تمتلئ كتب التاريخ بقصص المحاربين الذكور وروايات عن مآثرهم ومواقفهم الشجاعة والباسلة في المعارك والحروب. بينما قد تغفل الكثير من تلك الكتب عن تضمين أقل إشارة إلى النساء اللائي حملن الرماح والأقواس والسيوف والعصي للقتال مثلهن مثل الرجال، وتحدين الأعراف السائدة فأصبحن من أعتى المقاتلات في التاريخ.
1- خولة بنت الأزور: المحاربة المسلمة الباسلة
كانت خولة بنت الأزور شاعرة ومحاربة عربية مسلمة، رافقت شقيقها الأكبر خلال الفتوحات الإسلامية في سوريا وفلسطين والأردن.
حيث قاتلت إلى جانب أخيها وعلى رأس قواتها في قيادة مستقلة بعدد من المعارك، واشتهرت بمهاراتها القتالية وشجاعتها وصلابتها.
وعلى الرغم من عدم تداول الكثير حول سيرتها، وحتى ميل بعض الكتابات التاريخية إلى اعتبارها شخصية خيالية أو أن مآثرها هي محض روايات قصصية عن المقاتلات النساء، لكن يُعتقد أن خولة كانت ابنة زعيم قبيلة عربية مرموقة، وخلال شبابها تعلمت مهارات القتال مثل المبارزة وركوب الخيل مع شقيقها. كما تعلمت الشعر إلى جانب أخيها الذي أصبح أحد أشهر الشعراء والمحاربين في عهد النبوة، وهو ضرار بن الأزور.
اكتسبت شهرة باعتبارها واحدة من أولى النساء المحاربات في عام 634م، وذلك أثناء الفتوحات الإسلامية بقيادة خالد بن الوليد لدمشق، عندما أصيب شقيقها وأسره البيزنطيون.
ويُقال إنها ارتدت الدروع والذراعين، وغطت وجهها بشال لإخفاء جنسها لتدعي أنها رجل وسط صفوف المقاتلين، وقاتلت الحرس الخلفي البيزنطي بمفردها.
وقد قاتلت حتى وصلت تعزيزات لإنقاذ شقيقها من الأسر. وفي معركة أجنادين في وقت لاحق من ذلك العام، تم أسر شقيقها مرة أخرى، وهرعت خولة مرة أخرى لإنقاذه حتى وصول التعزيزات.
2- توموي جوزين: قائدة مقاتلات الساموراي اليابانية
كان معظم محاربي الساموراي اليابانيين المنضبطين للغاية من الرجال، ومع ذلك كانت هذه المرأة من أشهر محاربي الساموراي الذين عرفتهم اليابان، وواحدة من أندر مقاتلات الساموراي الإناث ممن تمكن من تحقيق البطولات.
وتُعرف قصة الليدي (السيدة) توموي، أو توموي جوزين، في المقام الأول من روايات هايكي، أو (The Tale of the Heike)، وهو كتاب تاريخ خيالي لحروب وقعت في القرن الثاني عشر بين عائلتي تايرا وميناموتو.
كانت تومو تعمل كساموراي لزوجها (أو عشيقها) كيسو نو يوشيناكا (المعروف أيضاً باسم مينوموتو نو يوشيناكا). وُصِفت توموي بأنها كانت "متسابقة شجاعة لا يتغلب عليها أعتى حصان، ويمكنها التعامل بمهارة مع السيف لدرجة أنها كانت تضاهي ألف محارب".
وبمساعدتها، انتصر حبيبها يوشيناكا على عائلة تايرا، لكن عائلته انقلبت عليه، فوجد نفسه يقاتل ابن عمه في معركة أوازو عام 1184.
في تلك الأثناء، وقفت توموي معه في ساحة المعركة إلى أن تبقى 5 محاربين فقط وقُتل البقية من أتباعهم. فأمرها يوشيناكا بتركه بينما كان يحتضر، لكنها قبضت على جندي من الأعداء "في قبضة قوية، وسحبته أسفل سرجها، ثم خلعت رأسه وألقتها بعيداً"، وكان هذا المشهد هو آخر ما تم توثيقه عن مقاتلة الساموراي الشجاعة.
3- جان دارك: القديسة الفرنسية التي قادت الثورة
في أوائل القرن الخامس عشر، بفرنسا، شعرت جان دارك، الفتاة المُزارعة الفقيرة، بأنها مضطرة للتصرف في خضم المناوشات الفرنسية والإنجليزية التي لم يكن هناك نهاية لها حول الأراضي وخلافة التاج الفرنسي.
وبالاعتماد على "رؤية" مقدسة رأت فيها أن الرهبان والقديسين يقودونها فيها إلى قيادة الناس، قادت جان بالفعل القوات الفرنسية في العديد من المعارك.
كانت جان دارك مجرد مراهقة عندما اقتربت عام 1429 من دوفين تشارلز، وريث العرش الفرنسي الذي لم يتوّج بعد وقالت له: "لقد أتيت وأرسلت باسم الله لمساعدتك ومملكتك".
وبعد استجوابها من قبل سلطات الكنيسة، تم منحها الإذن بجمع القوات والركوب لقيادة المجموعات في الحرب ضد الغزو الإنجليزي. حتى تمكنت جان وقواتها من تحرير مدينة أورليان المحاصرة، ما مهد الطريق لتتويج تشارلز الثاني أخيراً، ما أعطى فرنسا ملكاً شرعياً.
لكن بحلول عام 1430، ألقى الإنجليز القبض على جان دارك وأدانوها بتهم ممارسة البدعة والهرطقة، وأحرقوها حية في إعدام علني في 30 مايو/أيار عام 1431.
وقد اشتهرت الفتاة منذ تلك اللحظة بشكل واسع بكونها مرسلة من السماء لنجدة الفرنسيين في أحلك فترات التاريخ، وقد استمر تقديسها وتداول روايتها، حتى إنه بحلول عام 1920، كرستها الكنيسة الكاثوليكية واحتفل بها الفرنسيون كقديسة لهم.
4- بوديكا: الانتقام من روما
لم تكن بوديكا، ملكة قبيلة إيسيني التي سكن شعبها فيما يُعرف الآن بمقاطعة نورفولك ببريطانيا، ترغب أو تنتوي أن تكون محاربة أو قائدة لشعبها.
ولكن بعد وفاة زوجها، حاكم إيسيني، في عام 60 قبل الميلاد، جلدها الرومان واغتصبوا بناتها، ولم يكن أمامها خيار سوى الوقوف والتصدي للغزاة.
فأقامت بوديكا جيشاً وأعدته بكافة الوسائل القتالية في ذلك الوقت. ويصفها المؤرخ الروماني كاسيوس ديو قائلاً: "كانت بوديكا في مكانتها طويلة جداً وذات هيبة، وكان مظهرها الأكثر رعباً لأعدائها، حتى نظرة عينيها كانت الأشد قسوة، وكان صوتها قاسياً".
وعلى الرغم من أن البريطانيين تقهقروا بموت قائدهم في عامي 60 أو 61 قبل الميلاد، لكن عندما التقى بهم الجنرال الروماني سوتونيوس في المعركة، قادت بوديكا الجيش من عربتها، وحثت جنودها على القتال أو الاستعباد، وأبدت بسالة كبيرة، لكنها هُزمت في نهاية المطاف هي وجيشها.
يكتب تاسيتوس أن القائدة الشرسة لم تقبل الهزيمة والخنوع لأعدائها بعد الانهزام، فتناولت السم لكيلا تقع في الأسر. ومع ذلك، لم يتم إثبات هذه الرواية مطلقاً.
5- لاكشميباي التي قادت تمرداً ضد الاحتلال البريطاني للهند
لاكشميباي، المعروفة أيضاً باسم راني من جانسي (عاشت من حوالي 1830 – 1858)، كانت ملكة ولاية جانسي الهندية في شمال الهند وإحدى أشهر مقاتلات الهند طلباً للاستقلال.
اشتهرت بكونها زعيمة التمرد الهندي ضد الحكم البريطاني في عام 1857-1858، حيث قادت بنفسها القوات وقاتلت في خط المعركة إلى أن جعلتها مآثرها بطلة وطنية هندية، ورمزاً لمقاومة الحكم البريطاني، وشهيدة من أجل الاستقلال.
وُلدت لاكشميباي وترعرعت في أسرة من الطبقة العليا من براهمان، ونشأت بين الأولاد في منزل الأمير، وعند بلوغها سن الرشد، تزوجت من المهراجا، أو الحاكم الأميري لجانسي.
لم يكن للزوجين أطفال، لكنهما تبنيا طفلاً وجعلاه وريثاً للعرش، إلا أنه بعد وفاة زوجها، استخدم البريطانيون حيلاً قانونية ورفضوا الاعتراف بالطفل المتبنى وريثاً لولاية جانسي، وضموها لأراضي شركة الهند الشرقية.
وفي عام 1857، تمردت القوات الهندية في الخدمة البريطانية، وسرعان ما انتشر تمردهم في جميع أنحاء شمال الهند، حينها تم إعلان لاكشميباي وصية على جانسي، وحكمت شعبها نيابة عن الوريث القاصر. فرفعت القوات وانضمت إلى المتمردين، وتوافد السكان الأصليون الساخطون من أنحاء الهند لتقديم دعمهم والقتال تحت قيادتها.
قادت قواتها في سلسلة من الاشتباكات الناجحة التي أكدت سيطرتها وعززت حكمها.
في النهاية، أرسل البريطانيون جيشاً لاستعادة جانسي من الملكة الجريئة، وعندما طالبوها بالاستسلام، ردت بإعلان جاء فيه: "نحن نقاتل من أجل الاستقلال، إذا انتصرنا، سنستمتع بثمار الانتصار، وإذا هُزِمنا وقتلنا في ميدان المعركة، فسنحصل بالتأكيد على المجد الأبدي والخلاص".
حاصر البريطانيون جانسي، واندلعت معركة شرسة، قادت خلالها لاكشميباي قواتها في مقاومة شديدة. لكن أدت المدفعية البريطانية الثقيلة في النهاية إلى تقليص تحصيناتها وخرقت أسوار المدينة.
عندما كانت جانسي على وشك الانهزام، قادت الملكة الهندية وإحدى أشجع مقاتلات الهند، هجوماً شرساً، وقاتلت عبر خطوط الحصار البريطانية وطفلها مربوط على ظهرها، إلى أن قُتلت في معركة يوم 17 يونيو/حزيران عام 1858، في اشتباك ضد سلاح الفرسان البريطاني.