رغم كل مآسي اللجوء، فإنه آلامه يمكن أن تتحول إلى فن راقٍ إذا وجد اللاجئ من يمد العون له ويكتشف مواهبه التي صقلتها المعاناة.
منذ أيام انتهى معرض مشاريع التخرج للطلاب اللاجئين من دورة (open design) من الأكاديمية والكونسرفتوار الملكي في جامعة غينت ببلجيكا "KASK".
الدورة كانت تضم 12 لاجئاً من توجهات وبلدان مختلفة (8 سوريين وعراقيان وأفغاني ومصري) تم اختيارهم من أصل 80 لاجئاً تقدموا للدورة.
خضع الطلاب لدورة (ماجستير مكثف) كما سماها المشرف عليها برام كريفام، استغرقت شهرين قسموا إلى شهر محاضرات نظرية، وشهر عملي.
تخلل الشهر الأول 19 محاضرة للعديد من الفنانين أهمها كانت محاضرة للفنان جوهان غريمونبريز، وهو مخرج وأستاذ في جامعات نيويورك، ومحاضرة للفنان فرانك أوستين بعنوان "ذكريات فلسطين"، وأخرى للفنان دريك فان جوخ بعنوان "التصميم المجتمعي".
ساهمت هذه المحاضرات بشكل خاص، والدورة ككل بشكل عام بتغيير آراء الطلاب عن مفهوم التصميم والفن، وكيف يتم تناول الفن من عدة جوانب مختلفة بأسلوب مختلف قليلاً عن النموذج الشرقي للفن.
إحياء حمص
الطلاب كانوا مجمعين بشكل نسبي على الأثر الإيجابي للدورة، إلا أن كل منهم وظف هذا التأثير في اختصاصه الفني بمايفيده.
سامر الآغا، هو فنان تشكيلي يبلغ 40 عاماً، يقول إن مشروعه للتخرج كان عبارة عن نموذج فني مصغر لمبنى سكني شبه مدمر من مدينة حمص السورية.
داخل هذا المبنى جهاز سيرفر wifi + سماعات مخفية تصدر أصواتاً للحياة الموجودة قبل الحرب (أسواق – لعب أطفال – غناء نسوة – باعة)، وذلك في محاولة لاستحضار مشهد ما قبل الحرب لنقل المتلقي إلى الأجواء الحقيقية السائدة في تلك الفترة.
ويستطيع نفس المتلقي قراءة بعض قصص السوريين في هذا المبنى من خلال الفيديوهات الموجودة على السيرفر من خلال ربط جهازه الموبايل بشبكة الـ wifi.
يأتي هذا المشروع استجابة للمعلومات الجديدة التي تم تلقيها خلال هذا الكورس، وخصوصاً مزج الخبرات الفنية السابقة والمعلومات الجديدة.
وعن ارتباط مشروعه ببلده، يقول الآغا إن المنظور الفلسفي للعمل الفني يعتمد على طرح سؤال غير معلن من الفنان من خلال بعض الفيديوهات لساكنات هذا البيت اللواتي أصبحن لاجئات في المغترب، وما حققن من إنجازات على صعيد الهواية.
ويضيف "هنا يأتي السؤال هل للحرب آلام فقط هل الحرب تكسر المحرمات والتابوهات أيضاً ومن هنا يأتي ارتباط مشروعي ببلدي سوريا".
تجاوب غير جدّي
أحد مشاريع التخرج للطلاب كان عبارة عن مجموعة من البوسترات الملصقة على لوح كبير يتضمن العديد من الأرقام والخطوط البيانية للطالبة سوسن ماهر.
وعن هذا المشروع، تقول سوسن إن المشروع هو استبيان لتقييم الدورة، ومعرفة آراء الطلاب، والصعوبات التي واجهتهم لتجاوز الأخطاء في دورات مستقبلية.
وأضافت أن الصعوبة الوحيدة هي التجاوب غير الجدي من بعض المشاركين بالدورة، وامتناع البعض عن المشاركة بآرائهم، "كانت النتيجة هي قاعدة بيانات مفيدة في تقييم الدورة بشكل كامل مع أخذ التفاصيل بعين الاعتبار".
وتتابع " مشروعي و بلدي كانا حاضرين دائماً أثناء العمل، إذ إن المشاركين بالدورة أغلبهم سوريون، وكان من المفيد سبر شخصياتهم وآرائهم و تكوين فكرة عن تفاعلهم في بيئة تعليمية جديدة لا تشابه النماذج التعليمية التقليدية التي يعرفونها، فالتعرف على شخص السوري كأنما هو اكتشاف جديد لأبناء بلدي".
إعادة بناء تدمر
المشاريع كلها لاقت صدى جيد، فمشروع الطالب نقيب الله ساداد، يهتم بتطوير التعليم في بلده أفغانستان.
أما مشروع (IZED) للطالبين يوسف كمند، ومحمد أوس، كان هدفه بناء شبكة لحفظ التراث الثقافي حول العالم بطريقة رقمية حيث بدأ المشروع بفكرة اعادة بناء تدمر وحفظ تراثها بالطريقة الرقمية.
إحدى هذه الطرائق الرقمية التي تم تنفيذها بالمشروع "الطباعة ثلاثية الأبعاد" ومن ثم تطورت فكرة المشروع الى حفظ التراث الثقافي العالمي ودعوة المستخدمين حول العالم للمشاركة في هذا المشروع .
نور عرند هي مصممة أزياء درست التصميم في سوريا، والتي بدأت مشروع تخرجها كخطوة لمشروع أكبر.
تقول "مشروعي الأكبر هو إنتاج قماش له دلاله معينة، باستخدام رموز لها علاقة بالذاكرة الجمعية للسوريين، والتلاعب بها لتجريدها من حدتها ورمزيتها، مشروعي هو مشروع سوري بحت له علاقه بالفترة الطويله من حكم البعث لسوريا وقولبته لأجيالها".
وتضيف أن يد العون التي قدمها كل اساتذة الجامعة بصدر رحب لمساعدتي في تقنيات لم أعتد التعامل معها كانت أهم الايجابيات أثناء عملها على مشروعها، "أما عن الصعوبات فلم يكن هناك صعوبة غير ضيق الوقت في نظري".
عن الفرص التعليمية لللاجئين عموماً سوريين وغيرهم تقول نور إن هناك فرصاً متاحة في مجال التعليم للاجئين لكنها بنظري تحتاج لجهود للحصول عليها وكل من يسعى للوصول إلى مستوى دراسي معين سوف يصل اليه بالسعي المتواصل.
تعلم اللاجئين
أما سوسن فتعترف بوجود صعوبات وعن مسؤولية الفئة المتعلمة وغيرها من الفئات تجاه مستقبل بلدانهم بشق طريقهم بالسعي الدائم ومواجهة الصعوبات.
وتقول إن اللاجئ لديه فرصة للتعليم، لكن وجوده في أوروبا لا يحتم إكماله لتعليمه، "هناك الكثير من الصعوبات التي يستطيع بعض اللاجئين تجاوزها مثل وجود شهادة التخرج ومعادلة الشهادة والمنح المتوفرة بشكل محدود".
وتنصح الجميع بالتعلم ومواجهة الصعوبات والأخذ بعين الاعتبار أنك لا تواجه هذه المشاكل وحدك هناك أربعة أجيال تواجه مشاكل مشابهة، وصولك إلى أوروبا وبقاء الملايين في مخيمات اللجوء يحملك مسؤولية النجاح وإيصال رسالة إيجابية للعالم.
كانت الدورة هي بمثابة تجربة تعليمية حقيقة على مستوى عالٍ من التدريس والدراسة والبحث والعمل الجاد انتهت بنتاج يعتبره الفنانون والطلاب الآخرون الذين زاروا معرض مشاريع التخرج بأنه نتاج مذهل حيث يتم النقاش حالياً في الحرم الجامعي عن إمكانية إعادة هذه الدورة في الموسم القادم للطلاب اللاجئين والبلجيكيين أيضاً.
أخيراً كان هناك سؤال دائماً يتردد "كيف نستطيع ان نوظف ما اكتسبناه لخدمة بلداننا ولو كان ما نستطيع القيام به هو نقطة ماء في بحر كبير؟".