هاجَمْنَني لأني عارضت النسوية

عربي بوست
تم النشر: 2021/05/02 الساعة 10:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/02 الساعة 10:38 بتوقيت غرينتش

لا تنفك دعوات قبول الآخر واحترام اختلافه مع آرائنا تحيط بنا من كل اتجاه، وتُذكّرنا أنه سبيل التحضر والتقدم. نسمع ونطيع، نتقبل الآخر ونقدر اختلافه، ولكن دائماً ما يطرأ على ذهني تساؤل: هل الآخر يَحترم بدوره اختلافَنا أم أنها رحلة ذهاب بلا عودة؟

الاختلاف جزء أصيل في تكويننا البشري، وسنة الله في الأرض، هو سبحانه وتعالى أراد ذلك وأخبرنا به صراحةً في قوله "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ".

نحن نختلف في الأديان، في الأعراق، في الألوان، في المذاهب والأفكار، وبالتالي يتحتم على الجميع أن يعي ذلك ويُفرغ مساحة بداخله ليسمح بمرور المختلفين معه من خلالها، يُضيّفهم بها ويعرض عليهم ما عنده، وليأخذ كل منهم ما يتوافق مع معتقداته من معروضات الآخر، أو ليمر كل منهم مروراً كريماً دون المساس بالمناطق الأكثر رسوخاً.

أثار أحد منشوراتي على موقع فيسبوك الجدل في موضوع يخص موقف الرجل المعاصر من مساندة المرأة ورعايتها، فأعقبت منشوري بتعليق بسيط أنني لا أنتمى إلى التيار النسوي وأن هذه أفكاري أطرحها بمنأى عن أي توجه، فوجدت هجوماً غير مُهادِن من مؤيدي التيار النسوي؛ إذ كيف لي أن أتبرأ من النسوية، والتي هي من مكنتني من الحصول على الحقوق التي أتمتع بها الآن، واحتدم الموقف ووصل إلى السباب والاحتقار.

التيار النسوي والذي يناهض بالأساس فكرة القمع القائم على النوع الاجتماعي، يخالف في بعض مبادئه ديناً آمن به مليارات البشر من الرجال والنساء، ويعلن ذلك صراحة، وبتحدٍّ، دون أي غضاضة، فكيف لمؤيديه أن يحتقروا ويعادوا ويحاولوا قمع من يختلف مع فكرهم ومبادئهم التي لا وجه للمقارنة بينها، كونها بشرية محتومة الصواب والخطأ وبين شرائع ومنهج إلهي منزه عن الخطأ؟

أنا هنا لست بصدد مناقشة أفكار التيار أو الاعتراض عليها وتفنيدها، ولكن تستوقفني دعوات قبول الآخر التي تتبناها معظم التيارات الفكرية المعارضة للأوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية، ما معنى هذه تحديداً؟ وما الغرض منها؟

هل قبول الآخر يعني التعرف على نقاط الاختلاف بيننا وبينه، ومن ثم التعايش معه مع إعلان رفضنا لمعتقداته؟ أم أن التقبل لا بد أن تغلفه بعض المداهنة، لأن كلمة رفض ستتحول بشكل أو بآخر إلى كلمات أكثر عنفاً، مثل "شدة" أو "تطرف"، وبالتالي سيكون هناك طرفان مختلفان، أحدهما يلعن معتقده بوضوح، والآخر ينسحق تحت هذا الاختلاف ولا يستطيع الجهر به حتى لا يتم وصمه بالتشدد أو الرجعية؟

هل الغرض هو طرح وجهات النظر المتباينة والتأقلم مع وجودها الحتمي، أم أنها مجرد طريقة لفتح أبواب التعبير أمام فئة وإجحاف فئة أخرى وفقاً لمن يمتلك الصوت الأعلى، بغض النظر عن بعد محتواه عن الصحة أو قربه من الخطأ؟

ذكرت الكاتبة والناشطة النسوية النرويجية لين ستالسبيرج أنها تستقبل العديد من الرسائل القلقة -من رجال ونساء على حد سواء- حيال وضع الأسرة والطفل، في ظل الفكر النسوي المعاصر، وعندما كانت تطلب منهم مشاركة هذه الرسائل عبر صفحة الجريدة يقابَل طلبها دائماً بالرفض، لأن الناس أصبحوا يخشون الخروج على مبادئ الحركة النسوية علناً.

لماذا قد يخشى الناس التعبير عن اختلافهم في ظل الهيمنة النسوية على التفكير المعاصر، رغم أن اختلافهم يعبر عن احتياجات وميول فطرية بالأساس؟ أذكر زميلتي في العمل التي هاجمتني عندما عبرت ببساطة ووضوح عن رغبتي في تكوين أسرة على الطريقة التقليدية، حيث يعمل الرجل فقط ويتحمل نفقات البيت، وأتحمل أنا إدارة شؤونه وتربية الأولاد، كان الأمر بالنسبة لي مجرد فكرة أشعر تجاهها بارتياح وقبول، ولم أخترعها أنا من بنات أفكاري، بل كانت الحياة قائمة كذلك لأزمنة ممتدة.

ولكن حظي السيئ أنني عبرت عن هذا علناً وسط مجموعة من النساء القادرات على التحدي والمواجهة، واللاتي يرين أن ميدان المرأة الوحيد لإثبات هذه القدرة هو العمل، وأن المكوث في البيت رجعية ومهانة لها لا أكثر، ولذلك أمطرنني بسيل من الانتقادات اللاذعة، وصلت إلى الاستهزاء والاتهام بتأييد الاتكالية وانعدام الشخصية.

كشخص غير محب للجدل، ولإيماني أن لا طائل منه لم أُطل الحديث كثيراً، وإن كان عندي ما أُفند به كل ما أتين به، ولكن ما وقر في صدري حينها أنني يجب أن أخفي اختلافي وأتحرى مواقع المصارحة به فيما بعد.

لماذا أصبح الإنسان يجد في نفسه الجرأة لمناقشة والاعتراض على النصوص الإلهية قاطعة الثبوت والوضوح في الدين الذي يعلن أنه يؤمن به، ويجد أن من حقه أن يختلف مع الإله دون أن يُخرجه من رحمته، ولا يحتمل أو يقبل أن يعارض الآخر أفكاره كثيرة التشوش والتغير، فيسخط عليه ويطرده من رحمته؟

وعلى ذكر الطرد من الرحمة، هل يعد ما يحدث في المنتجعات السياحية كل عام من إقصاء للمحجبات ورفض وجودهم في الكثير من الأماكن الترفيهية محاولة للتقبل أم التنميط؟

ربما لا يقف الأمر عند النسويين والتنويريين وغيرهم من أنصار التيارات الرائدة الآن، بل يمتد للأفراد المحيطين بنا وأقراننا في العمل أو الدراسة، حتى أصبح الكل يحاول سحق الآخر باختلافه، وتكميم الأفواه المعارضة لمبادئه، أو تجاهلها والاستخفاف بها، والعامل المشترك دائماً هو أن تكون صاحب الصوت الأعلى أو الأكثر شعبية في محيطك.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

حنان فارس
مدونة مصرية
تحميل المزيد