إذا كانت الحكمة الشهيرة "الوقاية خير من العلاج" دائماً ما تقال في ما يتعلق بصحة الإنسان، فإنها تصلح أيضاً لابتكار "الخرسانة ذاتية المعالجة"، التي وثقها الباحث المهندس الفلسطيني أحمد البغدادي في رسالته للحصول على الماجستير من الجامعة الأميركية في القاهرة.
تقوم فكرة الخرسانة ذاتية المعالجة على وقاية المبنى من الشروخ بوضع مواد في الخلطة نفسها، بحيث تعالج المواد الشروخ قبل أن تتعاظم المشكلة ويصبح هناك حاجة لتدخلات هندسية مكلفة.
يقول الباحث لـ "عربي بوست"، إن الفكرة التي طورها تعتمد على استخدام خلطة مكونة من بكتريا "باسيلسسيدوفيرم" ونوع من مواد الأحافير يسمى "دياتوماشس إرث" وعنصر "كالسيوم لاكتيت"، ولكن اللاعب الأساسي في تلك الخلطة هو البكتيريا.
ويُذكر أن صاحب الفكرة الأصلي هو الباحث الإحيائي الهولندي هيندريك يونكرز، من جامعة ديلفت، غير أن البغدادي نجح في تطويرها بجعلها أيسر في الاستخدام وأرخص في التكلفة عند التطبيق.
كيف تعمل؟
يوضح الباحث كيفية تجهيز البكتيريا لهذه المهمة داخل المختبر، حيث يتم إضافة مواد كيماوية تحولها من حالتها العادية إلى جراثيم، وهي الحالة التي تكون فيها أشبه بمادة تم حمايتها بغلاف، حتى تستطيع العيش في بيئة الخرسانة.
ويشرح البغدادي آلية عمل الفكرة التي طورها قائلاً، "عند حدوث شرخ في الخرسانة، يدخل الهواء ليشكل صدمة تنشط معها البكتيريا، وعندما تجد غذاءها، وهو مادة الكالسيوم لاكتيت، تحوله إلى مادة كربونات الكالسيوم، والتي تفيد في علاج الشروخ".
ويوضح الباحث أن مادة الأحافير، والتي تسمى "دياتوماشس إرث"، ستكون وظيفتها في هذه المنظومة، هو الحفاظ على غذاء البكتيريا، حيث تتميز هذه المادة بوجود فراغات صغيرة تسمح باستيعاب الكالسيوم لاكتيت، التي تتغذى عليها.
ويقول البغدادي إن التجارب التي أجريت على خرسانة تم شرخها ثم معالجتها بهذه المنظومة، أثبتت وجود زيادة بنسبة 10% في قوة تحمل الخرسانة للضغط، كما تم تقليل نفاذية الخرسانة للماء إلى أقل مستوى.
وعن كيفية تسويق هذا المنتج تجاريا، قال "يمكن تسويقها على هيئة عبوات مياه، يتم وضع كل هذه العناصر بها بحيث تضاف إلى خلطة الخرسانة عند إعدادها".
أفضل الاختراعات
واختير هذا البحث ضمن أفضل الاختراعات في يوم الأبحاث، الذي نظمته الجامعة الأميركية بالقاهرة في مارس/آذار 2016، كما تمت مناقشته في المؤتمر الدولي الخامس للمواد، الذي استضافته مدينة لندن الكندية، خلال الفترة من 1 إلى 4 يونيو/حزيران 2016.
ولا تعرف مصر استخدام الخرسانة ذاتية الالتئام، ما يجعل هذا التطوير توجهاً جديداً في عالم البناء والمقاولات، حال أثبتت التجارب فعاليته، بحسب د. هبة عبد الرحمن أحمد الباحثة بمركز بحوث الإسكان.
وقالت د. عبد الرحمن لـ"عربي بوست"، إن الدول الأجنبية تستخدم مواد كيماوية تضاف إلى خلطة الخرسانة لتحقيق الوظيفة التي نجح الباحث في توفيرها داخل خلطة الخرسانة، وهذه المواد غير متوفرة في مصر.
وأضافت، "هذه هي المرة الأولى التي اسمع فيها عن استخدام بكتيريا لأداء نفس المهمة، وهي ميزة هامة، لاسيما إذا كانت المواد المستخدمة في هذه المنظومة توجد في البيئة المحلية".
تكلفة أقل
لكنها تساءلت بطبيعة الحال عن التكلفة، "إذا كانت تكلفة تجهيزها ستكون أغلى من استيراد المواد التي تقوم بنفس الوظيفة، فهذا يجعلها غير مجدية اقتصادياً".
بدوره ختم البغدادي، "أن فكرة البحث انطلقت من توفير البديل المحلي الأرخص من نظيرة المستورد". وأضاف "كل المواد المستخدمة في المنظومة متوفرة في البيئة المحلية، ولا يكاد يصل ثمن عبوة المياه التي تحتوي على كل عناصرها إلى عشرة جنيهات أي دولار واحد تقريباً".