ارتبطت صناعة الحصير في قطاع غزة بالهوية الفلسطينية كحرفة يدوية في بدايات السبعينات والثمانينات، فكان حي التفاح والشجاعية جنوب مدينة غزة يمتلئ بمحلات صناعتها، كما أن إقبال الناس عليها ما زال مهما نتيجة أسعارها البسيطة مقارنة بالسجاد والمفروشات الأخرى المختلفة.
وقد عادت صناعة الحصير إلى السوق بعد ارتفاع الطلب عليها نتيجة اشتداد وطأة الحصار المفروض على قطاع غزة، وصعوبة الوضع المادي للسكان، لكن الحصار أيضاً شكل عبئاً كبيراً على مصانع الحصير التي تعتمد على المواد الخام من إسرائيل، وكذلك على استمرار وصل التيار الكهربائي، ما فرض على المهنيين البحث عن حلول جديدة.
مخلفات البلاستيك
حازم حجازي (69 عام)، صاحب أقدم وأكبر مصنع للحصير شرق منطقة جباليا، والذي أنشئ في العام 1988، فكَّر باستخدام مخلفات البلاستيك لاستمرار عمل مصنعه في ظل أزمة الحصار وانقطاع المواد الخام.
وقال حجازي في تصريح لـ"عربي بوست" "ارتفعت أسعار المواد البلاستيكية الخام القادمة من إسرائيل من 600 دولار إلى 2000 دولار للطن الواحد، إضافة لصعوبة إدخالها من معبر كرم أبو سالم التجاري لقطاع غزة والذي يخضع للسيطرة الإسرائيلية بالكامل، ونحن نعتمد بشكل أساسي على البلاستيك في صناعة الحصير لذلك كان علينا التفكير ببديل أو إغلاق المصنع".
وعن توفير البديل قال إيهاب حجازي المدير الفني في مصنع حجازي للحصير لـ"عربي بوست" إن أكبر مشكلة تواجههم اليوم هي نقص المواد الخام من البلاستيك، "لذلك توجهنا لفكرة إعادة تدوير النفايات البلاستيكية من خلال استغلال زوائد المواد البلاستيكية المصنعة من مادة "لبروبريل، ومادة الستاندر التي يجمعها بعض المواطنون البسطاء من مخلفات الناس لبيعها والعيش من خلالها".
وحول آلية إعادة تصنيع مخلفات البلاستيك أضاف حجازي: "نصهر المواد المجمعة تحت حرارة معينة فتخرج على شكل بوص بلاستيكي رفيع، ثم نصبغها بألوان مختلفة عبر ماكينات متخصصة لتجهيز البوص، وإدخاله على ماكينات صناعة الحصير".
تجارة رائجة
ويعيل مصنع حجازي قرابة الأربعين عائلة، يعمل أبناؤهم ومعيلوهم في المصنع سواءً في خط التجميع، أو الإنتاج أو التسويق، واستمرار عمل المصنع بالبدائل الموجودة هو ضمان راتب لهذه العوائل في وضع معيشي صعب بلغت فيه نسبة البطالة 48% بالمجتمع الغزي.
ويعرض عشرات البائعين في سوق الأربعاء الشعبي وسط مدينة خان يونس أنواعاً وأشكالاً مختلفة من الحصير المصنوع محلياً، وسط إقبالٍ من الناس نتيجة انخفاض سعره، خصوصاً في موسم رمضان والأعياد.
يقول بائع الحصير محمد أبو عامر لـ"عربي بوست" إنه ببيع في كل سوق قرابة 20 حصيرة، بمقاسات مختلفة، حيث يبلغ ثمن الواحدة 40 شيكلاً 13 دولاراً في حين أن مقابلها من السجاد المستورد يبلغ ثمنه حوالي 200 شيكل، ونتيجة الوضع المادي الصعب للناس، لا تعتبر الجودة معياراً أساسياً.
الحاجة أم أحمد موسى، وهي أم لـ10 أبناء، اشترت 3 قطع من الحصير لفرش البيت قبيل العيد، وتقول لـ"ل"عربي بوست" بصوت مرتفع لفت أنظار المتسوقين "الوضع صعب للغاية، من أين آتي بالأموال لشراء السجاد؟ الحصير على قد الحال، حتى يفرج الله كربنا، ويصلح حالنا".
نفايات كبيرة
مدير دائرة النفايات الصلبة بسلطة جودة البيئة محمد مصلح، أكد في حديث لـ"عربي بوست" أن لكثافة السكانية المتزايدة بشكل كبير في قطاع غزة، وتغير العادات الغذائية للغزيين شكلت زيادة في كميات النفايات الصلبة، ونتيجة الحصار من الصعب التعامل مع هذه النفايات كإعادة تدويرها أو إتلافها، فتتراكم بكميات كبيرة في مكبَّات النفايات ما تسبب أضرار صحية مستقبلية للناس.
ويبلغ إنتاجية قطاع غزة سلطة حسب جودة البيئة قرابة 500 ألف طن من النفايات المنزلية، بواقع 1900 طن يومياً، إذ ينتج الفرد الواحد في قطاع غزة كيلو جرام من النفايات بشكل يومي، تتجمع هذه النفايات في مكبات رئيسية شرق مدن القطاع من رفح جنوباً حتى الشمال.
ويخرج العشرات من جامعي المخلفات قرابة الساعة السادسة صبيحة كل يوم، إلى المكبات خارج المدينة على الحدود، يبحثون عن مخلفات الأشياء من بينها الأدوات البلاستيكية كالزجاجات الفارغة وغيرها، ليبيعوها للمصانع القليلة التي تستخدم البلاستيك كمادة خام أساسية في صناعتها.