يشعر بعض الآباء بأنهم فشلوا في تربية أبنائهم حين يرون تصرفاتهم المشاغبة أو المتمردة أحياناً، رغم حرصهم أشد الحرص على تعليمهم الآداب العامة وكلمات مثل "من فضلك" و"شكراً" إلى جانب التعاطف مع الآخرين واحترامهم ومساعدتهم عند الحاجة.
ورغم أن هذه التصرفات المتمردة تبدو بغيضة في بعض الأحيان، يقول علماء نفس الأطفال إن هذا التحول أمر إيجابي، لأنه يعكس مدى شعور الطفل بالأمان والحب ومدى ثقته بوالديهم.
تقول عالمة النفس في جامعة فيرجينيا، التي تدرس كيفية تأثير تربية الآباء على نمو الطفل إميلي لوب: "يتجلى هذا بوضوح حين يكون الطفل أشد عناداً وتشبثاً برأيه، وأعتقد أن الصعوبة لا تكمن في تفسير هذه التصرفات بأنها سلبية، وإنما بأنها مهمة وضرورية"، وأضافت أنه حين يشعر الطفل بالأمان والحب، يصبح أكثر قدرة على "اكتشاف العالم بنفسه والتعبير عن رأيه".
ولكن حين يكون الأطفال مهذبين وخانعين في حضور الراشدين على الدوام، فهذا على الأغلب يعود لخوفهم من هؤلاء الراشدين.
لكن الأطفال لا يتطورون حين يخافون من القائمين على رعايتهم. فالتربية الاستبدادية القائمة على الخوف- حين يتعامل الوالدان بصرامة شديدة، ويعاقبان أبناءهما بقسوة- مرتبطة بنتائج سلبية لا تعد ولا تحصى عند الأطفال.
ووجدت بعض الدراسات أن أبناء الآباء المستبدين عرضة للإصابة بالقلق والاكتئاب، وسلوكهم يكون أكثر اضطراباً ويصبحون أكثر عرضة من الأطفال الآخرين للشعور بنقص تقدير الذات.
بدورها تقول ريبيكا شراغ هيرشبرغ، خبيرة علم النفس الإكلينيكي المقيمة في نيويورك والمتخصصة بالتنمية الاجتماعية والعاطفية في مرحلة الطفولة المبكرة والصحة النفسية: "العلم يقول إن خوفك من أبويك يقلل من ثقتك بنفسك بمرور الوقت ويجعلك أكثر احتياجاً للتقدير الخارجي".
والآباء المتشددون يلجأون في بعض الأحيان إلى أساليب مُؤذية. وأحد هذه الأساليب هو الاهتمام المشروط: أي يتعاملون مع أبنائهم بحب ومودة حين يتصرفون بتهذيب، ويقللون من هذه المشاعر حين يشاغبون.
ووجدت إحدى الدراسات أن المراهقين الذين استخدم آباؤهم الاهتمام المشروط أبدوا شعورهم بالاستياء من آبائهم وكانوا أضعف أداءً في حياتهم الأكاديمية وأقل تحكماً في عواطفهم من المراهقين الذين دعمهم آباؤهم دون شروط.
ومن الأساليب الأخرى التي يستخدمها الآباء المستبدون أحياناً السيطرة النفسية. وهي تحدث حين يتلاعب الآباء بإحساس الأطفال بالذات وقيمتهم الجوهرية؛ لحملهم على التصرف بالطريقة التي يريدونها.
وأوضحت الدكتورة إميلي لصحيفة The New York Times، أنه "نوع من السيطرة يُلزم فيه الآباء أطفالهم بالتفكير بالطريقة نفسها التي يفكرون أو يشعرون بها".
ووجدت إحدى الدراسات الحديثة التي أجرتها الدكتور إميلي، والتي تابعت أطفالاً من سن 13 حتى 32 عاماً، أن الأطفال الذين كان آباؤهم يعاملونهم بأسلوب السيطرة النفسية كانوا أقل نجاحاً أكاديمياً وأقل قبولاً بين أقرانهم في مرحلة المراهقة مقارنة بالأطفال الذين لم يتعرضوا لهذا النوع من المعاملة، وكانوا أقل نجاحاً في علاقاتهم الرومانسية بعد بلوغهم سن الرشد.
وربطت أبحاث أخرى السيطرة النفسية الأبوية بالسلوكيات المضطربة والمعادية للمجتمع عند الأطفال.
وقالت الدكتورة إميلي إن الآباء الذين يستخدمون أسلوب السيطرة النفسية عادةً ما تكون نواياهم حسنة- فهم يعتقدون أن السيطرة على أطفالهم ستجعلهم أكثر نجاحاً- ولكنه "يأتي بنتائج عكسية نوعاً ما. وفي النهاية يجدون صعوبة شديدة في التفكير لأنفسهم بعد خروجهم من سيطرة المنزل".
وهذا ما يريده كثير من الآباء، أن ينمو الأطفال وهم يفكرون باستقلالية ويناقشون السُّلطة ويفكرون بطريقة إبداعية. وتخلص الدراسة في النهاية إلى أن التربية القاسية الصارمة لا تزرع بذور النمو السليم؛ بل تفعل العكس. وصحيحٌ أنَّ تصرف الأطفال سيتحسن في المدى القصير، لكنهم سيعانون على المدى الطويل.
أسباب سلوك الطفل السيء
دائماً ما يأتي السلوك السيئ عند الأطفال مصحوباً بتفسير؛ ونوبات الغضب والضرب والرد (أو قول لا)، وكسر القواعد أمر طبيعي تماماً ومناسب للعمر، حسب ما نشره موقع What to Expect.
يحث خبراء التربية على عدم اعتبار هذه السلوكيات على أنها أعمال تمرد (على الرغم من أنها قد تبدو متمردة)، ولكن بدلاً من ذلك اعتبارها سلوكيات مناسبة من الناحية التنموية ناتجة عن:
الفضول: الأطفال الصغار فضوليون بشكل طبيعي، والذي قد تتم ترجمته إلى سلوك سيئ (ماذا سيحدث إذا ألقيت جميع الكتب على الرف؟). قد يفسر شخص بالغٌ هذه الأفعال على أنها شقية، لكن بالنسبة لطفل صغير فهو يجري تجربة علمية ولا يقصد إزعاج أحد.
سوء الفهم: يحدث سوء التصرف غالباً، لأن التواصل صعب جداً بالنسبة للأطفال الصغار. من السهل على الطفل الصغير أن يركل شقيقه بدلاً من أن يقول له إنه متعب، لأن قيلولته لم تكن كافية.
عدم النضج: إلى أن يٕصلوا لروضة الأطفال، فإن الأطفال فاشلون في التحكم في دوافعهم واستيعاب مفاهيم الصواب والخطأ. نظراً إلى أنهم يواجهون باستمرار جداراً من القيود (سواء كان عدم القدرة على زر قميص أو قول ما يقصدون)، غالباً ما يبرز الإحباط في نوبة غضب.
الرغبة في الاستقلال: في سنواته الأولى يصر الطفل الصغير على اختبار جناحيه وتجربة الأشياء بمفرده (تقطيع طعامه وربط حذائه وغسل يديه)، ما قد يؤدي إلى المقاومة والسلوك العدواني عند مساعدته، والإحباط في النهاية. غالباً ما تكون نوبة الغضب هي طريقته في قول: "أريد أن أفعل هذا بنفسي!" أو "أنا غاضب!".
تربية حازمة لا استبدادية
تقول الدكتورة ريبيكا: "ما نريده حقاً لأطفالنا أن يعرفوا أنفسهم ويثقوا بأنفسهم ويؤمنوا بأنفسهم، وكل هذا يضيع إذا كان الآباء متسلطين ويتحكمون في كل شيء". فلا بد من معاملة الأطفال باحترام وإشعارهم بقيمة آرائهم وأفكارهم.
وهذا لا يعني أن الأطفال لا يحتاجون إلى قواعد أو حدود أو عقاب، بل هذا ضروري بالتأكيد. فالتربية "المتساهلة" قد تسبب مشكلات أيضاً، وربطتها الدراسات بالأنانية وضعف التحكم في الانفعالات لدى الأطفال.
وتشير معظم الأبحاث إلى أن ما يجب أن يسعى إليه الآباء هو أرضية وسط، أو نهج "معتدل" يعرف باسم التربية الحازمة (عكس التربية "الاستبدادية"). فهؤلاء الآباء يضعون حدوداً صارمة مع أبنائهم، لكنهم أيضاً يعاملونهم بود واحترام ومستعدون أحياناً لمناقشتهم.
وتُظهر الأبحاث أن أبناء الآباء الحازمين أداؤهم أفضل في المدرسة من أقرانهم، وأكثر صدقاً مع آبائهم، وهم يتسمون أيضاً باللين ورقّة القلب.