الخلافات الزوجية وأثرها على نفسية الأطفال

عربي بوست
تم النشر: 2021/08/08 الساعة 12:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/08 الساعة 12:50 بتوقيت غرينتش
للخلافات الزوجية أمام الأطفال آثار وخيمة على نفسياتهم/ Istock

حب الزوجين لبعضهما البعض هو سر عافية الأطفال وسلامتهم الجسدية والنفسية، بل والدرع الحصينة ضد أي مشاكل نفسية، وإن أفضل شيء تستطيع الأم أن تقدمه لأولادها هو أن تحب أباهم والعكس صحيح، بينما تعتبر الخلافات الزوجية قادرة على إيذاء عملية تطور عقل الطفل، حيث تبدأ الآثار السلبية من الشهور الأولى، ويستمر مداها لعمرٍ طويلٍ.

آثار جسيمة على الأطفال

تشير الدراسات إلى أن الأبناء على اختلاف أعمارهم، سواء الرضع الذين لا تتجاوز أعمارهم 6 أشهر، أو كانوا بالغين في سن المراهقة، يتأثرون بالخلافات الزوجية التي تنشأ أمامهم بين الأب والأم، والتي قد تتضمن صراخاً أو إهانات أو ضرباً واعتداء، فالنزاعات المستمرة بين الآباء والأمهات تحد من شعور الأطفال بالأمن والاستقرار الأسري؛ لأنهم يتخوفون دائماً من إمكانية اختفاء أحد الوالدين بوقوع الطلاق، كما أنهم يفتقدون الشعور بالحياة الطبيعية؛ بسبب كثرة نشوب الخلافات في المنزل.

تتسبب المشكلات الزوجية الحادة في إصابة الطفل بالقلق والتوتر، ما يقلل من قضاء الوالدين وقتاً كافياً وجيداً مع الأطفال، وإن اجتمعا مع الصغار، لا يتعاملان معهم بدفء ومودة؛ لأن الغضب والإزعاج يكون مسيطراً على كليهما، ويعتبر وجود الأطفال وسط جو الخلافات الحادة التي تقع بين الأب والأم، من الأمور التي تؤثر على سلامتهم الجسدية والنفسية، وتجعلهم عرضة للإصابة بالاكتئاب، كما أنها تتعارض مع التطور الطبيعي والصحي لهم.

فقد يؤدى مناخ التوتر الذي يعيش فيه الطفل في منزل اعتاد فيه الوالدان على الشجار إلى ضعف تحصيله الدراسي والمعرفي، ويجد صعوبة أكبر في تنظيم انتباهه وعواطفه، ومع الخلافات تتزايد لدى الطفل فرص التعامل بعدوانية مع الآخرين، وقد يواجه صعوبة في الحفاظ على علاقات صحية مع المحيطين به عندما يكونون أكبر سناً.

وهناك رابط بين اضطرابات تناول الطعام وبين الخلافات الزوجية؛ إذ يصاب الأطفال الذين يعانون من هذا الوضع بفقدان الشهية تجاه الطعام، أو الشره المرضي.

ومن أكبر الآثار للخلافات الزوجية على نفسية الطفل هو إصابة الطفل بحالة نفسية شديدة ونوبات من القلق النفسي والعصبي، قد تصل للدخول في حالات من الاكتئاب الحاد، فالطفل يميل إلى العزلة والوحدة والشعور بالخجل الشديد والابتعاد عن الآخرين وعدم حدوث أي تواصل مع أصدقائه أو تكوين أي علاقات، إضافة إلى نوبات متواصلة من التوتر والاضطرابات العاطفية والتفكير الدائم بالمشاكل التي تحدث بين الوالدين والتفكير في انفصالهما، وقد يظهر هذا القلق عليهم بطرق مختلفة؛ فمنهم الذين يقومون بمصّ أصابعهم أو قضم أظافرهم، أو شد شعرهم بطريقة عنيفة.

ويعتبر الشعور بعدم الثقة بالنفس من أبرز المشاعر السلبية التي يكتسبها الطفل من هذه الخلافات، كما يشعر الأبناء أيضاً بالغضب والانفعال والعصبية الشديدة مع الدخول في نوبات من الهلع والخوف، وقد يصابون بالتبول اللاإرادي أيضاً، وهذه تعد من أكبر المشكلات الجسدية التي يصاب بها الأبناء.

تؤثر المشاكل والخلافات الأسرية على المستوى الدراسي للطفل؛ بسبب التفكير طوال الوقت في أحداث المشكلة وتفاصيلها، فيصاب بحالة من العنف الشديد تجاه الآخرين، ولا يستطيع التواصل مع أصدقائه ومدرسيه، ويصل الأمر لعدم احترامهم أيضاً.

وقد تظهر الخلافات أيضاً على شكل كوابيس مخيفة وبكاء، قد نعتقد أنه من دون سبب، مع حالة من التبول اللاإرادي أيضاً وفقدان الشهية أو إفراط في الأكل. ويؤدى انعدام جو الألفة والمحبة بين أفراد الأسرة إلى شعور الأبناء بالضياع، وينتج عنها رغبة في الهروب من البيئة المحيطة إلى أصحاب السوء.

ترسيخ فكرة أن الزواج سيئ يربط في ذهن الطفل أفكاراً مشوشة ومشوهة لحياته الزوجية فيما بعد، فنجده يتعامل مع زوجته بالطريقة نفسها التي كان يتعامل بها والداه.

من آثار الخلافات، الوصم بالخزي والعار، إذ يعيش الأطفال بالوصمة والعار الذي يشعرون بأنه يلحق بهم جراء حادثة مفزعة مثل قتل أحد الزوجين للآخر أمام الطفل أو الخيانات الزوجية، فنجد البعض يُعرّف على أنه ابن فلان الذي خانته زوجته، أو ابن فلانة التي قتلت زوجها ما يسبب لهم الشعور بالخزي والنقص والدونية مدى الحياة.

للحد من الخلافات الزوجية أمام الأبناء:

تؤدى ضغوط الحياة المستمرة ومتطلبات الأبوة المرهقة إلى نشوب شجار بين الأبوين وهو أمر طبيعي للغاية، ولكن يجب ألا يحول الزوجان هذا الشجار إلى عادة يومية بينهما حتى لا يتسببان في إلحاق الأذى والضرر بنفسية أطفالهم، وإليك بعض المقترحات التربوية لمساعدتك في الإقلال من أثر المشكلات نفسياً على الأطفال.

1-   لا تبدأ بالشجار: إذا كان أحد الزوجين منفعلاً من أمر ما، فعلى الطرف الآخر أن يؤجل النقاش إلى وقت آخر حتى يهدأ ولا يصر على استمرار الحديث بهذا الشكل الذي لن ينتج عنه سوى الشجار، فلا تكن الطرف الذي يبدأه.

2-   ناقشوا المشكلة: بدلاً من ترك الأمور تتأزم وتصل إلى حد الشجار، ناقشوا المشكلة منذ البداية وحاولا فهمها ومعالجتها.

3-   أنصت لشريك حياتك: يجب على الزوجين أن يستمعا لبعضهما البعض ويحاولا فهم وجهة نظرهما، فقد لا تتفقان معاً بالوصول لذات الرأي، لكن يجب أن يحترم كل منكما رأي الآخر.

4-   إيجاد حل وسط: إذا لم تستطيعوا الوصول إلى قرار، فيجب الوصول إلى حل وسط، يقرب بين وجهات نظركما.

5-   اللجوء للمساعدة: إذا استنفدتم كل سبل الوصول للحل ولم تنجحوا في الوصول لنتيجة فيجب طلب المساعدة الخارجية من الأهل أو الأصدقاء أو استشارة مختص بالعلاقات الزوجية، فمن الضروري السيطرة على المشاعر وإيجاد أفضل حل لمعالجتها.

6-   احرص على فتح الحديث مع زوجك والسماح له بالتعبير عما يدور داخله، مع إظهار التعاطف والتفهم لكل ما يقوله.

7-    افترض في تصرفات شريك حياتك أفضل النوايا وأحسنها، وذكر نفسك دائماً بمقدار الحب الذي يحمله كل واحد منكما للآخر.

8-    ‏تذكري دائماً أنكِ وزوجك فريق عمل واحد وأنكما غير متنافسين، وبالتالي عليكما وضع جميع الأوراق التي تخص الأسرة على الطاولة ومناقشتها واتخاذ قرار بشأنها معاً. ‏

9-    ‏ تجنب نقد شريك حياتك وإلقاء اللوم عليه في المواقف السلبية، خاصة إذا كان حديثك هذا لن يفعل شيئاً حيال الواقع، وفي المقابل يمكنك الحديث عن أفضل طريقة للقيام بهذه المهمة في المرة القادمة.

10-  ‏كل الأشياء التي تود التصريح بها لشريك حياتك، سواء كانت إيجابية أو سلبية، يمكنك قولها له بلطف واحترام.

ختاماً..

يقول أحمد العلماء: جاء أحدهم ليسألني عن طريقة لتربية ابنه بحيث يستطيع أن يسجله في أفضل الجامعات العالمية عندما يكبر، فأجبته: "إذا أردت أن تزيد نسبة الذكاء عند ابنك، اذهب إلى البيت وأحب زوجتك"، فالأسرة المتماسكة المتعاطفة المتحابة تصنع الأعاجيب في الصحة الجسدية والعقلية للأطفال عن طريق إسعاد كل من الزوجين شريك حياته، والأطفال المحاطون بالحنان والعطف الأبوي أقل من أصدقائهم في احتمالية الإصابة بالأمراض والعناد والعنف والانحراف والأمراض النفسية فضلاً على التأخُّر في التحصيل الأكاديمي، فإذا لم تكن على قدر من الوعي والمسؤولية، فلا داعي لأن تنجب أطفالاً تعاني من قسوتك وتتعذب من أثر الصراعات الزوجية طوال حياتها، وبطبيعة الحال لن تخلو الحياة من الخلافات الزوجية، لكن من المهم أن يعي الآباء والأمهات أنه عند نشوب المشاكل الزوجية أمام الأطفال، ينبغي عليهم معالجتها بهدوء ودون انفعال وعدم التوقف عندها، لكي لا تؤثر على الأبناء بشكل كارثي قد يبقى معهم طوال حياتهم.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

آلاء مهدي
مدونة مصرية، وتربوية متخصصة فى الموهبة وصعوبات التعلم
حاصلة على بكالوريوس العلوم فى التربية الخاصة، كلية التربية الخاصة، جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، باحثة ماجستير صعوبات التعلم بكلية علوم الإعاقة والتأهيل، جامعة الزقازيق
تحميل المزيد