هوس مرضي واكتئاب وضعف الثقة بالنفس.. ماذا تعرف عن آثار سناب شات على النساء؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/07/23 الساعة 11:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/23 الساعة 12:06 بتوقيت غرينتش

جمال الروح ينعكس دائماً على المظهر الخارجي

الكاتبة الفرنسية جورج ساند

تلك مقولة لا تستقيم في زمن إنستغرام وسناب شات والسيلفي وتطبيقات الجمال المثالي، التي باتت لا تغيب عن الهواتف الذكية التي بحوزتنا. العديد من الدراسات أكدت أن هدف التقاط صور سيلفي جميلة هو أهم ما يرنو إليه المستهلك في الهاتف هذه الأيام. التقاط صورة جذابة ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي تحدد إن كان صاحبها وسيماً أم لا؟

أو بالأحرى هل يتوافق جمال صاحب الصورة مع مقاييس الجمال المتفق عليها أم لا؟

زمن الـBeauty trends

اتجاهات الجمال أو "Beauty trends" مصطلح طالما ارتبط بعالم الموضة والتجميل، ومع طفرة التكنولوجيا اكتسح هذا المصطلح وسائل التواصل الاجتماعي وبات يحدد معايير الجمال النسائي المتفق عليه ويحفز رائدات ورواد تلك المنصات على أن يكنّ جميلات وجذابات من خلال رفع قدرة الاستجابة للجمال المثالي الذي يقوم على شفاه مكتنزة وأنف صغير وأثداء ممتلئة وخصر ضيق وأرداف بارزة. 

طفرة الصورة والتكنولوجيا شجعت مرتادي تلك المنصات على نشر صورهم والتنافس لبلوغ درجة "الجمال المادوني" أو  "الجسد المادوني" وهو الشكل الذي تسعى أغلب الشابات الفرنسيات اللواتي لم تتجاوز أعمارهن 34 سنة للوصول إليه، وفق جريدة الباريسي الفرنسية. 

كيف يدمر سناب شات الثقة في النفس؟ 

"انتظري لا تنشري الصورة قبل تعديلها بتطبيق لأنني أبدو قبيحة جداً".

ترد صديقتها: "لا، لا تبدين قبيحة، بل أظن أن الإشكال هو أن شفتك السفلى تبدو أقل اكتنازاً".

كان ذلك حواراً بين صديقتين بعد التقاط صورة سيلفي في أحد المقاهي.

يبدو النقاش حول القبح في الصورة عادياً لدى هؤلاء، فالعديد من المراهقات تزعزعت ثقتهن بأنفسهن وفي أجسادهن وأشكالهن، وبات هوس "أن تبدو جميلة أمراً خارجاً عن السيطرة" لأن تلك التطبيقات أصبحت بطريقة غير مباشرة تسلط الضوء على عيوب كل جسد منا. فبات الكل يرى عيوباً في جسده من خلال تلك التطبيقات على غرار النحافة والسمنة وقصر القامة أو طولها الفارع وشكل الأنف والهالات السوداء وحجم العين والحواجب. 

من الناحية الأخرى، تحظى الوجوه والأجساد التي تبدو جميلة على إنستغرام وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي بالكثير من الإعجابات والمشاركات والتعليقات اللطيفة، وكأن وسائل التواصل الاجتماعي بصدد تقديم هدايا وامتيازات لمن تبدو الأجمل على صفحاتها ولمن قضت الوقت الكافي وهي تنقر على جهازها لتعدل صورتها لتبدو الأكثر جاذبية.

ومن خلال البحث المطرد عن الصورة المثالية يتكون لدى الفرد شعور بالنقص والقبح وعدم الرضا عن الشكل وعدم الراحة وانعدام الانسجام مع الجسم، ولا سيما لدى المراهقين والمراهقات ممن لم يبلغوا سن النضج بعد ولا تزال أجسادهم في مرحلة النمو والتشكل. وهذا ما تؤكده دراسة أمريكية صدرت في 2017 جاء فيها أن  42% ممن قاموا بعمليات تجميل كانوا يسعون للظهور بشكل جميل لدى التقاطهم لصور السيلفي، كما جاء أيضاً في دراسة فرنسية لمجلة "ماري كلار" أن أكثر المقبلين على عمليات التجميل في فرنسا يسعون إلى أن تبدو أشكالهم مطابقة لصورهم على تطبيقات سناب شات.  

تشوّه/تحوّر سناب شات 

Dysmorphia snapchat أو"تشوّه/تحوّر سناب شات" صاغ هذا المصطلح طبيب التجميل البريطاني "تيغو ايشو" بعد أن لاحظ تغييراً في سلوك المرضى الذين يرتادون العيادة. قديماً كان يأتي راغبو التجميل بصور للمشاهير بغية تقليد أشكالهم، لكن حديثاً أصبحوا يأتون بصور شخصية لهم عليها بعض المؤثرات التجميلية من تطبيق سناب شات. 

تشوّه سناب شات هو حالة اضطراب تنتاب الفرد من خلال صورة جسم يتميز بالحاجة إلى تعديل الصورة الرقمية الخاصة به بشكل كبير، وفي أغلب الأحيان، قد يتسبب هذا الاضطراب في بحث الأشخاص عن إجراءات تجميلية من أجل نسخ الصور المعدَّلة التي يعرضونها على الإنترنت. 

كما تُعرف واشنطن بوست "تحوّر سناب شات" على أنه شكل من أشكال اضطراب تشوه الجسم أو اضطراب جسدي. ويقصد بذلك حالة من الاضطراب العقلي تعود إلى "هوس الأفراد بخلل واضح في المظهر لا يمكن رؤيته للآخرين أو قد يبدو طفيفاً"، بالإضافة إلى أن الأفراد الذين يعانون من اضطراب التشوه الجسدي يميلون إلى الهوس بمظهرهم وصورة أجسادهم المثالية. 

وبما أننا نحيا في زمن طفرة التكنولوجيا وضجة الصورة الرقمية فلقد بات من الصعب حماية الشباب من تأثير هذا الهوس عليهم، لأنهم ترعرعوا في عصر المنصات الاجتماعية التي باتت تؤثر على مدى تقديرهم لذواتهم من خلال ارتفاع عدد المتابعين لهم وحجم الإعجاب والمشاركات الذي يرتبط أساساً بالمثل العليا للجمال ومدى مطابقة الجسد لتلك المُثل. ويؤكد علماء الاجتماع في العالم، حسب منظمة Body Dysmorphic Disorder، أن تحوّر سناب شات أو شذوذ البنية في سناب شات ليس بالهوس العادي أو المار، بل هو اضطراب نفسي سببه عدم قبول الفرد بشكله الحالي وسعيه لتحسينه أو جعله مواكباً لصورة افتراضية. وقد حددت المنظمة مخاطر الظاهرة والمشاكل المنجرة عنها في النقاط التالية:

  • الكآبة

غالباً ما يرتبط  اضطراب الجسد هذا بأعراض الاكتئاب التي تصل إلى مضاعفات نفسية. ومع ذلك، فإن الشخص المصاب يتنكر لذلك وينفي حالة الحزن وعدم الراحة التي تعتريه دائماً. ولاسيما حالة الانخفاض الحاد في مستوى تقدير الذات، الأمر الذي يجعل المصابين به ينتقدون أنفسهم بشدة ويعاقبون أنفسهم دون سبب. 

  • الرهاب الاجتماعي

غالباً ما يرتبط اضطراب التشوه الجسمي بالقلق الاجتماعي، وينبع هذا القلق من الخوف من أن يحكم الآخرون سلباً على الفرد بناء على شكله وجسده. فالذين يعانون من الرهاب الاجتماعي لديهم هوس كبير بمظهرهم وكيف يبدون أمام الناس، وبالتالي يظهر عليهم قلق ومخاوف من أن تكون سلبياتهم على مرمى من أعين الناس، الأمر الذي قد يظهر عليهم أعراض القلق كاحمرار الوجه، أو المبالغة في التودد والقيافة أو القيام بأفعال غريبة الأطوار. 

  • الوسواس القهري 

من مشاكل تشوه الاضطراب الجسدي هو الهوس المفرط بالشكل المنظم والمتفرد كأن يسعى الفرد لأن يكون عدد خصلات شعراته متساوية ولها نفس الارتفاع ونفس درجات التموج دون نقصان أو زيادة سنتيمتر واحد، بالإضافة لعناية هؤلاء المبالغة بها في نظافتهم ووسواسهم من التلوث. 

  • اضطرابات الأكل

تعود اضطرابات الأكل إلى الانشغال المفرط بالسيطرة على الوزن أو الشكل، وذلك المرض عادة ما يصيب عارضات الأزياء اللواتي يواجه البعض منهن فقدان الشهية للأكل ونقص الفيتامين وضعف المناعة. قد تأتي تلك القيود الغذائية بنتائج وخيمة على الفرد وقد تزيد في العيوب الجسدية التي لا تتعلق بالوزن بل بشكل العضلات وتناسق الجسد.

  • اضطراب انتقاء – الجلد

اضطراب انتقاء – الجلد وهو حالة مرضية تشير إلى الرغبة المتكررة والمُلحة لتغيير الجلد، وهذا ما يرتبط دائماً بأصحاب اللون البني أو الأسمر أو الأسود ممن يرغبون بتفتيح ألوان بشرتهن باستعمال مراهم تفتيح وتبيض بشرة، مما يؤدي إلى آفات جلدية وتفشي الأمراض السرطانية.

كذلك قد يقوم بعض الأفراد بالعمل على تغيير الملامح العادية التي تظهر على الوجه أو أي منطقة أخرى من الجسد مثل النمش أو الشامات أو حب الشباب أو بعض القروح، من خلال استخدام الأظافر أو ملاقط أو دبابيس أو أي أجهزة أخرى. وكنتيجة لذلك، يمكن أن يؤدي الأمر إلى النزيف والكدمات والالتهابات وفي الحالات القصوى، قد يؤدي ذلك إلى قروح دائمة وتشوه في الجلد.

غالباً ما يكون انتقاء الجلد مصحوباً بشعور بالراحة أو حتى المتعة بسبب انخفاض القلق أو الرغبة. قد يبذل الأفراد جهوداً كبيرة لتمويه الأضرار التي تعرضوا لها  من خلال استخدام الماكياج والملابس التي تغطي العلامات على الجلد وتجنب المواقف الاجتماعية في محاولة منهم  لمنع الآخرين من رؤية ندوبهم. 

ضد الجمال البلاستيكي 

إن الهوس بالصور المعدلة إلكترونياً يجعل الفرد يحلم بشيء غير قابل للتحقيق، لأن الجمال الخارجي المرتبط بالإنترنت والعوالم الافتراضية شيء غير ثابت، بل يرتبط بالموضة وأحدث التقليعات، ويعمد على ما تمليه شركات التجميل والإعلانات التي فاقت عائداتها المليارات من الدولارات في سوق صناعة الجمال. جمال يوصف بالجمال البلاستيكي الخالي من كل روح، بل جمال يقتل فينا حبنا لذواتنا ولمكامن الجمال فينا، كالصدق والحب والفرح والرضا بما نمتلك.

يقول الشاعر عبدربه حسين الملجمي عن الجمال:

ما يفيد الوجه لو فيه الجمال  **  إذا جمال الروح معدوم الأثر

وما يفيد القول من دون الفعال  **  ولا يكون الفعل إلا لو ظهر

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مها الجويني
كاتبة وباحثة تونسية
مها الجويني كاتبة ومدونة تونسية مقيمة في الصين، باحثة في مجال الذكاء الصناعي والفن. عملت في حملة مفوضية الاتحاد الإفريقي لإنهاء زواج الأطفال، مدافعة عن حقوق الإنسان وحقوق الشعوب الأصيلة. حصلت على العديد من التكريمات الدولية وتعتبر من أهم القيادات الشابة في إفريقيا والمنطقة العربية
تحميل المزيد