"أدمنت على تحدي الجاذبية، وأحاول في النهاية أن أوفق في ميل الكتل والأجسام على مستوى واحد كما في الجاذبية بين الأرض والشمس، وفي نهاية الأمر أكون قد أنجزت لوحة جديدة، فالأمر ممتع ومسلٍ ومليء بالشغف والإثارة، وأشعر بأنني أحد القلائل على وجه الأرض".
صلاح بيضان أو "متحدي الجاذبية" كما يُسمي نفسه على فيسبوك، ينجز لوحات من الأعمال المدهشة التي تعتمد على سر الجاذبية الأرضية، وهو واحد من عشرة برعوا في هذا الفن، كما يقول.
يرص صلاح أحجاراً مختلفة بطريقة أشبه بالمستحيلة، وفي نهاية العمل الذي يستمر في الغالب لساعات تتمخض صورة بديعة، تشبه لوحة فنية بعد أن يلتقط لها صوراً فوتوغرافية بكاميرته الخاصة.
ينحدر من محافظة شبوة، جنوب شرق اليمن، وبجانب ممارسة هوايته الفريدة فهو أحد المصورين المحترفين، ويدرس اللغة الإنجليزية في كوالالمبور بماليزيا، وبدأ ممارسة هوايته في رص الأحجار والبيض وكرات البولينج بشكل عمودي منذ سنوات.
بداية التجربة
وقال بيضان لـ"عربي بوست"، "بدأت أمارس الهواية التي قد تكون في الغالب غير مصدقة للبعض وتحوي خدعاً سحرية، بعد أن شاهدت أحدهم يمارسها في أحد عروض البرامج التلفزيونية فأغرمت بها، وشدني فضول أكثر عن هذا الفن فبدأت في البحث والقراءة عنه".
بدأ صلاح بأول تجربة له في موازنة الأحجار وتحدي الجاذبية بيد أنه لم يفلح، وكانت تلك الخطوة انطلاقته في عالم الموهبة الغريبة حين استمر لنحو أسبوع ونيف، نجح خلالها في صناعة أول عمود من الأحجار بشكل غرائبي. "ومن حينها بدأت أعمل بجد لكني لم أكن أصور أعمالي"، يُضيف.
ويقول إن بعض أصدقائه شاهدوا ما ينجزه منذ البداية لكنهم لم ينجذبوا في المرة الأولى لتلك الأعمال، مما حتم عليه أن يبرع أكثر في إنجاز أعمال خارقة وجذابة، وكانت اللوحة من أحجار دائرية تستقر على أحجار أصغر منها، دون قاعدة تستند عليها.
كانت تلك اللوحة حجر الزاوية في الفن الآسر الذي يسجله صلاح، فقد أصر أصدقاؤه على نشر صور أعماله.
هل هو فن؟
من الصعوبة على الشاب العشريني أن يستمتع بمنظر طبيعي في أحد الأودية أو بزرقة البحر على الشاطئ، دون أن يبدأ في موازنة الأحجار ويصنع منها لوحة فنية، ففي تلك الحالة يكون صلاح قد استمتع بوقته.
وربما يكون السؤال المتكرر "لماذا تمارس هذا؟"، من أصعب الأسئلة التي لا يجد لها إجابة، لكنه قال إن الأمر له علاقة بالإدمان و"أجد راحتي حينما أنجز عملاً فريداً وأنشره على صفحتي بمواقع التواصل الاجتماعي".
يضيف "لكل إنسان شيء يهواه ويحب أن يفعله كل يوم وأكثر، وأضحى الأمر بالنسبة لي عادة يومية، وأمارس أكثر أعمالي ليس من أجل إبهار أكبر قدر ممكن من المتابعين، ولكن لأريح بدني وعقلي وأشعر أنني لبيت حاجة مفقودة في ذاتي".
يُصنف صلاح موهبته الغريبة بالفن وفق ما يقول فهي إنتاج وتطبيق وإبداع، والأمر – كذلك – يعتمد على صبر وتركيز وهدوء بال بالإضافة للانطباع الإنساني الذي يعيشه والمنعكس على كل لوحة، كما أنها تعكس تعبير جمالي ولها مجموعة من القواعد بالنسبة له.
قواعد الفن
يشترط صلاح لفنه قاعدة أساسية تتعلق بألا يكون هناك ردة فعل عصبية أو شعور بالغضب في تنفيذ إحدى لوحاته، بالإضافة إلى تكرار المحاولة والمجازفة أحياناً خصوصاً حينما يتم العرض أمام الجمهور.
يقول "بعض الأعمال تحتاج ساعات من التوازن والتركيز عليها وفي الأخير تسقط وأعيد المحاولة، عندها استطعت أن اتحكم بأعصابي في مواقف متباينة بالإضافة إلى فرض الإبداع في العمل". ويضيف بأنه صنع لوحة من العملات المعدنية بعد أن حاول أكثر من مائة مرة.
يلزم صلاح أفكار مختلفة في إنجاز عمل إبداعي، مثل كيفية البداية والعدد اللازم من المواد لإنجاح لوحة بالإضافة للوزن والشكل، لكنه يركز على الأحجار فهي تعطي جمال طبيعي أكثر وتشعره بمدى انسجامه مع الطبيعة، حد قوله. "أما الأشياء المختلفة فأنجزها لكي أدهش بعض الجمهور".
يُضيف "جربت أحجار الصحاري والشلالات والأنهار والبحار والبحيرات والجبال المرتفعة والوديان الخضراء، فأصبح لدي خبرة كبيرة في الأحجار وأنواعها وأشعر بأنني استطيع التعامل مع أي حجر في هذا الكون".
يستخدم صلاح في لوحاته بيض الدجاج والبلور الدائري والعملات المعدنية وكرات البلياردو والكراسي والأكواب.
جمهور قليل وفن نادر
يُعد هذا الفن نادراً وله جمهور قليل وأغلب معارضه تقام في دول أخرى، لكن صلاح قدم عروض كثيرة على المسارح وفي المعارض، وفي مؤتمري "تيديكس" في صنعاء و"بيتشا كوتشا" في عدن خلال الأعوام الماضية أدهش صلاح جمهوره بلوحات فاتنة وعجيبة.
يقول "تلقيت دعوة من الولايات المتحدة الأمريكية للمشاركة في أحد المعارض، غير إن الدعم لم يكن كافياً فأغلب عروضي لا أجني منها أموال".
لصلاح جمهور وأصدقاء من جنسيات مختلفة من اليابان وأمريكا وإيطاليا وأستراليا، بالإضافة إلى محترفين في هذا الفن وحسبما يقول فإن زملائه في هذا الفن آمنوا به "وقالوا لي بأنني وصلت لأعلى مستوى".
بالإضافة لموهبة صلاح المدهشة، فهو مصور محترف وأنتج الجزء الأول لفيلم قصير يتحدث عن "خداع الجاذبية"، ويعمل على إنجاز الجزء الثاني من الفيلم في ماليزيا.