يفكر العلماء الآن في تصنيع جينوم بشري، وهو ما يعني استخدامهم مواد كيميائية لتصنيع الحمض النووي الكامل الموجود في الكروموسومات البشرية.
الاحتمال الذي أشارت إليه صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، 13 مايو/أيار 2016، يدفع إلى الإثارة والقلق في أوساط المهتمين بعلوم الحياة، وذلك لأنه ربما يصبح من الممكن – إن تمكن أحدهم من إعداد الجينوم البشري الاصطناعي – زراعة الجينوم في الأجنة وخلق بشر دون آباء.
وبينما المشروع لايزال مجرد فكرة، وينطوي أيضاً على جهود تستهدف تحسين توليف الحمض النووي بشكل عام؛ تمت مناقشته في اجتماع مغلق في كلية الطب بجامعة هارفارد في بوسطن يوم الثلاثاء الماضي، وطُلِب من الحضور الذين بلغ عددهم قرابة 150 شخصاً عدم الاتصال بوسائل الإعلام أو نشر تغريدات حول هذا الاجتماع.
وقال المنظمون إن المشروع قد يكون واعداً، وسيكون متابعة لمشروع الجينوم البشري الأصلي، الذي كان الهدف منه قراءة تسلسل الحروف الكيميائية البالغ عددها 3 مليارات في مخطط الحمض النووي لحياة البشر. لكن المشروع الجديد لن ينطوي على قراءة الجينوم البشري، بل سينطوي على كتابته، بتجميع 3 مليارات وحدة من المواد الكيميائية.
للمحاولة أثار أخلاقية
ولكن مثل هذه المحاولة من شأنها إثارة قضايا أخلاقية عديدة. فهل يمكن للعلماء خلق بشر بأنواع معينة من الصفات، فعل من المحتمل أن يكون هُناك أشخاص وُلدوا ليكونوا جنوداً؟ وهل سيصير من الممكن تخليق نسخ من أشخاص معينين؟
"هل سيكون من الملائم تتبع ثم توليف جينوم اينشتاين؟"، هذا ما قاله درو إندي، وهو مهندس بيولوجي في جامعة ستانفورد وكذلك الباحثة لدى جامعة نورث وسترن بمجال أخلاق الطب الحيوي، لاوري زولوث، فقد كتبا في مقال انتقدا فيه المشروع المقترح: "إذا كان الأمر كذلك، فكم من جينات أينشتاين ستكون ملائمة للإعداد والتركيب في الخلايا، ومن سيقوم بصنعها؟".
وقال الدكتور إندي أنه رغم توجيه الدعوة إليه، إلا أنه لم يحضر الاجتماع في هارفارد متعمداً لأنه لم يكن اجتماعاً مفتوحاً بالقدر الكافي، كما أن الاجتماع تجاهل التعقيدات الأخلاقية لمثل هذه الفكرة.
أما البروفيسور جورج تشيرش، أستاذ علم الوراثة في كلية الطب في هارفارد أحد منظمي المشروع المقترح، فقد قال إنه ثمة سوء تفاهم، فلم يهدف المشروع إلى خلق بشر، وإنما فقط بعض الخلايا، وهو لن يكون محصوراً بالجينوم البشري، بل يهدف إلى تحسين إمكانية تصنيع الحمض النووي بشكل عام، وهو ما قد ينطبق على حيواناتٍ ونباتات وميكروباتٍ عديدة. وأضاف تشيرش في مقابلة: "إنهم يرسمون صورة لا أعتقد أنها تمثل المشروع".
وقال الدكتور تشرش إن الاجتماع لم يكن مفتوحاً للصحافة، وطُلب من الحضور عدم التغريد بشأنه لأن منظمي المشروع، في محاولة منهم للشفافية، قدّموا ورقة بشأنه إلى مجلة علمية. وبالتالي فلم يكن من المفترض لهم مناقشة الفكرة على الملأ قبل نشرها.
وقد سُمي المشروع في البداية HGP2 "مشروع تجميع الجينوم البشري"، وقالت الدعوة إلى الاجتماع الذي انعقد بجامعة هارفارد إن الهدف الأساسي منه هو "تجميع الجينوم البشري الكامل في خط الخلية خلال 10 سنوات".
ولكن بمرور الوقت انعقد الاجتماع، وتغير الاسم إلى "كتابة الجين البشري: اختبار خريطة الجينات الاصطناعية في الخلايا".
فالاسم الأول كان قد طرح كعنوان للهدف الطموح؛ مثل الهبوط على سطح القمر، لأن تلك هي أفضل وسيلة لحشد المجتمع العلمي.
وأضاف أن المشروع لم يلق بعد تمويلاً، وذلك على الرغم من أنه سيتم دعوة عدد من الشركات والمؤسسات المختلفة للمساهمة، وقد أشار بعضهم بالفعل إلى الاهتمام بذلك، كما سيُطلب التمويل أيضاً من الحكومة الفيدرالية.
وإلى جانب الدكتور تشرش، يشمل فريق مُنظمي المشروع جيف بيك، مدير معهد نُظم علم الوراثة في مركز جامعة نيويورك انجون الطبي. وكذلك أندرو هيسيل، الذي يعمل في مجموعة بحثية متخصصة بعلوم النانو لدى شركة Autodesk للبرمجيات بمنطقة خليج أوتوديسك، وأيضاً نانسي كيلي، التي تقوم بأعمال تخطيط وإطلاق المشاريع.
تغيير الحمض النووي
وبإمكان العلماء والشركات الآن تغيير الحمض النووي في الخلايا عبر إضافة جينات أجنبية أو تغيير الحروف في الجينات الموجودة. وتستخدم هذه التقنية بشكل روتيني لحفظ الأدوية، مثل الأنسولين المُستخدم من قِبل مرضى السكري، داخل الخلايا المعدلة وراثياً، فضلاً عن إنتاج المحاصيل المعدلة وراثياً.
لكن توليف جينات، أو توليف الجينوم بأكمله، من شأنه إتاحة المجال لإجراء تغييرات على نطاق أكثر اتساعاً في الحمض النووي. فالفكرة مماثلة لتبديل إحدى الوثائق. إن كانت هناك حاجة لإجراء تصحيحات طفيفة فمن الأسهل تغيير كلمة هنا أو هناك؛ ولكن إن كانت هناك حاجة لتغييرات واسعة النطاق، فيصبح من الأسهل إعداد مستند جديد تماماً من نقطة الصفر.
وفي الوقت الراهن؛ يعد توليف الحمض النووي من المواد الكيميائية صعباً وعرضة للخطأ. فالتقنيات المتوافرة حالياً بإمكانها توليف خيوط يبلغ عددها بين 200 أو 250 قاعدة طويلة من الوحدات الكيميائية في الحمض النووي. في حين أن توليف جين واحد يمكن أن يتطلب توليف الآلاف من القواعد. ويتطلب تجميع الواحد منهم إلى تجميع 200 وحدة معاً.
لكن التكلفة والقدرات آخذة في التحسن. فيقول تشرش إن "هناك حراكاً للمنحنيات أسرع بكثير من قانون مور"، في إشارة إلى ملاحظة مدى سرعة تحسن القدرة الحاسوبية.
وقال تشرش إن مجموعة يشارك بها اقتربت من تجميع 4 ملايين قاعدة من بكتيرا للالقولونية للجينوم بالكامل، وقال إنه قد يكون من الممكن تجميع الجينوم البشري بأكمله في غضون 10 سنوات، على الرغم من أن تلك المهمة في البداية ستتكلف عشرات الآلاف من الدولارات.
الدكتور إندي من جامعة ستانفورد، وهو خبير في علم الأحياء الاصطناعية، الذي يشمل مجال هندسية الحياة، يقول إن تكلفة تجميع الجينات تراجعت من 4 دولارات لكل قاعدة في عام 2003 إلى 3 سنتات الآن، ولكن حتى معدل التكلفة ذلك يجعل التكلفة تبلغ 90 مليون دولار. وقال إنه إذا استمرت التكاليف في الانخفاض على نفس تلك الوتيرة، فربما ستصل التكلفة إلى 100 ألف دولار خلال 20 عاماً.
هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The New York Times الأميركية.