تراكمت الرسائل والفيديوهات -في تطبيق"الواتس" عندي- ولم أستطع فتحها لشدة انشغالي، حتى تجاوزت المئات، فقلت أسمعها أثناء سفري الطويل، وفعلاً وحين انطلقت بي الطائرة -في رحلة التسع ساعات- بدأت على الفور وفتحت أولها، فرأيت زوجاً يستفسر عن حكم تغطية الوجه، ويسأل: وإن رفضت زوجته تغطية وجهها هل يطلقها؟
أجابه الشيخ: "يجب على المرأة ستر وجهها لأنه أعظم عورة في الجسم، والأنظار تتجه إليه، والشعراء تغزلوا به. فالوجه فتنة عظيمة فيجب على المسلمة ستره"!؟ ثم أكد الشيخ للسائل: "ولا تلتفت للمشوشين الذين يشككون فيه ويقولون فيه خلاف، لأن دينها ألزمه عليها، فلا تلتفت إلى هذه الترهات التي تشاع الآن، وتركه سبيل لضياع العفة، وإن عصت وأبت فلا يجوز أن تمسكها ولتطلقها لأن هذه معصية".
وبهت أنا من جوابه: شيخ ويفتي بأن الوجه أعظم عورة في الجسم (فهل كشف الفخذ أخف حرمة من كشف الوجه!؟).
وأخذت أحلل بقية كلامه:
حيث قال "تغزل الشعراء به"!؟
فهذا ليس حجة لتغطيته، فقد تغزل الشعراء بكل شيء، هذه صنعتهم، بل الغزل كانوا عادة يبدؤون به القصائد، وقد لا يكون لامرأة محددة.
ولقد تجرأ الشيخ وأفتى بأن غطاء الوجه فرض وواجب، وضرب بقول الجمهور، والمذاهب الأربعة عرض الحائط!؟
وأما قوله: "إذا كشفت المرأة وجهها ذهبت عفتها"؟!
أليس هذا الكلام كبيراً، وأليس فيه اتهام ومبالغة؟!
وأما تشجيع الزوج على طلاقها لمجرد كشف الوجه فهو كارثة حقيقية، واستخفاف بالطلاق؟!
لم يعجبني الفيديو، ورأيت قوله عجيباً حقاً، وفتواه غريبة.
– فتحت فيديو آخر، فسمعت شيخاً آخر يعظ فقال: "أحياناً يكون قيام الليل شهوة، وبكاء الخشوع شهوة"! وضرب مثلاً فقال "من السنة صلاة المرأة في بيتها، بل في غرفتها.. ولكن النساء لا يسمعن، وهُنَّ هنا الآن معنا في المسجد يطالبن بأن يصلين التراويح في السدة التي أخذها الرجال؛ ولقد شاهدتُ الأخوات يصلين خارج الجامع (لأن الرجال أخذوا مكانهن) والشباب على بعد أمتار منهن يتسكعون بالشارع، ويدخنون ويتكلمون بالموبايلات، الفتيات يصلين ويبكين تأثراً بالقرآن، والشباب يتبادلون الرسائل ويراقبونهن، وهن خاشعات في غطاء الصلاة الأبيض كالملائكة" وختم مستنكراً "فبأي دين تتعبدين الله أيتها المرأة؟ والرجال ينظرون إليك وقد يفتنون بك".
والتعليق:
السدة في الأصل مخصصة للنساء، فبأي حق يأخذها الرجال منهن ويتركونهن بالشارع؟ وعلام يستغرب من طلبهن استرجاعها والصلاة فيها، أليس أفضل من الطريق؟!
وبدل أن يلوم الشيخ الشباب الذين يدخنون ويتسكعون، وضع لومه على المرأة الخاشعة التي تبكي وتصلي!؟ بل اتهمها بأنها تخرج شهوة، وتبكي شهوة!؟
حتى العبادة والتقرب من الله، والذهاب إلى المساجد.. يريدون حرمان المرأة منها بحجة أنها فتنة وعورة (مع أن هذه الألفاظ فيها إهانة، ومأخوذة من نصوص لم تصح).
وإنهم كما يصورون القط في أفلام الكرتون أنه يتخيل كل شيء طعاماً وفروجاً مشوياً، فيركض خلفه، فإني أتخيل أحياناً أنهم يرون علاقة المرأة والرجل على هذه الشاكلة، وكأن المرأة ليست في نظر بعضهم إلا دمية للمتعة، والرجل يتخطفها بمجرد أن يراها، كأنه لا حول له ولا قوة!
وهذا فيه إساءة للرجل والمرأة، فيتهم هو بالضعف وهي بالتفلت!
ولقد طوفت في الأرض وسافرت للشرق والغرب، وكنت خلال ذلك أنظر حولي وأسأل وأتقصى، فأرى المرأة موجودة في كل مكان، وتمشي بين الرجال فلا تفتنهم، ولا تسمع كلمة مؤذية، ولا تحظى بنظرة وقحة (مع أنها بلا حجاب وبثياب خفيفة)، كلهم يمضي في طريقه، مشغول بنفسه وعمله. والمرأة كيان محترم في مجتمعهم، ولها وجود وبصمات في الحياة العملية.. فلماذا لا يراها عورة وفتنة وشراً إلا بعض المسلمين؟! ولماذا إذا رأوها (وهي متحجبة ومحتشمة) ضعفوا وفرطوا؟! أليس هذا مرضاً يحتاج لعلاج؟
ولا تقولوا لي عن فساد تلك البلاد، فإن بلادنا لا تخلو من الفساد ورغم سد الذرائع والاحترازات، ألم تجرب بعض البلاد غطاء الوجه والتشدد.. ورغم ذلك لم ينجوا من التفلت والشذوذ وزنى المحارم.
والخلاصة والفكرة:
صلاح المجتمع يكون بصلاح الطرفين، فعلام أصبحت المسؤولية على النساء وحدهن؟! وإن هذا التضييق يحرج ويخرج، فالمرأة كائن بشري، يحتاج للتنفس والخروج لقضاء الحاجات والعبادة، فكفى حصاراً، وكفى إهانة واتهامات، نحن لنا دورنا بالحياة، في التعلم وفي التربية وفي الدعوة، وكله يحتاج للخروج، وأحياناً للتعامل مع الرجال.
ولقد أمر الله الجميع بأن يسيطروا على شهواتهم ويغضوا من أبصارهم، ويتحلوا بالحياء، فذلكم العلاج.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.