استغلال جنسي للمرأة وفرض لمعايير الجمال.. ما حقيقة عمليات التجميل؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/07/24 الساعة 10:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/05 الساعة 11:23 بتوقيت غرينتش

"هوس بالجمال وسعي نحو المثالية"، تلك كلمات دائماً ما تقترن بالحديث عن عمليات التجميل كلما حاولت أن أقرأ أو أستطلع آراء الناس عنها على شبكات الإنترنت أو في دوائر معارفي الصغيرة. تحرّم كذلك آراء الفقهاء في الشريعة الإسلامية بشكل واضح عمليات التجميل التحسينية التي لا يكون الغرض منها معالجة آثار التشوه الناجم عن الحوادث أو التغلب على العيوب الخلقية، إلا أن تلك النظرة الدينية لم تؤثر قَط على انتشار عمليات التجميل بأشكالها المختلفة للنساء والرجال، حتى في أكثر المجتمعات تشدداً وتمسكاً بالدين والتقاليد المحافظة مثل إيران والسعودية.

في ظل مجتمعات تعاني بشكل كبير من اضطرابات في الهوية لا عجب من أن نرى تناقضات كبيرة في الآراء حول عمليات التجميل. أضف إلى ذلك حالة الانبهار بالنجوم والمشاهير وتحولهم إلى أيقونات للجمال يحاول الجميع تقليدها. عندما بدأ يذيع صيت عمليات التجميل بشكلها المتطور، أذكر مدى نبذ المجتمع لأولئك النجوم، وسخريته الشديدة التي وقعت على كل من ثبت قيامه بعمليات التجميل منهم، ولا ننسى هنا بالطبع عناوين الأخبار النارية على مواقع الإنترنت "شاهد قبل الحذف صور الفنانات قبل وبعد عمليات التجميل.. لن تصدق ما ستراه". فقد كان هذا النوع من العناوين يجذب جمهوراً كبيراً من الناس يرغبون في رؤية حقيقة النجوم ورموز الجمال بمظهرهم الأصلي قبل عمليات التجميل وهم يشبهوننا في حياتنا اليومية، أذكر أنني كنت أرى تعليقات جارحة جعلتني أشعر حقاً بالأسى على الطرفين.

 لم يدرك أصحاب تلك الأخبار والتعليقات أنهم بذلك يساهمون في نشر ظاهرة عمليات التجميل أكثر فأكثر بعد أن كانت منتشرة في البداية لفئة المشاهير فقط، أصبحت عمليات التجميل معروفة بعد ذلك لعدد أكبر من الناس يرون نتائجها أمام أعينهم على شخصيات عامة في مجتمعاتهم تحظى بالمال والشهرة والاهتمام. وهو ما ربط بين الجمال والشهرة والنجومية، ولذلك رغب البعض في الوصول إلى نفس مستوى جمال النجوم والمشاهير حتى يصلوا إلى مراكز أعلى في المجتمع ويحصلوا على نفس الشهرة والثراء الذي وصل إليه هؤلاء.

كذلك أثرت التعليقات الساخرة والتنمر بشكل غير مباشر على شعور الناس بضرورة أن يكونوا أجمل مما هم عليه لتجنب التعرض إلى نفس السخرية والتنمر الذي تعرض إليه النجوم الأقل جمالاً والأكبر سناً، فالتقييم كان حاداً جداً.

التنمر ووسائل التواصل الاجتماعي

أصبح ما يقوم به الناس من تنمر بدون وعي سلاحاً موجهاً ضدهم وضد أبنائهم، خصوصاً بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية. فقد كانت التقييمات المستندة على المظهر سابقاً أقل حدة واقتصرت في أغلب الأوقات على المشاهير فقط، ولكن مع ظهور وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، اتسعت دائرة التقييم لتشمل أعداداً أكبر من مستخدمي تطبيقات مثل إنستغرام وتويتر وفيسبوك ويوتيوب وسناب شات. رفع ذلك نسب التعرض إلى التنمر والأحكام السلبية والتقييمات من قِبل مجموعات المتابعين بشكل أكبر، وهو ما يؤثر على الصحة النفسية وثقة الأفراد في ذاتهم ونظرتهم إليها، خصوصاً بالنسبة للشباب والمراهقين الأكثر استخداماً لمواقع التواصل والأكثر تأثراً بتلك الثقافة والراغبين في الحصول على المزيد من الشهرة والمديح من خلال صفحاتهم الشخصية، وكذلك التعبير عن كل ما يدور في رؤوسهم حتى لو كان مؤذياً لغيرهم.

نذكر هنا حادثة العروس التي تعرضت للتنمر في يناير الماضي، بعد أن نشر جيرانها في منطقة روض الفرج بالقاهرة بعض الصور ومقاطع الفيديو من العُرس، ظهرت فيها العروس بمكياج لم يعجب رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فانهالت عليها التعليقات الساخرة بسبب مظهرها حتى تسبب كل هذا التنمر في فسخ خطبتها مع العريس الذي نصحه أصدقاؤه بالقيام بذلك.

يقيّم الناس بعضهم البعض على أساس معايير موحدة للجمال، رغم أنه من غير المنطقي أبداً أن تكون معايير الجمال والأذواق للبشر موحدة، فهم مختلفون ولهم أصول وأعراق تميزهم عن بعضهم البعض، فكيف إذاً توحدت تلك المعايير وصار هناك شكل ثابت للجمال يتجلى في العيون الواسعة الملونة وبياض البشرة والخدود البارزة والشفاه الممتلئة والشعر الحريري. تلك المعايير تطبق بصرامة ويجري توحيدها لدرجة أنك إذا تنقلت بين قنوات الفيديو كليب، ستشعر كأنك ترى الوجوه ذاتها عدة مرات، لكن تكتشف مع تتر الأغنية أن الوجوه واحدة والأسماء مختلفة، هؤلاء فنانون وفنانات مختلفون ولكنهم خضعوا لنفس عمليات التجميل ليخرج جميعهم بنفس الشكل والنتيجة، فلم تستطع حتى التفريق بينهم.

من استعمار الأرض إلى استعمار الوجه 

من وجهة نظري الشخصية، يقع اللوم تاريخياً على الأنظمة الاستعمارية القديمة ومن بعدها ثقافة التسليع التي تعتمد عليها الأنظمة الرأسمالية حتى الآن، في خلق معايير الجمال تلك وفرضها على المجتمعات بغض النظر عن ثقافتها وعرقها، ومن ثم تحويل الجمال إلى سلعة يمكن اقتناؤها وإلى هدف يمكن الوصول إليه عبر عمليات التجميل.

كرّست الأنظمة الاستعمارية بمختلف أشكالها وصورها البدائية والمتطورة لأفكار مثل العبودية والعنصرية، بوجود بشر من الدرجة الأولى هم المُستعمِرون الأقوى من حيث العتاد والسيطرة، وبشر من الدرجة الثانية وهم المُستعمَرون الذين نُهبت ثرواتهم وقوة عملهم وأُنكرت حضاراتهم ومجتمعاتهم وثقافاتهم المختلفة. فأصبح القوقازيون البيض هم المسيطرون على أجزاء كبيرة من عالمنا، يرون أنفسهم أكثر قوة وذكاءً وجمالاً، وبناء على تلك النتائج التاريخية لا تزال الدول الاستعمارية القديمة هي الأكثر تقدماً إلى الآن، وهي المسيطرة بشكل أكبر على الأسواق العالمية، بما في ذلك سوق الثقافة. ولأن الجمال منتج ثقافي في نهاية المطاف، استطاعت تلك الدول فرض معايير الجمال ومحددات الجسد المثالي باعتبارهم ثقافة عالمية لكل البشر، رغم أن تلك المعايير ناتجة عن التفاعلات الداخلية للمجتمعات الغربية، لكن تم تعميمها على كافة الحضارات والمجتمعات المستعمرة بشتى الطرق.

لدرجة تعرض النساء في إفريقيا للكثير من الضغوطات لتفتيح لون البشرة باستخدام كريمات التفتيح وبعض الوصفات منزلية الصنع. فهناك أيضاً يتم تقسيم البشر بحسب درجات بشرتهم السمراء، ويتحكم لون البشرة في مسار حياتهم المهنية والاجتماعية، وللأسف يؤدي الإكثار من استخدام منتجات تبييض البشرة في تلك البلدان إلى العديد من المشكلات الصحية والمضاعفات الخطيرة التي قد تؤدي إلى الوفاة في بعض الحالات. 

يعتمد النظام الرأسمالي بشكل أساسي على السوق العالمي الحرّ المفتوح والتنافسية وإمكانية تسليع أي شيء وتحقيق أعلى ربح ممكن، ما جعل العالم يدخل مرحلة انفتاح أكبر تندمج فيها الثقافات المختلفة مع الثقافة الغربية للدول الرأسمالية الكبرى (وهي نفسها الدول الاستعمارية القديمة). لكن حالة العولمة المصحوبة بعملية الانفتاح الحر تلك، غير عادلة. إذ لا تنال فيه كافة الثقافات والأعراق نفس الفرصة، ولا تتشارك الإمكانيات لتسويق منتجاتها الثقافية والمادية. لينتج عن ذلك الوضع المختل، تعميم وفرض من الاقتصادات الأقوى (الغربية بطبيعة الحال) لثقافتها على المجتمعات ذات الاقتصادات الأضعف. 

مع ظهور التلفاز والإنترنت، وجد النظام الرأسمالي فيهما الدجاجة التي تبيض له ذهباً، حيث انتشرت الإعلانات من خلالهما بالتزامن مع الانفتاح على الثقافة الغربية التي طغت على غيرها من الثقافات، ونقلت معها معايير الجمال والأذواق الغربية التي رأيناها في الأفلام والمسلسلات والإعلانات والمجلات وصور عارضات الأزياء، حتى أصبح من الطبيعي في أفلامنا أن نرى مشاهد عنصرية واضحة مغلفة في إطار كوميدي تعتمد على السخرية من أصحاب البشرة السمراء وأصحاب الجسم الممتلئ وقصار القامة، وحتى طوال القامة، وكل من هو مختلف عن النموذج المثالي للجمال الذي نراه مبهراً على الشاشات والمجلات والإعلانات.

المرأة.. سلعة تجارية 

تتعرض المرأة للقدر الأكبر من الضغط في دوامة التسليع وعمليات التجميل، يرجع ذلك إلى تحولها في حد ذاتها إلى سلعة، مع زيادة استغلالها جنسياً كورقة رابحة في الإعلانات وبرامج الترفيه والأعمال الفنية والسينمائية الهابطة وفي الأفلام الإباحية التي تظهر فيها النساء وحتى الرجال بأجسام ووجوه مُعدّلة وبعيدة كل البعد عن الواقع، ذلك لتحقيق الأحلام والرغبات الجنسيه الفانتازية للمشاهدين من خلال الاستمتاع برؤية النساء الفاتنات على الشاشة بأجسام مثالية. 

وضعت هذه العوامل ضغطاً على كلا الجنسين للحصول على الجسم المثالي والقوام الممشوق والوجوه الفاتنة، وخاصة على المرأة التي يقع عليها العبء الأكبر في ضرورة الحفاظ على جمالها طوال الوقت وإلا ستقع فريسة القيل والقال. وقد يضيّع ذلك عليها الكثير من الفرص المهنية والعاطفية والاجتماعية، إذ إن الجمال أصبح المعيار الأساسي الذي يتم تقييم المرأة من خلاله، على عكس الرجل الذي "لا يعيبه سوى جيبه" كما يقول المثل الشهير.

لذلك نجد إقبالاً كبيراً على عمليات التجميل الجراحية مثل عملية تكبير الثدي التي احتلت المرتبة الأولى ضمن قائمة عمليات التجميل المختلفة بحسب إحصائيات الجمعية الدولية للجراحة التجميلية (ISAPS)  في 2016 بنسبة 15.8%  لتزداد إلى 19%  في 2017، ويليها عمليات شفط الدهون بنسبة 14%. فيما جاءت عمليات حقن البوتوكس في المرتبة الأولى للعمليات التجميلية غير الجراحية بعدد أكثر من 4 ونصف مليون عملية حول العالم في 2016 (وهي عمليات حقن لتكبير بعض مناطق الوجه مثل الجبين والخدود والرقبة لإخفاء علامات الشيخوخة والتجاعيد)، وتزداد هذه الأرقام والنسب بشكل مطرد كل عام.

الأسوأ من كل ذلك هو أن معايير الجمال أصبحت سلعة تتأثر بالموضة في كل عام، ولا يأبه معظم من يخضعون لعمليات التجميل للمخاطر التي قد يتعرضون لها أثناء إجراء العمليات، ولا يفكرون حتى في احتمالية فشلها ومن أشهر هذه الحالات، حالة الفنانة إليسا التي تعرضت للتنمر لسنوات بسبب عمليات نفخ الشفاه التي أجرتها وأثرت نتائجها على مظهرها بالسلب، والتاريخ الحديث مليء بهذه القصص المأساوية.

إدمان عمليات التجميل

قد يرى البعض في عمليات التجميل مساهمة في العلاج النفسي لمرضى الحوادث والتشوهات أو أصحاب العيوب الخلقية، وهم من يحتاجون إلى إصلاح الخلل ليشعروا بالرضا عن حالهم ومظهرهم ويعودوا للاندماج مرة أخرى في المجتمع، ولكن الأمر قد لا يمر بهذه البساطة دائماً.

للأسف يقع الكثيرون ممن يخضعون لعمليات التجميل في فخ إدمانها، يصدقون بأنه يمكن أن يقوموا بتغيير شكلهم عدة مرات، أو حتى لعدم رضاهم عن نتائج عمليات التجميل، ويكون تفسير تلك الحالة في أغلب الأوقات نفسياً أكثر من كونه جسدياً، ويرجع ذلك في أغلب الأوقات إلى اضطرابات الشخصية النفسية، فيشعر الشخص بأنه أقل من غيره ولا يستطيع الاندماج مع المجتمع. قد ينصب هذا الهوس في جزء واحد من الجسد أو الوجه، وقد يختلف ويتبدل مع الوقت، وفي أغلب الحالات قد يأتي هذا الهوس لأسباب جينية وراثية أو اجتماعية أو بسبب خلل ما في كيمياء الأعصاب، ودائماً ما يعلق هؤلاء الأشخاص أملاً كبيراً على مظهرهم الخارجية في تحسين أوضاعهم الاجتماعية والمهنية والعاطفية، وهنا يأتي دور أطباء التجميل في تشخيص ومعرفة هذه الحالات قبل الإقدام على إجراء الكثير من عمليات التجميل لهم.

وللأسف لا يهتم الكثير من أطباء التجميل لهذه الأغراض، فالمكاسب المادية التي يحققونها من وراء هذه العمليات تطغى في معظم الأحيان على أي شيء آخر.

وفي النهاية لا ينفي هذا الكلام أبداً إيماني بحرية الأفراد في اختيار مظهرهم وهويتهم واختيارهم القيام بعمليات التجميل من عدمه، وذلك في حالة ثبوت عدم تعرضهم لهذه الاضطرابات أو إدمانهم على عمليات التجميل، فقد أقوم أنا شخصياً بإجراء عمليات تجميل في المستقبل، مَن يدري؟

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
ميادة سمير
كاتبة مصرية
كاتبة مصرية
تحميل المزيد