رحلة البحث عن الجسد المثالي.. كيف يقوم إنستغرام بمراقبتنا؟

عدد القراءات
706
عربي بوست
تم النشر: 2020/07/29 الساعة 11:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/29 الساعة 11:13 بتوقيت غرينتش
رحلة البحث عن الجسد المثالي.. كيف يقوم إنستغرام بمراقبتنا؟ - عربي بوست

أريد أن أبدأ هذا المقال بالاعتراف بأنني أعاني كامرأة شابة وكفرد يعيش في هذا العالم. أعاني من ضغط معايير الجمال غير الواقعية التي تفرضها عليّ وسائل التواصل الاجتماعي. المعايير التي تفرضها عليّ وعليك وعلى كل مستخدميها. أعاني من تأثير الصورة الجسدية المثالية مستحيلة المنال، والتي يتوقع مني دائماً التعبير عنها وعكسها في صوري وسلوكي على وسائل التواصل الاجتماعي. أعاني من وسائل التواصل الاجتماعي التي تحاول جاهدة نسخ بعضنا البعض. كما أعاني من تلك المنافسة الضارية بين النساء على عرش الأكثر جمالاً. إلى جانب تلك المعاناة، أشعر بالذنب. أشعر بالذنب لأنني أساهم كل يوم في إعادة إنتاج تلك الصورة المثالية – المستحيلة للجمال.

عصر المراقبة الذاتية 

إننا جميعاً نعاني من الأيديولوجية التي خلقتها وسائل التواصل الاجتماعي ومن ورائها شركات التجميل والموضة، التي تخبرنا بما يجب أن تكون عليه هيئتنا حتى نكون جميلين أو نحظى بأكبر عدد ممكن من الاعجابات على صورنا على فيسبوك وإنستغرام. لطالما كانت المعايير الاجتماعية التي تحدد سلوك الأفراد، بما في ذلك إطلالتهم وتعاملهم مع جسدهم وكيف يجب أن نبدو، موجودة دائماً في المجتمع. لكن في الماضي لم تمتلك الشركات ووسائل الإعلام القوة الكافية لتفرض وتؤثر في معايير الجمال المجتمعية بشكل كبير كما هو واقع اليوم. وفقاً لذلك، أصبح يتم الترويج من خلال وسائل الإعلام؛ المجلات أو التلفزيون أو وسائل التواصل الاجتماعي للمعايير التي تختلقها شركات الموضة والتجميل باعتبارها المعايير المثالية للفتاة الجميلة والفتى الجذاب. 

ولذلك، في عالم اليوم، تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي -وخاصة إنستغرام- أكثر من أي وقت مضى في مفهومنا وتصورنا وإدراكنا للجمال. والذي يمنح إنستغرام قوة أكبر في عملية التأثير تلك هو أنه قائم على الصورة، حيث إنها الوسيط واللغة الرسمية للتطبيق. كما يتخلى المستخدمون عن دورهم في الرفض، فهم لا يعترضون بأي شكل من الأشكال على فرض تلك المعايير من قريب أو بعيد، وإنما يتفاعلون معها بأريحية شديدة، ما يؤدي إلى استمرار واستنساخ أيديولوجية الجمال التي ينطوي عليها إنستغرام. 

ومن ثم، فإن وسائل التواصل الاجتماعي تصبح هي المؤسسة الرئيسية التي من خلالها نضبط أجسادنا ولبسنا وفقاً لمعاييرها، وهذا بمثابة "قوة حديثة"؛ حيث العمل من خلال المراقبة الذاتية بدلاً من الإكراه أو الفرض المباشر. وهذا هو السبب في نجاح إنستغرام في الحفاظ على نفوذه لأن أيديولوجية الجمال التي نشرها صارت منتشرة في كل المجتمع ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، حيث يستوعب المجتمع تلك القيم ومن ثم يؤمن بها ويطبقها ويفرضها على نفسه بالمراقبة الذاتية دون فرض أو إكراه من أحد. 

وعندما نستوعب تلك القيم ونؤمن بها بالفعل، فإننا نؤدب أنفسنا والآخرين ليتوافقوا مع تلك المعايير، وليقتربوا أكثر من الصورة المثالية، الجسد المثالي، الوجه المثالي، والزي المثالي ليحصلوا على الصورة المثالية في نهاية المطاف.

ومع ذلك، يمكن أن تختلف تلك المعايير من مجتمع لمجتمع، ومن دولة لأخرى نظراً للتشكيلها وصناعتها بالشراكة مع المجتمع والأفراد وليس بمعزل عنهم. لم يخلق إنستغرام تلك المعايير من فراغ، وإنما قام بأخذ فانتازيا العقل البشري الجمالية والجنسية إلى أبعد حدودها ليخلق تلك المعايير. لكن في المقابل هناك تأثير من المجتمع وقيمه وسلوكيات المستخدمين، يروّض إلى حد ما من تطرف إنستغرام. أي أن المستخدمين قادرون على صناعة معايير جمال أو الحد من قوة إنستغرام في فرض تلك المعايير. ولكن أحد أهم قوة وسائل التواصل الاجتماعي وتحديداً إنستغرام هي قدرته على التكيف مع المتغيرات والديناميكيات المختلفة في المجتمع وإعادة تشكيل معايير الجمال إذا كان ذلك ضرورياً لبقاء عملية الانضباط الذاتي. وذلك لأن تلك العملية الذاتية بمثابة آلية مراقبة ذاتية تخضع من خلالها المرأة ويجري من خلالها تسليعها وتسويقها باعتبارها سلعة جنسية بالمقام الأول يتم اشتهاؤها من خلال الصور ومقاطع الفيديو.

تلك عملية لا نهائية تؤثر على كل نساء العالم، حتى أولئك الذين يمكن اعتبارهم موافقين لمعايير الجمال الحالية. فحتى إذا وافقت تلك المعايير إلى حد كبير، فإنك لا تزال تشعر بالنقص لأنك لست مطابقاً تماماً للمعايير وأن بالتأكيد هناك بعض العيوب في جسدك أو وجهك أو ذوقك.

الصورة المثالية.. مستحيلة

دعنا نفكر في اتجاهات ومعايير الجمال اليوم، ونقول إن لديك جسداً رائعاً، سيكون التساؤل التالي: هل لديك بشرة خالية من الحبوب؟ ألا يحتاج شعرك للمزيد من العناية؟

وإذا اكتسبت كل ذلك عن طريق ساعات طويلة من التمارين الشاقة ومساعدة بعض منتجات العناية بالبشرة والشعر، ألا تحتاجين إلى شفاه ممتلئة؟ وهكذا تطول القائمة ولا تنتهي. يقوم إنستغرام بطرح السؤال تلو الآخر على أجسادنا، وكلما قدمنا إجابة، تغير السؤال. 

ولنفترض أنك، الآن، أنسب من يوافق معايير الجمال والصورة النمطية المثالية في إنستغرام الجمال، ما الضامن أن تلك المعايير لن تتغير غداً؟ من يقرر ما إذا كان ذلك شخص جيد المظهر أم لا؟

عندما أفكر في ممارساتي الشخصية، أدرك أنني في صراع؛ حرب أبدية بين ما أفكر فيه عن نفسي وما يفكر فيه المجتمع عني. لطالما اعتبرت امرأة جميلة في دائرتي الاجتماعية، ومع ذلك لم أتمكن من رؤية ذلك ولم أعد أشعر بذلك، لقد حجبت تلك الأيديولوجية البغيضة تلك المشاعر عني ولم أعد أرى سوى النقص. أنا وأنت والجميع نخضع لرسالة قاطعة مفادها أنه إذا كنت غير مطابقة معايير الجمال الحالية، فأنت لست جميلة ولا تستحقين الحب. لكن لا، قيمتك لا تعتمد على مظهرك أو كيف تبدو أو مدى جمالك وفقاً لتلك المعايير، وبالتأكيد حسابك الشخصي على إنستغرام لا يعني شيئاً عن حقيقتك. إذا كنت تريد أن تكون جميلاً، فاعلم أنك بالفعل كذلك. وأنه لا يجب عليك أن تكون جميلاً على طريقة إنستغرام. 

هل تريد أن تكوني جميلة؟ 

إن فرض معايير الجمال ليس حصراً على مجموعة بعينها أو جنس معين؛ إذ تخضع جميع فئات المجتمع، بما في ذلك الرجال، لمعايير جمال محددة يتوجب عليهم تحقيقها من أجل الحصول على الصورة المثالية. ومع ذلك، فإن المرأة هي الهدف المباشر والرئيسي عندما يتعلق الأمر بالجمال. معايير الجمال التي يتم الترويج لها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي في عالم اليوم، هي أدوات لخلق "المرأة المثالية" والتي تتحول في الواقع إلى عدو داخلي لجميع النساء يضغط عليهن من الداخل. تلك "المرأة المثالية" تعرف كيف تتصرف في كل المواقف، وكيف تبدو لكي تكون "جميلة بشكل صحيح" و"تجذب الأعين". بينما أنا وأنت لا نعرف كيف يجب أن نتصرف وكيف يجب أن نبدو، ولذلك علينا أن نتعلم من "المرأة المثالية". 

وأود أن ألفت الانتباه إلى قوة مثل تلك التعبيرات الخطابية في وجدان المرأة خاصة الفئات الأصغر سناً، حيث يتم تصوير "جذب الأعين" و"لفت الانتباه" باعتباره ضرورة أو معياراً لتحصل المرأة على اعتراف بجمالها. أي أن الحصول على اعتراف من الرجال هو أحد المحددات الحاسمة لإقرار جمال المرأة من عدمه.

وبهذا المعنى، تتحول وسائل التواصل الاجتماعي إلى وسيط للمراقبة والملاحظة ولفت الانتباه. المحزن في الأمر هو أننا نريد بالفعل أن نلاحظ وأن نلفت الانتباه وأن نحصد أكبر عدد ممكن من الإعجابات والتعليقات المطرية على جمالنا. لأننا نحاول جاهدين أن نظهر أفضل ما لدينا، لنثبت أننا مناسبين وجميلين. نحن كنساء نتكيف مع تلك المعايير مهما كانت؛ لأنه يجب عليك أن تتوافق إذا كنت تريد أن تكون جميلاً.
إذا حاولت أن أفسر جزءاً يسيراً من طريقة نشر أيديولوجيا ومعايير الجمال على وسائل التواصل الاجتماعي من وجهة نظر علم الاجتماع، فإن وجهة نظري نجد أساسها في النموذج الفوكوي، نسبة لعالم الاجتماع الفرنسي، ميشيل فوكو. بادئ ذي بدء، نحن بحاجة إلى الاعتراف بأن معايير الجمال الحالية مبنية اجتماعياً، أي أنها لم تولد من العدم وإنما هي نتاج علاقات القوة والتفاعل بين الشركات والمجتمع، وأنها لا تنتشر فقط على وسائل التواصل الاجتماعي ولكن في المجتمع ككل. وهي تنتشر بشكل هادئ وممنهج من خلال عدة أوساط ومؤسسات اجتماعية بدلاً من فرضها بالقوة والإكراه. وبعد الانتشار الهادئ المنظم لتلك المعايير عن طريق المراقبة الذاتية، يمكن القول إن الترويج لذلك الجمال عن طريق نشر الصور والإعجاب بها على وسائل التواصل الاجتماعي هو شكل من أشكال الانضباط الموجه ضد الجسد. هذا الانضباط، يمكن تسميته "الانضباط الأنثوي للجسد" وهو يعمل من خلال استيعاب معايير الجمال (مثل الشفاه المكتنزة) والمراقبة الذاتية من خلال الامتثال لتلك المعايير. 

بهذا المعنى، لا ينبغي اعتبار الترويج للجمال على إنستغرام أمراً مسلماً به أو ظاهرة غير ضارة، بل؛ إن تلك الظاهرة يكشف الزواج السعيد للسلطة الأبوية من القوى الرأسمالية المهيمنة علينا.

رسالة خاصة

أعلم أنك تقضين الكثير من الوقت على إنستغرام، مثلنا جميعاً. تتابعين حسابات معلمي الجمال، محترفي اللياقة البدنية، وعارضات الأزياء. تستمعين إلى أخصائيي التغذية، ومستحضرات التجميل، وخبراء التجميل. وكلهم يرسمون الصورة المثالية للجمال ويوجهونك نحو الحصول على تلك الصورة. وأنا أعلم أنك معجبة بهذه الصورة. تنظرين إلى المرآة و تقارني نفسك بالآخرين. تريدين أن تكوني مثلهم؛ تريدين أن تكوني منهم. أعلم كل ذلك لأنني أعيش نفس المعاناة والصراع بالضبط كل يوم.

لكن هذا يكفي. كفانا مقارنات لا طائل منها، وكفانا ركضاً وراء معايير لن نطابقها أبداً. نحن، بأنفسنا، كما نحن وبلا معايير مثالية، جميلين.

ذلك الشيء الذي نسميه "جمالاً" لا يمكن أن يكون شيئاً قادماً من الفراغ، أو صنع على يد قوى خارجية.

الجمال الحقيقي يزدهر من الداخل. إنه جمالك الخاص. أنت جميلة على طريقتك. وهذا ما سأقوله لنفسي من اليوم فصاعداً: 

أنا جميلة على طريقتي الخاصة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
إسرا غوفين
باحثة تركية
باحثة تركية
تحميل المزيد