رغم أننا كبالغين قد تكون لدينا القدرة على التحكم في مشاعرنا وضبط أنفسنا بسبب التجارب الكثيرة التي مررنا بها وقدرتنا على تطوير وسائل لتحسينها. لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للأطفال الذين لا يستطيعون التعبير عن مشاعرهم أحياناً بالكلمات أو لا يستطيعون حتى فهم مشاعرهم حتى يتحكموا بها. وهنا يأتي دور المربين في مساعدتهم على فهم ما يشعرون به وتعليمهم تقنيات التعامل مع المشاعر وكيفية ضبط النفس.
يتم الإشارة إلى مهارة ضبط النفس بعدة طرق، مثل قوة الإرادة والانضباط الذاتي أو الوعي والقدرة على تنظيم نفسك. وتتطور هذه المهارات عند الأطفال على مر السنين، وخاصة بين سن 3 و7 سنوات.
تعرف معنا في هذا التقرير على أهمية تعلم الطفل مهارات ضبط النفس واستراتيجيات وطرق عملية لمساعدة الأهل على تعليمها لأطفالهم.
أولاً، ما هي أهمية تعليم الطفل مهارات ضبط النفس؟
تشير دراسة قامت بها جامعة ولاية أوريغون بالتعاون مع جامعة بطرسبرغ عام 2012، أن الأطفال الصغار الذين يعانون من ضعف مهارات التنظيم الذاتي يميلون إلى إحراز تقدم أكاديمي أقل. ومن المرجح أن يتعرضوا للقلق والاكتئاب ومشاكل السلوك العدواني.
أما على المدى الطويل فيكون الأطفال الذين يعانون من ضعف ضبط النفس أكثر عرضة لخطر النتائج الصحية السيئة، مثل السمنة وتعاطي المخدرات وارتكاب الجرائم ويقل احتمال أن يصبحوا أثرياء، كما تشير دراسة قام بها قسم علم النفس في جامعة دوك الأمريكية عام 2011.
إذاً، كيف نعزز مهارات ضبط النفس عند الأطفال؟
في الواقع يمكن أن يكون لنا تأثير كبير على الطريقة التي يتصرف بها أطفالنا. إليك بعض الطرق التي تساعدك على تقوية مهارات ضبط النفس عند طفلك:
1. ساعد الأطفال على تجنب الإغراء
من المعروف أننا حتى كبالغين نفقد السيطرة عند رؤية الكعك اللذيذ على سبيل المثال أو أمام أي شيء مغر نحبه، لذا فإن إحدى أهم الأدوات للحفاظ على ضبط النفس هي تغيير البيئة وإبقاء الإغراءات غير المرغوبة مخفية!
بالنسبة للأطفال الصغار قد يعني ذلك وضع لعبة من المحتمل أن تسبب صراعاً بين الأشقاء أثناء اللعب، أو تجنب وضع الحلويات في مكان يمكنهم الوصول له طيلة الوقت.
لكن بالنسبة للأطفال الأكبر سناً قد يعني ذلك إبقاء المشتتات الإلكترونية بعيداً عن المناطق التي يؤدي فيها الأطفال واجباتهم المدرسية، لكن بالنسبة للأطفال الأكبر سناً من المهم أيضاً أن تعلمهم كيفية مقاومة الإغراءات بأنفسهم والتحكم بأنفسهم ورغباتهم ضمن الحدود.
2. اخلق بيئة يكافأ فيها على ضبط النفس
ربما سمعت عن اختبار المارشميلو الذي يعطى فيه الأطفال الصغار الذين لم يتجاوزا الخمس سنوات الاختيار بين تناول وجبة واحدة الآن أو اثنتين لاحقاً.
أظهرت نتائج الاختبار أن الأطفال الذين أظهروا قدرة أكبر على الانتظار كان أداؤهم أفضل في اختبارات التحصيل الدراسي وكانوا أقل عرضة لتطوير مشاكل تعاطي المخدرات عندما كبروا.
يختار البالغون الإشباع الفوري عندما يكون لديهم سبب لعدم الثقة في الشخص الواعد بتسليم جائزة مستقبلية، لكن الأطفال البالغون من العمر عامين قاوموا إغراء تناول الحلويات عندما كانت مكافآت الانتظار أكبر.
3. العب الألعاب التي تساعد على ضبط النفس
في أي وقت نطلب فيه من الأطفال اللعب وفقاً للقواعد فإننا نشجعهم على تطوير ضبط النفس، لكن بعض الألعاب أكثر صعوبة من غيرها.
على سبيل المثال، خذ اللعبة التقليدية "الضوء الأحمر والضوء الأخضر". عندما يسمع الطفل عبارة "ضوء أخضر!" من المفترض أن يتحرك أو يمشي، لكن عندما يسمع "الضوء الأحمر!"، يجب أن يجمد.
لكن يمكن عكس اللعبة لجعلها أكثر صعوبة، "الضوء الأحمر!" يعني الانطلاق و "الضوء الأخضر!" للتوقف.
تختبر اللعبة قدرة الطفل على عكس العادة ويجب أن يكبح دوافعه، ما يسميه علماء النفس "التنظيم الذاتي".
4. أعطِ الأطفال استراحة
يستفيد الأطفال عندما نسمح لهم بالتوقف عن اتباع التعليمات والعمل الجاد أحياناً للتصرف بحرية. لكن لماذا؟
في الحقيقة الناس لا يحافظون على نفس مستويات ضبط النفس بمرور الوقت. إذا أعطيتهم مهمتين تتطلبان إكمالها، واحدة تلو الأخرى مباشرة، فعادة ما يُظهر الناس قدراً أقل من ضبط النفس أثناء المهمة الثانية.
هناك سببان محتملان لهذا، الأول هو أن ضبط النفس ينخفض مع مرور اليوم والوقت مثلما تنخفض طاقتنا بين الصباح والمساء.
التفسير الآخر هو أن أدمغتنا مصممة للبحث عن نوع من التوازن بين الكدح والسعي للحصول على مكافآت سهلة.
أياً كان التفسير، فإن النتيجة هي نفسها: إذا طلبت من الطفل الانتقال مباشرة من مهمة إلى أخرى، فمن المحتمل أن يعاني صعوبة في ضبط نفسه.
5. قم بتحفيز الطفل للقيام بالمهام
يحتاج الطفل إلى التمتع بالأشياء التي يطلب منه القيام بها وهنا يحتاجون إلى مساعدتنا لتحفيزهم وإيجاد طرق لإثارة اهتمامهم الشخصي، أو على الأقل الجمع بين التعلم أو المهام وقليل من المتعة.
إن تحويل عمل روتيني إلى لعبة يتطلب وقتاً وطاقة والكثير من الصبر والملاحظة والمرونة، ولكن كما يعلم العديد من المعلمين والآباء فإن هذه طريقة تؤتي ثمارها.
6. تعامل مع مشاعر طفلك بإيجابية
يتفاعل البالغون بطرق مختلفة مع المشاعر السلبية للطفل. البعض قد يرفضها ويقول على سبيل المثال: "هذا ليس سبباً للحزن"، أو "توقف عن البكاء".
هذه الأساليب ليست مفيدة، لأنها لا تعلم الأطفال كيفية تنظيم مشاعرهم والتعامل معها.
من المهم أن يتحدث الوالدان مع الأطفال عن مشاعرهم ويظهران التعاطف ويناقشان طرقاً تساعد الطفل على فهم مشاعره والتعامل معها.
7. تجنّب التساهل أو القمع
يعتقد العديد من الباحثين أن أساليب الأبوة والأمومة لها تأثير على تطوير ضبط النفس.
على سبيل المثال، وجدت دراسة أجريت على أطفال ما قبل المدرسة الأمريكيين عام 2013 أن الأطفال كانت لديهم مهارات التنظيم الذاتي الضعيفة، إذا كان لديهم آباء يتجاهلون السلوك السيئ للطفل أو يستسلمون لرغبته دائماً.
كما يذكر موقع Very Well Mind أن الأبحاث تشير إلى أن الأبوة المتساهلة أثناء سن الطفولة المتوسطة تعرض الأطفال لخطر أكبر للعدوان الاجتماعي. كيف تطور ضبط النفس إذا لم يطلب منك أحد أن تمارسه أو يعلمك إياه؟
رغم أن الأطفال الذين لديهم آباء يتبعون نهج "أطِعني دون سؤال" قد لا يتصرفون بشكل سيئ مثل الأطفال الذين لديهم آباء متساهلون، لكنهم أيضاً سيفتقرون إلى مهارات التنظيم الذاتي.
8. تذكر أن الأطفال يحتاجون إلى الاستقلالية
من المرجح أن يتمرد الأطفال عندما يرون أننا نتدخل في أمورهم الشخصية (مثل اختيار ما يرتدون أو الإصرار على مشاركتهم في نشاط ترفيهي معين).
من المهم مراعاة احتياجات طفلك للاستقلالية ومنحه خيارات مختلفة ليفكر ويختار بدلاً من فرض الأمور عليه.