العلمانية المتطرّفة تتبنّى النهج الداعشي في شيطنة الآخر.. أيهما قتل أكثر؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/10 الساعة 11:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/10 الساعة 11:16 بتوقيت غرينتش

بينما تهاجم العلمانية المتشددة الأديان وخاصة الإسلام كأنها شر مطلق دون محاولة للتمييز بين المتطرفين والمعتدلين فإنها تتجاهل أن معظم الدماء التي سالت في القرن العشرين هي نتيجة أيديولوجيات علمانية أو قومية.

مجلة شارلي إيبدو الفرنسية تقدم وفقاً لمقال كتبه الصحفي التركي إبراهيم كالين نموذجاً بأن لا فارق يذكر بين العلمانيين المتشددين وبين من ينتقدونهم من المتطرفين الدينيين، فالمجلة الفرنسية من وجهة نظره لم تكتف بنقد التطرّف بل تهاجم الإسلام كدين وتعادي وجوده في أوروبا بحيث تخلق أجواء مشابهة لتلك التي خلقها النازيون قبيل الحرب العالمية الثانية… مما يطرح تساؤلاً حول الفارق بين المجموعات المتطرفة مثل داعش وأخواتها وبين العلمانيين المتطرفين؟

نص المقال

بعد أسبوع من هجمات بروكسل، نشرت المجلة الفرنسية شارلي إيبدو مقالاً بالإنجليزية تساءلت فيه "كيف وصلنا في نهاية المطاف إلى هذا الحال؟" وادعت أن "الهجمات هي مجرد الجزء الظاهر من جبل جليد ضخم جداً في الواقع. وأنها المرحلة الأخيرة من عملية التهديد بالعنف والإسكات السائدة منذ فترة طويلة وعلى أوسع نطاق ممكن".

ثم تجيب المجلة على سؤالها من خلال إلقاء اللوم على ثلاثة أشخاص، الباحث الفرنسي المسلم الدكتور طارق رمضان، المرأة المسلمة التي ترتدي الحجاب والخباز المسلم الذين يرفض بيع لحم الخنزير.
تكشف الطريقة التي تجيب بها المجلة على هذا السؤال عن الكراهية المتأصلة والنزعة العدوانية للعلمانية المتشددة.

تشتهر تشارلي إيبدو بهجومها المتواصل على الدين. ولكنها معروفة أيضاً بمحاولتها إظهار آرائها ضمن نطاق النقد العقلاني.
فهي تزعم أن رسومها الساخرة من اليهودية والمسيحية والإسلام تقوم على حجج منطقية ونقد مستنير.
تتجاوز نسختها الجديدة كل هذا وتصل إلى مستوى منخفض جديد من التعصب ضد المسلمين. فهي تنحي باللائمة على وجود المسلمين في المجال العام الأوروبي عن كل ما حدث من انحراف في القارة العجوز.

ترتكب العلمانية المتشددة التي تنتهجها تشارلي إيبدو الخطأ ذاته الذي تنتقد المتعصبين بسببه، فهي تصنف كافة المسلمين وأهل الإيمان في فئة الشر مقابل أهل الخير الذين تمثلهم تشارلي إيبدو وأمثالها.
وبدلاً من التمييز المنطقي والأخلاقي بين المسلمين المعتدلين، الذين يشكلون الغالبية العظمى من بين 1.5 مليار مسلم في جميع أنحاء العالم، والمتطرفين المنبوذين من قبل المسلمين في جميع المجالات، فهي تعامل المسلمين كمشتبه بهم، راديكاليين ومتطرفين.

إن اختيار رمضان، وامرأة مسلمة محجبة مجهولة وخباز مسلم ليس من قبيل الصدفة ويكشف إلى أي مدى ترى العلمانية المتشددة المسلمين باعتبارهم مسؤولين عن التطرف العنيف والإرهاب. وهذا أكثر من مجرد جرم بالتبعية، إنه تعصب صارخ تحت ستار الهجاء، والإلحاد، والعقلانية والقيم الليبرالية الأوروبية.

سيشعر رمضان، المسلم الأوروبي الذي يتمتع بمعرفة تستحق الثناء من كلا العالمين، بالشرف إذا ما وضع في كفة واحدة مع امرأة مسلمة وخباز وعدد لا يحصى من المسلمين الذين يحترمون القانون والمتدينين الذين يعيشون في أوروبا والولايات المتحدة والعالم الإسلامي.
لكن اختيار هذه الشخصيات يبين أن مجلة تشارلي إيبدو تناهض مجرد وجود المسلمين في أوروبا كما لو أن ذلك الادعاء يمثل الثقافة الأوروبية على وجه العموم. حيث يبدو أنها تخشى الحياة الطبيعية لمفكر إسلامي أوروبي، وامرأة مسلمة عادية وخباز مسلم موهوب.

تحسب مجلة تشارلي إيبدو أنه يمكنها قول هذا مع الإفلات من العقاب لأن النهج العلماني المتشدد الذي تتبعه يدعي الهيمنة على الحقيقة ويقدم نسخته من المنطق والعقلانية بوصفه السبيل الصحيح الوحيد لمعرفة الحقيقة والفضيلة.
كيف يختلف هذا عن مزاعم تنظيمات مثل داعش، والقاعدة، وكو كلوكس كلان (الجماعات المعادية للزنوج في الجنوب الأميركي ) أو النازيين الجدد؟ كيف يمكن للمرء أن يبدأ مع الافتراض القائل بأن السبيل الوحيد للحديث عن الدين هو بمهاجمته على أنه غير عقلاني أو لاإنساني أو عنيف؟ منذ متى أمسى وضع مثل هذه الشروط السمة المميزة للفكر العقلاني؟

لا يتعلق هذا بالتفكير النقدي أو المنطق السليم، ولكنه التصور الذاتي للعلمانية المتشددة. تدعي العلمانية المتشددة ضبط النفس، وتصور نفسها على أنها دين منحرف وتطالب بالإذعان المطلق. وهي تشيطن الآخر باسم العقل والتقدم والحرية، وهي تخفي خطاب الكراهية في شكل الحرية لمهاجمة أي شخص وأي شيء، وهي ترى أن الإسلام هو آخر دين متماسك لذا فهي تهاجمه بشراسة. وعندما تفشل في التبشير، فإنها تهاجم الجميع وتظهرهم لاعقلانيين وعنيفين.

عنف العلمانية

أظهرت العلمانية المتشددة مغالطاتها عبر حقيقة أن العنف الحديث ينجم في كثير من الأحيان عن العلمانية والأيديولوجيات القومية أكثر من الأفكار الدينية.
فالعنف الداخلي وحوادث إطلاق النار في المدارس في الولايات المتحدة تودي بحياة عدد هائل من الناس كل عام، وتقريباً لا علاقة لها بالدين أبداً. فالعديد من تلك الهجمات يأتي نتيجة لثقافة العنف الحديثة التي تمجدها إنتاجات هوليوود، وصناعة الترفيه ووسائل الإعلام الاجتماعية في الآونة الأخيرة.
ومنذ بداية القرن العشرين، أشعلت النزعات القومية والقبلية والاشتراكية والشيوعية، التي ليس لأي منها علاقة بالدين في حد ذاته، حروباً دموية راح ضحيتها عشرات الملايين من الناس في أوروبا وأفريقيا وآسيا.
وقد قدمت هذه الأيديولوجيات أنفسها كبدائل للدين حيث تحل الأمة محل الله، وتحل البروليتاريا محل الإيمان وتحل الدولة الشيوعية محل الكنيسة والنظام الملكي. لا يحتاج العنف الحديث إلى الدين لإيجاد مكان مشترك ومثير للقلق في المجتمعات الحديثة.

أما بالنسبة للادعاء بأن الجدال حول الإسلاموفوبيا يستخدم كأداة لعرقلة الانتقادات، فهذا أبعد ما يكون عن هذه القضية.
إن أي شخص لديه عقل سليم يعرف الفرق بين المناقشة العقلانية والمدنية عن التقاليد الإسلامية من جهة، والهجمات العنصرية على الإسلام والمسلمين من جهة أخرى.
إن للإسلام تقليداً راقياً للحوار النقدي رسخته أجيال من العلماء والفقهاء والفلاسفة والموحدين، والصوفيين والعلماء والفنانين.
وبينما نسي المسلمون اليوم عمق هذا التقليد، فالحقيقة هي أن القرآن يحث على استخدام التفكير النقدي والملاحظة والاستدلال ويوضح حدود التوازن بين العقل والإيمان والفضيلة. حيث يمكن للمرء النقاش بعقلانية وتروٍّ عن الإسلام دون تعنت.

إلا أن العنصرية ضد المسلمين تتجاوز الجدل المنطقي وتجرم المسلمين على أساس إيمانهم وثقافتهم.
وبنفس القدر الذي يتعين علينا أن نناقش عبره التعصب والعنصرية من أجل منع الهجوم المقبل، علينا أن نستمر في الحديث عن الخوف من الإسلام والتعصب ضد المسلمين من أجل حماية حقوق الأفراد المسلمين الذين يحق لهم الحصول على حقوق الإنسان الأساسية والحريات المدنية مثل أي أشخاص آخرين.
إن الجدال حول الإسلاموفوبيا له أهمية بالغة لفضح هؤلاء المتعصبين، والعنصريين والفاشيين الذين يتنكرون في عباءة المثقفين والتقدميين المحبين للحرية.
تكرر مجلة تشارلي إيبدو شرور العنصرية وترفض أن تنعت بالعنصرية. وهي تخلق بيئة، سواءً عن قصد أم بلا قصد، تشبه الى حد بعيد ما حدث في ألمانيا في الثلاثينيات. وجميعنا نعرف ما أدى إليه هذا الجو من معاداة السامية وإشاعة الخوف.

يجب رفض التعصب والعنف الذي ترتكبه تنظيمات مثل داعش والقاعدة والمنظمات المماثلة كمبدأ، وليس كمجرد مسألة للملاءمة السياسية. ولكن يجب أيضاً رفض العلمانية المتشددة التي تسعى إلى تبرير العنصرية والتعصب باسم العقل المستنير والحرية.

– هذه المادة مترجمة عن صحيفة Daily Sabah التركية. للاطلاع على المادة الأصلية، يرجى الضغط هنا.

تحميل المزيد