أثارت دائرة الإدارة الحضرية في سوتشو، المدينة التي يسكنها ستة ملايين نسمة في مقاطعة آنهوي، موجة من الغضب على الإنترنت حين نشرت صوراً التقطتها كاميرات الشوارع لسبعة من السكان يرتدون بيجامات في الأماكن العامة، مع أجزاء من أسمائهم وأرقام تعريفهم الحكومية والمواقع التي حدث فيها "سلوكهم غير المتحضر".
تقرير صحيفة The New York Times الأمريكية، والذي نُشر الأربعاء 22 يناير/كانون الثاني 2020، يوضح أنه عندما طُلب من المسؤولين في إحدى المدن بشرقي الصين القضاء على "السلوك غير المتحضر"، مُنحوا أداة قوية لتنفيذ مهمتهم: برنامج التعرف على الوجوه. ومن كان ضمن أهم أهدافهم؟ من يرتدون البيجامات في الأماكن العامة.
السلطات سارعت إلى الاعتذار بعد أن أحرجت السكان
سارع مسؤولو المدينة بتقديم الاعتذارات، ولكن ليس قبل إثارة موجة من الغضب على مستوى البلاد من استخدام أداة رقمية حديثة للتخلص من ممارسة غير ضارة وشائعة نسبياً، وهي إشارة غير اعتيادية إلى المقاومة في بلد انتشرت فيه أدوات الشمولية الرقمية إلى حد كبير دون رادع.
إذ نشرت دائرة سوتشو علناً، على مواقع التواصل الاجتماعي، اسم سيدة شابة ترتدي ثوباً وردياً مخملياً وسروالاً باللون نفسه وتنتعل حذاء برتقالياً مدبباً دون كعب عالٍ، كانت تمشي في الشارع، وخصت بالذكر رجلاً؛ لارتدائه بيجامة كاروهات باللونين الأسود والأبيض في مركز تجاري وآخرين.
جاء في منشور حُذف لاحقاً على WeChat، وهو تطبيق مراسلة شائع: "يشير مصطلح السلوك غير المتحضر إلى تصرف الأشخاص بطرق تنتهك النظام العام، لأنهم يفتقرون إلى الآداب العامة".
قال المنشور: "يعتقد كثير من الناس أن هذه مشكلة صغيرة وليست أمراً جللاً. ويعتقد البعض الآخر أن الأماكن العامة هي بالفعل (عامة)، حيث لا يوجد أي توبيخ، أو رقابة أو ضغوط عامة". وانتهى بالإشارة إلى أن "هذا أدى إلى عقليات تتسم باللامبالاة وعدم الانضباط".
بسبب تقنية تواجه انتقادات حادة
ما يزال استخدام سلطات إنفاذ القانون برامج التعرف على الوجه مثار جدل حاد في جميع أنحاء العالم، وحظرت بعض المدن الأمريكية الكبرى استخدامها،
إلا أن ذلك لم يحدث في الصين. ففي بضع سنوات فقط، أصبح استخدام هذه البرامج واسع الانتشار، وقد استخدمتها الشرطة لإنشاء شبكة مراقبة قوية ولمراقبة الأقليات العرقية، وهو ما أثار مخاوف من أن الصين تمثل مستقبلاً تحكم فيه الحكومات عن طريق الاستبداد الرقمي.
تستخدم هذه التقنية أيضاً لحل المشكلات اليومية الأخرى. إذ تستخدمها السلطات المحلية للقبض على سارقي المناديل الورقية في المراحيض العامة. ويستخدمها الناس لركوب الطائرات وطلب الدجاج المقلي؛ بل تُستخدم حتى على الخنازير والباندا.
كما لا يزال حجم استخدام تقنية التعرف على الوجه في الصين، حيث تفوق الحماسة للأدوات الرقمية الجديدة قدراتها في كثير من الأحيان، غير واضح. إلا أن عديداً من الصينيين يستخدمون هذه التكنولوجيا.
خرق للخصوصية
قد يكون تحديد أسماء من يرتدون البيجاما وإحراجهم في سوتشو خطوة مبالَغ فيها. ورغم أن الصين تفتقر إلى نظام قضائي مستقل أو وسائل أخرى للطعن في القوى الناشئة لمراقبة الأشخاص، ثمة عدد متزايد من المواطنين يعربون عن مخاوف تتعلق بالخصوصية، إلا أنها غالباً ما تتركز على شركات الإنترنت أكثر منها على الحكومة.
إذ كتب مستخدم يدعى شيوى لي دي شياو على تطبيق Sina Weibo، وهي منصة شهيرة للتدوين المصغر: "يجب استخدام تقنية التعرف على الوجه بحذر، ينبغي لهم حقيقة تقييد الحصول عليها".
بينما قال بعض المستخدمين على المنصة إنهم لا يوافقون على قرار الحكومة نشر معلومات خاصة على الإنترنت. وأراد آخرون ببساطةٍ معرفة ما هو الخطأ في ارتداء البيجامات بالأماكن العامة.
في حين كتب مستخدم يدعى تساي شين جي: "عندما يرتدي المشاهير البيجامات في إحدى الفعاليات، يوصفون بأنهم على الموضة. ولكن عندما يرتدي الأشخاص العاديون البيجامات للتجول في الشوارع، يوصفون بأنهم غير متحضرين!".
ارتداء البيجاما في الأماكن العامة أمر شائع بالصين، خاصة بين النساء المتقدمات في السن، واللاتي يملْنَ إلى الألوان الجريئة ونقشات الأزهار أو الرسوم المتحركة. كما أنها عادة شهيرة في فصل الشتاء بجنوبي الصين، حيث، عكس المنازل في الشمال، لا تضم معظم المنازل أنظمة تدفئة مركزية.
رغم ذلك فعادة الخروج بالبيجاما غير محببة
غير أن هناك اختلافاً كبيراً حول منشأ هذه العادة، رغم أن الجميع تقريباً يتفقون على نقطة واحدة: البيجاما مريحة للغاية.
كانت شانغهاي على وجه الخصوص مركزاً لتصميم البيجامات. وعام 2009، حاولت السلطات المحلية حظر هذه الممارسة قبل معرض Expo العالمي عام 2010. وعُلقت لافتات كُتب عليها: "لا ترتدوا البيجامات خارج المنزل؛ كونوا متحضرين أمام معرض Expo" بجميع أنحاء المدينة، في حين انتشر رجال "شرطة البيجامات"، ليتفقدوا أحياء المدينة.
إلا أن عادة ارتداء البيجاما في الأماكن العامة استمرت. وقالت هونغ هوانغ، وهي كاتبة في بكين وإحدى مدوِّنات الأزياء اللائي يفتخرن بارتداء البيجاما، إن الحكومة ليس من شأنها التدخل في اختيارات الجمهور الصيني لما يرتديه.
أضافت هونغ: "في الصين، تحدث هذه الأمور عندما تصبح التكنولوجيا فائقة المستوى في أيدي بيروقراطيين منخفضي المستوى، وأعني بالمستوى المنخفض انخفاض مستوى الذكاء".
حظر مدينة سوتشو ارتداء البيجامات في الأماكن العامة ليس المرة الأولى التي تسعى فيها الصين إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد ما تعتبره سلوكاً غير حضاري. إذ فرضت السلطات الصينية غرامات على البصق في الشوارع، وفي الآونة الأخيرة، حظرت ممارسة "بكيني بكين"، أو رفع الرجال قمصانهم وإظهار بطونهم في فصل الصيف.
الإحراج العلني تكتيك شائع
ففي المسارح، تُستخدم أقلام الليزر لإحراج أفراد الجمهور الذين يلعبون على هواتفهم في أثناء العروض. وثبتت شنغهاي أجهزة التعرف على الوجه في بعض ممرات عبور المشاة؛ لضبط المشاة الذين يعبرون الشوارع عشوائياً.
بعد الضجة التي أُثيرت على مواقع التواصل الاجتماعي يوم الإثنين، سارع مسؤولو الدائرة الحضرية في سوتشو بحذف المنشور الأصلي وأصدروا اعتذاراً. ووفقاً لصحيفة Global Time، الصحيفة الحكومية المملوكة للحزب الشيوعي، كانت المدينة تتنافس على لقب "المدينة الوطنية المتحضرة"، وهو تصنيف تمنحه الحكومة، ولهذا السبب حظرت على السكان ارتداء البيجامات في الأماكن العامة.
قال العاملون بدائرة سوتشو في بيان نُشر على WeChat: "نتقدم بخالص الاعتذار عن الطريقة التي نشرنا بها المعلومات، ولم يجرِ التعامل مع محتوى الأداة بشكل صحيح".