كيف تبدأ حوار الثقافات بصورة؟!.. تجربة Humans of New York

بقصص ناس عاديين، تمكنت صفحة على فيس بوك أن تصبح مشروعاً عالميا هدفه أن يحول هؤلاء الذين نقابلهم في الشوارع إلى أبطال يملكون قصة جديرة بالسماع حتى من قادة عالميين بوزن باراك أوباما، بدأت من نيويورك ثم انتشرت إلى أمريكا، ثم ألهمت أناسا حول العالم وفي العالم العربي لاكتشاف ما لا نراه فيمن نراهم كل يوم.

عربي بوست
تم النشر: 2015/12/03 الساعة 08:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/12/03 الساعة 08:11 بتوقيت غرينتش

بقصص ناس عاديين، تمكنت صفحة على فيس بوك أن تصبح مشروعاً عالميا هدفه أن يحول هؤلاء الذين نقابلهم في الشوارع إلى أبطال يملكون قصة جديرة بالسماع حتى من قادة عالميين بوزن باراك أوباما، بدأت من نيويورك ثم انتشرت إلى أمريكا، ثم ألهمت أناسا حول العالم وفي العالم العربي لاكتشاف ما لا نراه فيمن نراهم كل يوم.

الصفحة اسمها "Humans of New York" يتابعها حاليا أكثر من 16 مليون مستخدم على موقع فيسبوك. أما سبب نجاحها فهو تلك القصص البطولية التي ترويها لأناس عاديين يلتقي بهم مؤسس الصفحة فيستأذن بالتقاط صورة لهم والحصول على قصة تلهم الملايين وتعيدهم إلى أرض الواقع في عدة سطور.

متسلحا بكاميرته طوال الوقت، استطاع المصور الأميركي "براندن ستانتون" بمهارة أن يسخر عدسته للوصول إلى الناس من خلال "صورة بألف كلمة" .

من هو بطل الصورة؟

الصورة ليست أهم ما في الصفحة، وإن كانت اختيارات "ستانتون" المميزة لشكل اللقطة لها أهمية كبرى بالطبع، لكن التعليق المصاحب للصورة، والذي يحمل مشاعر إنسانية، هو البطل الثالث لحالة النجاح غير العادية.

الجمهور لعب دورا أيضا في نجاح الصفحة، فالزائر لا يمر بها لمشاهدة صورة وقراءة قصة صاحبها بل ليقرأ المئات من تعليقات ذلك الجمهور الذي لفتته الصورة وقصتها فأضاف قصصه المماثلة أو أبدى رأيه أو تعاطفه مع صاحب الصورة.

بدأ ستانتون فكرة صفحته/ مدونته، والتي أصبح لها فيما بعد صفحات على الشبكات الاجتماعية، بعد أن فقد عمله، فنزل إلى الشارع وبدأ يلتقط صورا للمارة، ثم ينشرها مع تعليق يخص صاحبها، ويجيب به عن سؤال في غاية البساطة والعمق، مثل أسعد لحظة من حياته، أو أصعب موقف مر به، أو مثله الأعلى.

حوار الثقافات والأديان

الأسئلة البسيطة والإجابات الأبسط لاقت تجاوبا فائقا من متابعي الصفحة/ المدونة، وزاد التفاعل عندما بدأ ستانتون يسافر إلى خارج الولايات المتحدة الأميركية لينشر صورا لأناس من ثقافات مختلفة كالعراق وباكستان وإيران، حتى يشرح أكثر لمتابعيه أن تلك البلاد يسكنها بشر مثلهم، لديهم هموم وأحلام وحتى عادات متشابهة.

خلقت صفحة "هيومانز أوف نيويورك"، حالة من حوار الثقافات والأديان في أبسط صورها، إذ تدعو كل فرد على ظهر الكوكب للمشاركة والتعليق والإدلاء برأيه، خصوصا وأنه مرشح أيضا ليكون بطلا على صفحتها يوما من الأيام.

شخصيات عامة تتابع المدونة

تتواصل مع الصفحة/ المدونة شخصيات عامة، لا تندهش أن ترى مارك زكربيرج مؤسس فيسبوك يضغط على زر الإعجاب بإحدى الصور، أو تشارك هيلاري كلينتون المرشحة الرئاسية الأميركية بتعليق تطمئن به أحد الأطفال المنشورة صورته على مستقبله في الولايات المتحدة الأميركية.

بل إن إحدى الصور حظيت باهتمام وتعليق الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسه، في تلك الصورة كان البطل طفلا أمريكيا إيرانيا، حكى عنه والده قائلا: "اليوم يبلغ ابني عامه العاشر، إنه رجل صغير وعاطفي جدا، يحب أن يحل مشاكل الآخرين. في إحدى المرات، وعندما كان في الخامسة من عمره، أخذته معي لشراء أشياء من السوق، اشتريت رطلين من الجزر الطازج (حوالي كيلوجرام)، تركته يحمل الحقيبة إلى البيت".

ويضيف الوالد أن ابنه كان "طوال الطريق يسير خلفي قليلا، بعد فترة طلبت منه أن يعطيني جزرة، فكان رده "لا استطيع، لقد منحت الجزر كله للآخرين" عرفت عندها أني ربيت إنساناً".

وبعد نشر الصورة بدقائق قليلة، نشر تعليق يحمل اسم الصفحة الرسمية للبيت الأبيض الأمريكي على فيسبوك مختوما بحرفي (B.O) – وهو التوقيع الذي يستخدمه باراك أوباما عندما يقوم بالتعليق بنفسه قائلا: "يا لها من قصة ملهمة، إنها أحد أكثر الأمور التي ترضيك كأب أن ترى القيم التي زرعتها في أطفالك تتجلى في أفعالهم، وقد لاقت هذه القصة صدى لدي".

وزاد أوباما قائلا: "أتمنى ألا يفقد هذا الرجل الصغير رغبته في مساعدة الآخرين، وسأستمر في تحقيق كل ما أستطيعه لجعل العالم مكانا أفضل له ولكل الأشخاص الصغار مثله، ليعيشوا فيه ويحققوا أقصى إمكانياتهم". وختم أوباما متمنيا لقاء الطفل في يوم ما: "أتمنى أن أجده قد احتفظ لي بجزرة".

أوباما والطفل فيدال

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتفاعل فيها أوباما مع الصفحة، بل إنه حل ضيفا على المدونة في مارس الماضي، ليكون طرفا في قصة من أجمل القصص التي عايشها جمهور المتابعين، وهي قصة الفتى فيدال تشاستانت (13 سنة)، الذي التقط ستناتون له صورة سأله فيها عن أكثر شخص أثر في حياته؟

إجابة فيدال كانت "السيدة لوبيز، مديرة مدرستي"، وبعد أن سأله ستناتون عن السبب، قال "عندما نقع في ورطة، لا تعاقبنا، بل تستدعينا إلى مكتبها وتشرح لنا كيف يمكن أن ينهار المجتمع حولنا، ثم توضح لنا أنه في كل مرة يفشل شخص في المدرسة، فإن زنزانة جديدة تُبنى، وفي أحد المرات، جعلتنا نقف طالبا بعد الآخر، لتخبر كل منا .. لماذا هو مهم".

لم يكتف ستناتون بنشر ما قاله الفتى فيدال، ولكنه نشر سيرة ذاتية مختصرة للمديرة ناديا لوبيز، وتواصل معها في مدرستها المتواجدة في حي من أفقر أحياء بروكلين في نيويورك. ثم زار ستناتون المدرسة بنفسه وهو يحمل معه مفاجأة للمديرة، وهي حملة تبرعات لصالح المدرسة عبر مدونته، ودعوة رسمية لزيارة الرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض.

حملة التبرعات بدأت بهدف جمع 100 ألف دولار ليتمكن كل طالب يصل إلى الصف السادس من أن يزور جامعة هارفارد، وهو الرقم الذي تحقق خلال 45 دقيقة من الإعلان عن الحملة، وبنهاية مدة الحملة تمكن من جمع مليون و400 ألف دولار. خُصص الفائض لبرنامج صيفي في المدرسة، ومنحة دراسية إضافية تحمل اسم الطالب فيدال.

جوائز وانجازات

فازت المدونة بجائزة Webby عام 2013، كما حصلت على جائزة أفضل مدونة ثقافية، ودخل ستانتون عبر مدونته قائمة مجلة تايمز، "الـ30 تحت الـ30 الذين يغيرون العالم" في نفس العام، وحقق الكتاب المنشور عن المدونة عام 2013 أفضل المبيعات وفقا لقائمة النيويورك تايمز ثلاث مرات.

ساهمت المدونة في عدد من الأعمال الخيرية وحملات جمع التبرعات لصالح ضحايا الكوارث والأعاصير، كما حدث مع ضحايا إعصار "ساندي"، إذ جمعت أكثر من 300 ألف دولار.

ألهمت المدونة آخرين في الوطن العربي لإنشاء صفحات مماثلة، فظهرت صفحة "ناس المغرب" بما يقارب 60 ألف متابع، و"ناس القاهرة" بما يزيد عن 72 ألف متابع، و"ناس مصر" التي يتابعها 30 ألف شخص، و "ناس عمَان" بما يقارب 83 ألف متابع.

تحميل المزيد