كثيراً ما تشكو الأمهات من سلوكيات أبنائهن "غير المقبولة"، وتبدأ كل واحدة منهن جاهدة بالصراخ أو الضرب في كثير من الأحيان، كنوع من المواجهة لتلك السلوكيات، والبعض منهن يسعين لإيجاد حل تربوي، ولكن القليل فقط من يقمن بتطبيقه بشكل سليم.
المشكلة في أن السلوك "غير مقبول" أم "غير مفهوم"؟!
أثناء عملي وتدريبي للكثير من الأمهات على كيفية اكتشاف مواهب أبنائهن وجدت أن السبب الأساسي ليس في سلوكيات الطفل، وإنما عدم فهم الأم خاصة، والأسرة عامة، لما تدل عليه تلك السلوكيات من إشارات، وحينما نوضح للأم أن لكل سلوك معنى دالاً عليه، ونفسر كافة السلوكيات التي يقوم بها أطفالهن، تدرك الأم حينها أن هذا الطفل لم يكن "مخرباً" على سبيل المثال، إنما هو "مسكتشف".
وبالتالي عندما تفهم الأم سلوكيات أبنائها، وكيف تتعامل مع كل شخصية بما يناسبها تشعر بعد الفهم بالارتياح والتقبل، وتقلّ بالتالي حجم المشكلات والصراخ اليومي، جراء سلوكيات الطفل، وتقوم الأم بتوجيهه إلى أنشطة مناسبة لسلوكياته ولموهبته، يستطيع من خلالها أن ينميها ويرتقي بها تحت إشرافها ورعايتها وبتوجيه أخصائي الموهبة.
وإليكم نماذج لتلك السلوكيات التي يقوم بها الأبناء وكيفية تفسيرها بالشكل الصحيح:
1- محب التفاصيل
إذا كان طفلك من هواة فرز وفحص الأجسام واستكشافها مثل فك تركيب الألعاب، أو تجميع البنود حسب اللون والحجم والشكل، فهذا لا يعني أن طفلك مخرب ويدمر ألعابه، ولا يُبقي شيئاً على حاله، إنما هو طفل منظم، شديد الانتباه، مُحب للتفاصيل، وهذا مؤشر مبكر يدل على كفاءته في مواد الرياضيات والعلوم، كما يمكنك إشراكه في الأنشطة التي تساهم في تنمية المهارات الرياضية وكذلك التجارب العلمية لديه، وجعل وظيفته الأساسية في المنزل هي فرز الأشياء وتنظيم العلب في الخزانة على سبيل المثال، فعليكِ أن تنتبهي لموهبته وتستخدميها وتقديم تفهم لسلوكياته وتقبلها، وحينها فقط يشعر طفلك بتواصلك وتفهمك له، وبذلك تتكون علاقة إيجابية فعاله بينكما، يمكنه حينها أن يستجيب لتوجيهاتك نحو تنمية تلك الموهبة وتحويلها لمهارة عملية تكون مصدر دخل له في المستقبل.
2- الثرثار
طفلك يتحدث كثيراً ويقوم بتأليف قصص وحكايات من وحي خياله لا تمت للحقيقة بصلة، ويقوم بقصّها على رفاقه بالمدرسة أو إخوته بالمنزل على أنها حقيقة، فهذا لا يدل على أنه "كذاب" أو "ثرثار"، وإنما طفلك ذو شخصية قيادية يجيد الكفاءة اللفظية، ويريد جذب الآخرين نحوه، ولديه قدرة على الإقناع، وهو ما يتميز به الصحفي أو الإعلامي الناجح، فعليك أن تقومي بحثه على القراءة والكتابة والنطق الجيد، وتشجيعه على استخدام المحادثات الصوتية والفيديو أثناء المحادثات الإلكترونية وإرسالها إلى الأصدقاء، وعمل برنامج أسري له في البيت مثل "نشرة أخبار الدار"، ومتابعته وتعزيز أدائه طوال الوقت، والاشتراك في الأنشطة المتوفرة في الأندية والملائمة لموهبته، مثل مسابقات إلقاء الشعر والتقديم الإذاعي والبرلماني الصغير وغيرها، كما يمكنه الاشتراك ببرامج الإذاعة المدرسية أو التلفزيونيه، وحثه على ذلك بالتعاون مع المدرسين والمختصين.
3- المستكشف
الطفل الذي يرغب في استكشاف كل ما حوله، فنراه على سبيل المثال يقوم بملامسة الأزرار والمفاتيح ويضعها في مكانها مرة أخرى كما كانت، أو يعشق بناء المكعبات على أشكال أبنية وعقارات، هذا مؤشر لأن يكون في المستقبل مهندساً معمارياً أو كهربائياً ناجحاً، أو مخترعاً أو عالماً.
4- الحالم
هذا الطفل ينشِئ لنفسه بيئة أخرى بعكس الواقع الذي يعيش فيه، فنجده يجسد شخصية قد تكون مستوحاة من شخصية في مسلسل، أو لاعب مفضل لديه، أو شخصية كرتونية، أو شخصية افتراضية، ويقوم بتجسيدها بعيداً عن أنظار الأسرة والأصدقاء، فهذا الطفل ليس كاذباً أو مجنوناً، وإنما هو مؤشر يدل على أن طفلك على طريق المهن الإبداعية مثل الفن والتمثيل، أو كاتب، أو مخرج، أو مصمم أزياء، فيمكن تنمية المهارات الإبداعية لديه من خلال اصطحابه معك إلى مشاهدة المسرحيات والحفلات الموسيقية، وتشجعيه على الاشتراك في حفلات المدرسة والنادي، وعمل مسرح أسبوعي في الأسرة، وتقييمه عليه، بتقديم المكافآت بناء على جدول تعزيز به التفضيلات التي يحبها.
5- محب التحليل والألغاز
الطفل الذي يحب حل الألغاز وقراءة القصص البوليسية، ويحب أن يحلل الأشخاص والأشياء من حوله، وينجرف وراء الأشياء الغامضة التي تجعله يفكر ويحلل، هو ليس طفلاً "حِشَرياً" يتدخل فيما لا يعنيه، أو يتهم باهتماماته الغريبة ممن حوله، وإنما هو مؤشر على أن يكون عالم آثار أو عالماً في الأبحاث أو أخصائياً نفسياً.
6- متحمل المسؤولية
هناك بعض الأطفال ممن يتحملون المسؤولية ويعتمدون على ذاتهم في حل مشاكلهم، وذوو آراء قوية، ونجد الأهل والمجتمع يعتبرونهم لا يعيشون سنهم "مستعجلين على الهم" كما يقولون، والحقيقة أن تلك الصفات تدل على أنهم سوف يصبحون قادة، أو يعملون في مجال السياسة وتنظيم المجتمع عندما يكبرون، ولذا يجب الاهتمام بتقوية شخصيتهم وعدم التقليل من شأنهم، وإعطاؤهم مهمات ومسؤولية على قدر مهاراتهم.
7- كثير الحركة
الطفل الذي لا يثبت على وضعه، ويتحرك كثيراً، وكثير الشغب ويتمتع بمهارات حركية لا يعني بالضرورة أنه ذو فرط حركة، لأن ذلك يحتاج إلى تشخيص مختص، وليس كل كثير حركة ذا اضطراب فرط الحركة، وإنما قد يكون ذلك مؤشراً لأن يكون رياضياً، لاعب كرة قدم أو تنس أو غيرها من الرياضات، أو يرغب في العمل في مجال الرقص مثل البالية أو العزف على الآلات الموسيقية، أو رسام أو مصمم ديكور، وهنا يجب تنمية مهاراته الحركية منذ الصغر من خلال إشراكه في الأنشطة الرياضية التي تتطلب المزيد من النشاط البدني، أو العزف على الآلات الموسيقية وغيرها.
وختاماً..
كانت هذه بعض النماذج للشخصيات والسلوكيات الصادرة عن الأطفال، والتي يفسرها الأهل بشكل خاطئ، ولا يسعنا سرد كافة النماذج السلوكية في مقال واحد، ولكن سنستعرض نماذج أخرى في موضوعات قادمة بإذن الله، ولكن وجب التنبيه هنا أنه ليس كل سلوك صادر عن الطفل يفسر من وجهة نظر الأهل، ويتم الحكم والتعامل مع الطفل من خلاله دون محاولة فهمه، ورده للمعايير التربوية السليمة، فهذا يدفع للتصادم وتضييع مواهب الأبناء، والعكس صحيح، كلما حاولنا معرفة الأسباب والتفسيرات الصحيحة لسلوكيات الأبناء، ما هي دوافعهم؟ ما الرسالة التي يحاولون إيصالها من خلال ذلك السلوك؟ حينها نكون على الطريق الصحيح نحو فهم الأبناء، والفهم أول مفاتيح التقبل، ومن ثم اكتشاف مواهبهم والعمل على تنميتها والارتقاء بها، وهو ما يعود بالنفع على الطفل والأسرة والمجتمع.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.