يعيش قطاع غزة حالة من حزن وغياب للابتسامة بسبب الوضع الاقتصادي والحصار ، ويبحث الغزاويون بشكل دائم عن شيء يزيل هذا الحزن ويبدله بابتسامة كبيرة ، تكسر كآبة الحصار.
تراكم المشاكل الاجتماعية والسياسية في القطاع التي يتعرض لها جميع شرائح المجتمع، جعل لكل شخصية منهم قصة تروى بمشاهد مسرحية على أرض غزة ، كل هذا جسدته مسرحية "آخر العنقود " التي تضم 17 ممثلاً وفريق عمل متكاملاً بينهم ممثلون شباب.
واقع كئيب
يلعب الفن الفلسطيني دوراً في تجسيد الواقع وإبرازه للعالم بنظرة مختلفة وإبداع كبير، وفي هذا الإطار استوحى الكاتب عاطف سلامة مسرحيته الكوميدية "آخر العنقود" من الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون في غزة، وجعل كل شخصية في المسرحية تجسد مشكلة يعاني منها المواطنون.
هذا ما أوضحه سلامة لـ "عربي بوست" قائلا: الفكرة مجتمعية سياسية وتدمج الحالة الاجتماعية والسياسية التي تعتبر من الأسباب الرئيسية لهم الفلسطيني داخل قطاع غزة ، بالإضافة الى الحروب المتتالية والحصار المفروض منذ سنوات طويلة.
وأضاف: "من المشاكل التي تعاني منها غزة البطالة والعنوسة وقلة الدخل المادي وغيرها من المشاكل المتكدسة، جميع هذه العوامل تؤثر على أهالي القطاع بشكل سلبي فجعلت الغزاوي عبوساً وبعيداً عن الضحك، لهذا فكرنا بكتابة مسرحية تسعد الناس وتعرض واقعهم بشكل كوميدي ساخر".
مشاكل مع الشرطة
جسد شخصية "آخر العنقود " الشاب إيهاب عليان "21 عاماً" وهو خريج جامعي يعاني من مشكلة البطالة التي تقيده أمام الواقع السيء.
عليان قال لـ"هافنيغتون بوست عربي" عن دوره بالمسرحية "شخصيتي بالمسرحية خريج جامعة يعيش في أسرة وضعها المادي سيء وإخوانه خريجو جامعات ولا يعملون أيضاً، لذا يحاول وسام أن يساعد أهله ويحسن من وضعهم المادي بأي طريقة، ولكن تكون جميع محاولاته فاشلة وتسبب بوقوعه بمصائب كثيرة ومطاردة مع الشرطة".
ممثلو المسرحية
تنوعت شخصيات المسرحية لتجسد كل منها حالة مجتمعية في غزة بدايتها مع الفنان زهير البلبيسي الذي أبرز مشكلة العنوسة من خلال ابنته موضحاً لـ "هافنيغتون بوست عربي" قائلاً: "أمثل شخصية "أبو صخر" الرجل العنيف والعصبي ولديه ابنة عانس لم تتزوج، وهو يريد أن يزوجها لأي شاب وبأي طريقة ليتخلص من مشكلتها، ويدخل في حوارات طويلة مع أهل العريس لأخذ المهر الذي يصعب توفيره في غزة بسبب ظروف الشباب السيئة".
لم تتجاهل المسرحية معاناة اللاجئين خارج قطاع غزة حيث لم تقتصر المعاناة على من هجر للخارج في عام 1948 بل هناك هجروا من أجل العمل ولكن لم يكن الحظ حليفهم في الاستمرار في العيش هناك بل عادوا إلى غزة التي تعتبر البيت الآمن لهم.
شخصية اللاجئ والمهاجر الذي يعود إلى بلده بعد غياب جسدها الممثل المسرحي جواد حرودة بشخصية "أبو زكي "والذي أخبر "هافنيغتون بوست عربي" عن تجربته في هذه المسرحية قائلاً" "أمثل واقع اللاجئ المؤلم الذي يعود الى بلده بعد سوء الوضع في ليبيا ،إيماناً منه أن بلده أفضل بكثير من أي مكان آخر".
ويضيف "نحن نحرص في هذه المسرحية على إحياء شباك التذاكر في قطاع غزة بعد أن اختفى من السبعينيات بعدما جاءت الشركات الأجنبية والممولة، والتي جعلت من المواطن متفرجاً بدعوة حضور، دون حثه على الإقبال من أجل شراء التذكرة والحضور إلى المسرح".
المرأة الغزاوية في المسرحية
لا ينجح الفن إلا بوجود الجنس الآخر ليمثل الشخصيات الأنثوية الواقعية في غزة والتي تعاني من حالة العنوسة وفي الوقت ذاته تمتلك قوة المرأة وسيطرتها على زوجها، بالإضافة إلى الأم التي تسعى من أجل راحة عائلتها بعيداً عن المشاكل والظروف القاسية.
كاميليا أبو سمك جسدت شخصية "أم صخر" التي تمثل المرأة القوية والعنيفة، والتي تسيطر على زمام الأمور في الحياة وتسعى لإسعاد ابنتها وتزويجها بعد دخولها مرحلة العنوسة.
أما عن "أم عفيف" المرأة البسيطة التي تعيش حالة من الحزن على أولادها خريجي الجامعات والذين لم يكن لديهم فرصة عمل من أجل بناء حياتهم ، فقد قامت بالدور سماح ياسين.
وشرحت سماح دورها بكلمات بسيطة لـ "عربي بوست" قائلة: "أمثل المرأة الفلسطينية البسيطة التي تحمل في قلبها قهراً على أبنائها متمنية سعادتهم بأي شكل من الأشكال، ولكن الظروف القاسية تفرض نفسها عليها وتوقع آخر العنقود لديها في يد الشرطة بسبب محاولاته الفاشلة في مساعدة البيت وتحسين وضعه المادي".
شباك التذاكر لعشاق المسرح
من المعروف أن قطاع غزة المحاصر يفتقد الإمكانيات اللازمة لتقديم الفن وإبراز المواهب الفنية التمثيلية وغيرها، لذلك يحاول عشاق التمثيل إبراز موهبتهم وحتى ولو على نفقتهم الخاصة.
هذا ما أوضحه علي أبو ياسين ممثل ومخرج مسرحية آخر العنقود قائلاً "تجربتنا في هذه المسرح هو أن نخلق شباك التذاكر بعروض إلى نهاية العام وهي تجربة أولى من نوعها، مع العلم لا يوجد تمويل للعمل نهائيا".
ويضيف قائلاً "مدة العرض ساعتان، وهو ويحتاج تمويلاً ضخماً مفقوداً في غزة، على الرغم من ذلك نحن حريصون أن يكون عملاً كوميدياً لإخراج الناس من الهموم، حيث يتواجد في المسرحية أربعة عروض استعراضية، وهناك إصرار على نجاح هذا العرض ونأمل الإقبال على المسرح، ونحاول أن نرسخ فكرة ارتياد المسرح من قبل المواطنين وأن يكون جزءاً من حياتهم".
رأي الجمهور
خلال أيام العيد عرضت المسرحية في مواعيد مختلفة وشهد المسرح إقبالاً من الجمهور لحرصهم على مشاهدة هذه المسرحية التي أجمع عليها الكثيرون أنها جميلة جداً تلمس الواقع الفلسطيني الذي يعيشونه ولم تترك مشكلة إلا وعالجتها بطريقة كوميدية وخفيفة مضحكة.
أسعد العرض الجمهور الذين عبّروا عن شوقهم لمثل هذه المسرحيات التي تخرجهم من حالة الحزن والكبت الكبير، وانتهى العرض بابتسامة الجمهور وتصفيق حار للممثلين، مؤكدين أن غزة ولّادة في الفن والإبداع رغم الظروف.