مع المنظمة الخيرية "أوكسفام"، التي واجهت دائماً مشاكل في إضاءة دورات المياه التي توفرها للاجئين، ويأمل الفريق أن يعمم مشروعه في المخيمات قريباً، ويظهر في خاتمة الفيديو الترويجي للمشروع، كلمة بالعربية على دورة المياه الخشبية التي تظهر في مخيم للاجئين تقول: "منزل بشار الأسد"، نستطيع أن نقول ساخرين الآن إن "منزل بشار الأسد" سيقوم بخدمة واحدة على الأقل في حياة السوريين وحياته.
3- معطف خفيف ضد الشمس والمطر بالنهار.. وخيمة للنوم بالليل
قام فريق من 10 طلاب ومعلميهم في الكلية الملكية للفنون في لندن، بالاتصال بمنظمة "أطباء بلا حدود"، كي يعطوهم معلومات عن أكبر التحديات والمشاكل التي تواجه اللاجئين السوريين على وجه الخصوص، الذين يخرجون من بلادهم في مغامرة خطيرة إلى أوروبا لا يحملون عليهم إلا ملابسهم وأهم أشيائهم.
إذ توصلوا إلى تصميم رداء ثلاثي الاستخدامات في الرحلة التي تستغرق من 2 إلى 5 أسابيع، أول استخدام لهذا الرداء هو كمعطف مميز يصل إلى الركبة، خفيف وقوي، مصنوع من مادة "تايفك"، وهي مادة خفيفة ولكنها قوية تستخدم في مظاريف البريد السريع، ولا تنقطع بسهولة.
كما أنها تسمح بتسلل بخار الماء خارجاً لكنها في نفس الوقت لا تسمح لمياه المطر بالعبور، ما يجعلها حماية من الحر والمطر، مبطنة أيضاً بمادة "مايلر" العازلة، ما يضيف إليها مزية عزل الحرارة، وحماية الجسد من البرد.
كما يوجد بداخل المعطف جيوب كبيرة تضم الوثائق المهمة التي يحتاج اللاجئ لاصطحابها في سفره، أما الاستخدامات الأخرى فهي إمكانية تحوله إلى حقيبة نوم، أو خيمة صغيرة بالليل.
4- Thermo Tent.. كأنك تعيش في فقاعة معزولة عن الحر والبرد .. والضوضاء!
كان ديريك أوه سوليفان محظوظاً بما فيه الكفاية عندما تربى في مكان بجمال جنوب غرب آيرلندا، ومع أن الأمر كان مناسباً لرحلات التخييم بشكل مثالي، إلا أنه كان يعاني مع كل خيمة يختارها مهما اختلفت.
إذ إنه بمجرد انخفاض الحرارة بالخارج يصبح داخل صندوق جليدي، أما حين ترتفع فيجد نفسه قد أصبح داخل فرن، بل إن الشيء الأكثر إزعاجاً هو أن التخييم مع الآخرين كان أشبه بأن الجميع يثرثر معه في نفس الخيمة بسبب عدم وجود عازل صوتي، وهنا، قرر السيد أوه سوليفان أن يبتكر أول "خيمة معزولة بشكل صحيح" في العالم بعد عمل طويل.
ومع أن الخيمة تشبه كل الخيام الموجودة في السوق، إلا أن نجاحها يعتمد على الحرفية في العزل المعتمد على نظام الطبقات، فهي تتكون خارجياً من خيمة شبه تقليدية من البوليستر أو البوليكوتون، أما الخيمة داخلياً فهي مختلفة عن أي خيمة أخرى في العالم، فقد عزلها باستخدام تكنولوجيا عزل جديدة تماماً، كثيفة بشكل كافٍ لتصبح عازلةً للصوت، لكنها في نفس الوقت تسمح بالتنفس بشكل حر وكامل.
وهذه الميزة بالغة الأهمية بالنسبة للاجئين المتكدسين داخلها، فهي تستطيع تقليل انتقال الضوضاء بـ35 ديسيبيل تقريباً، أي ما يكفي لتقليل ضوضاء مخيم مليء بشخير الناس النائمين، هذا لا يجعل النوم، عملاً شاقاً، في ظل بيئة نوم هادئة، ومعتدلة الحرارة.
ولهذا أخذت الشركة على عاتقها أن تجعل لعملها بعداً إنسانياً يفيد العدد الضخم من النازحين الذين يعيشون في الخيام في العالم، وقد وقعوا عقداً بإمداد مخيمين للاجئين بالخيام، ويأملون أن ينمو عملهم أكثر في يوم ما.
5- أرضيات الطوارئ.. لماذا نغطى الرؤوس تاركين الأقدام تحت رحمة العراء؟!
طالبان في الدراسات العليا لكلية الهندسة المعمارية قررا أن يواجها قسوة العالم بسلاح الهندسة، وانهمكا في التفكير بمشكلة اللاجئين، فيما كانت المفارقة التي تدور بخلدهما هو أن التخييم مسلٍّ دائماً ولطيف، لكن، ماذا لو لم بقينا فيه لسنوات؟ ماذا لو غطت أقدامنا الثلوج أو تسربت الأمطار بين أصابعنا؟
لاحظ الاثنان أن جهود المؤسسات الخيرية تتوجه للخيام، وأماكن السكن، وتغفل الأرضيات، ما يعرض الأطفال وأسرهم لخطر اقتحام الطفيليات والتجمد، فقررا أن يصمما أرضية للطوارئ مميزة وسهلة، بيد كل شخص في الأماكن المنكوبة.
الفريق قرر أن يجعل ألواح صناديق الشحن التي تنقذ حياة اللاجئين بالغذاء والبطانيات، تكمل مشوارها وتنقذ أقدامهم الحافية، وقاموا بإضافة غطاء خاص عليها، يجعل بمتناول أي شخص أن يسير على أرضية ما تحت قدميه، وفي هذه المناسبة أطلق الفريق آنذاك وسماً على مواقع التواصل الاجتماعي سماه #getofftheground، وهو يعني، ارفع أقدامك عن الأرض.
فيما انتشرت صور الناس وهم يشاركون بمرح لينشروا المبادرة بين الآخرين، أحدهم التقط صورة له وهو يمشي على حبل، الآخر وقف على عمود في شارع، ونجحت الحملة بالفعل في جمع أكثر من هدفها المطلوب على موقع التمويل الجماهيري indiegogo، كما نجحت في لفت انتباه الناس للأزمة التي تحدث في مخيمات اللاجئين.