أشارت إحدى استطلاعات الرأي الحديثة التي نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية BBC، إلى أن غالبية البريطانيين لا يعتقدون بتوافق الإسلام مع القيم الغربية.
وهو ما يثير القلق بالنظر إلى وجود 3 ملايين شخصاً في المملكة المتحدة، يصفون أنفسهم بالمسلمين. لكن ما مدى التعارض بين وجهات نظرهم وبين القيم الغربية في الواقع؟ تتزايد أهمية طرح هذا السؤال خاصة بعد الهجمات المروعة مثل التي وقعت في نيس الفرنسية.
يرى كاتب المقال عاطف رشيد في مقالٍ نشره بصحيفة The Independent البريطانية، أن القيم الغربية الأساسية مثل الديمقراطية والحرية والعدالة هي حجر الأساس في الحضارة الغربية، وبالنسبة للمسلمين الممارسين للإسلام عن علم، قيم مثل الحرية والديمقراطية ليست جديدة بالنسبة لهم، فالإسلام دافع منذ بدايته عن قيم الحرية والعدالة والديمقراطية.
يسارع الكثيرون بالإشارة إلى أن العديد من الدول الإسلامية الحالية تبدو وكأنها تراجعت إلى العصور المظلمة، لكن في الحقيقة فإن أوامر الإسلام هي التي دفعت التطورات الكبرى التي شهدها العصر الذهبي للإسلام في الفترة ما بين القرنين الـ 8 والـ 13 الميلادي.
أما السبب وراء تراجع الدول المدعوة بالإسلامية على الصعيدين الاجتماعي والسياسي، فهو الإخفاق في اتباع التعاليم الإسلامية بصدق، بالإضافة لاتباعهم فكر رجال الدين المتشددين بدلاً من تعاليم الإسلام الحقيقية.
وأضاف الكاتب أن الإسلام دافع منذ بزوغه عن الشكل الديمقراطي للحكم، وعن حق الشعب في اختيار من يقوده والكيفية التي يُحكم بها، لذا فإن مطالبة أي مسلم بتطبيق الشريعة في هذه الدولة لا تعني فقط جهله بالإسلام، بل أيضاً عدم إدراكه للفرص والحرية التي توفرها الدول الغربية. ومن المثير للسخرية أن قدرة هؤلاء الأفراد للتعبير عن فكرهم الخاطئ إنما هي نتاج تلك الحريات ذاتها.
توضح الآية 59 من سورة النساء من القرآن مساندة الإسلام للحكومة الديمقراطية، إذ تحدد تلك الآية المتطلبات الأساسية والرئيسية للديمقراطية. وتحث الناس على التعامل مع أصواتهم باعتبارها مسؤولية تحتم عليهم اختيار الشخص المناسب لقيادتهم، كما يحضّ القرآن من هم في موقع المسؤولية على العدل.
علاوةً على ذلك، يشجع الإسلام على الحوار والتشاور للبت في الأمور العامة كما في الآية 39 من سورة الشورى. والتزم المسلمون في عصور الإسلام الأولى بهذا النوع من المسؤولية بالفعل.
لذا حين يدعم الإسلام شكلاً ديمقراطياً للحكم ويحث الناس على طاعة حكامهم، كما في الآية 60 من سورة النساء، فإن أي مسلم يعارض الغرب بينما يمتاز بحرياته إنما هو يخالف وصايا دينه. أما أولئك الذين لا يشعرون بأن الإسلام يتوافق مع القيم الغربية بالفعل فعليهم أن يعرفوا تعاليم الإسلام الحقيقية، حتى لو لم يفعل بعض المسلمين ذلك.
إذا تحدثنا عن العدل باعتباره أحد القيم الغربية التي تستحق الفخر، فسيفاجأ الذين لا يعرفون تعاليم الإسلام بتأكيد القرآن على العدل والقسط في مواضع متعددة مثل (المائدة، الآية 9، النساء، الآية 153، الأعراف، الآية 30)، بالإضافة إلى قوله "إن الله يحب المقسطين" (الحجرات، الآية 49).
القرآن واضح في إشارته لأهمية العدل، وهو ما جعل جامعة هارفارد تعد هذه الآية رقم 135 من سورة النساء إحدى أعظم عبارات العدالة في الأدب.
ماذا عن الحرية؟ هنا نجد بعض القيم المُتشابِهَة. أولئك الذين يدّعون بأن الحرية في الإسلام مُقَيَّدَة، مُخطِئون بصورة كبيرة. أو ببساطة، مخدوعون بسبب الأنظمة السياسية الظالمة في الشرق الأوسط. فمن المهم جداً ألا يتم الخَلْط بين الدين الإسلامي، وبين الحُكم السياسي الظالم والديكتاتوري.
فكيف يقول النبي محمد إن الإسلام يُحَرِّم إجبار أي شخص في شئون العقيدة، ومن ناحية أخرى يمتلك أتباع الرسول السُلطة لفرض معتقداتهم على الآخرين؟
يؤكد رشيد مراراً وتِكراراً على أن التعاليم التي جاء بها الإسلام، تَكْفُل الحريات الشخصية والدينية. وإن حدث وقام بعض الطُغاة في الشرق الأوسط أو الدُعاة المسلمين المتطرفين بمُخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم في كلماته أو أفعاله، فاللوم عليهم وحدهم، ولا علاقة للإسلام بهم حينها.
ولا يعني هذا أن الإسلام يتعارض مع الحريات وحقوق الانسان بحسب المقال الذي نشر في The Independent، بل يعني أن دُعاة الكراهية والحُكام الظالمون الذين يدّعون انتماءهم للإسلام، هُم في الأصل مُخالفون، ليس فقط للقيم الغربية، بل أيضاً للمُتَطَلَّبات الفعلية لعقيدتهم.
وذهب الكاتب إلى أن النبي محمد أعلن أن جميع البشر سواء وأحرار – لا تفضيل لأحد على الآخر إلا بالسلوك الذي يتبعه. كما اتّخذ الرسول خطوات كبيرة من أجل إلغاء العبودية وتحرير النساء عبر أنحاء الجزيرة العربية، إذ كان دور النساء المنتشر حينها هو أنهنّ للمتعة فقط. وهو ما جرى منذ زمن بعيد جداً، قبل أن يخوض الغرب معارِك مُماثلة ضد العبودية ومن أجل تحرير المرأة.
بعبارة أخرى، فإن الإسلام ليس فقط متوافقاً مع القيم الغربية بحسب رشيد؛ بل بدأ بالفعل في تبنّي تلك القيم وترسيخها قبل ظهور الديمقراطيات الغربية بوقت بعيد. وتُعَد القيم الإسلامية والغربية مُماثِلة وتُعَبِّر عن ذات الشيء، وهو ما اكتُشف منذ فترةٍ أطول مما يمكن لأحدٍ أن يتصوّرها.
هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Independent البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.