الرضاعة تساعد في حل أزمة المناخ، هذا ما سُلِّطت الأضواء عليه مؤخراً في خضم النقاش حول كيفية مواجهة أزمة المناخ بأفضل طريقة، بوصفها طريقةً بارزة يمكن أن تساعد بها النساء في إحداث فرق.
ولكن برغم انعدام الشكوك حول أهمية الدور الذي يمكن أن تضطلع به الرضاعة الطبيعية، يجب أن يُتوخى الحذر في إيصال هذه الرسالة.
فإخبار النساء بأن الرضاعة الطبيعية ستساعد في إنقاذ الكوكب تغذي الشعور بالغضب والأسى والخسارة، للنساء اللواتي لا يستطعن إرضاع أطفالهن طبيعياً.
على سبيل المثال، وحسب ما نشره موقع The Conversation، تحظى بريطانيا بأحد أقل معدلات الرضاعة الطبيعية في العالم، ولكن ليس بسبب قلة الرغبة.
فمعظم النساء اللاتي يرغبن في الرضاعة الطبيعية -لكنهن عاجزات عن ذلك- تأثرن بعوامل خارج سيطرتهن، وتُحبطهن بعمق أي رسالة تفترض أن عليهن المحاولة بجد أكبر.
وعليه، نظراً إلى هذه العواقب، فإخبار النساء ببساطةٍ بأن الرضاعة الطبيعية مهمة لن يُحدث على الأرجح أيَّ فرق. إلا أن هناك تشابهاً كبيراً في الطريقة غير الفعالة التي تُتناول بها أزمات المناخ والرضاعة الطبيعية في وسائل الإعلام، مع العناوين الانفعالية التي تتحدث عن الحاجة لتحرك الأفراد.
يمكننا بالطبع -نحن الأفراد- أن نؤدي دوراً، لكن التغيير الحقيقي ممكنٌ فقط في حالة الاستثمار على المستوى المجتمعي.
وهذا هو سبب الحاجة إلى الاستثمار الحكومي في الرضاعة الطبيعية لإحداث تغييرات بالسياسة، والصناعة، ومكان العمل، لتيسير وجود كوكب وسكان أكثر صحة.
الرضاعة تساعد في حل أزمة المناخ لناحية التكلفة البيئية
لم يُكشَف الجانب العلمي الذي يختص بالتغير المناخي والرضاعة الطبيعية إلا حديثاً. تستخدم الرضاعة الطبيعية مصادر مائية وأرضية قليلة، ولا تنتج عنها أي انبعاثات كربونية، وتنتج نفايات قليلة أو منعدمة. هذا بالإضافة إلى أنها تعيق التبويض، وتساعد في تقليل حجم العائلات وتحافظ على صحتها، وهو ما قد يحمي موارد الأرض بدرجة أكبر من التأثير البشري.
وقد أظهرت دراسةٌ حديثة بالفعل أن الرضاعة الطبيعية ستة أشهر توفِّر من 95 إلى 153 كيلوغراماً من انبعاثات الكربون المكافئة في حالة الطفل الواحد مقارنة بالرضاعة الصناعية.
ولو تلقى كل الأطفال في بريطانيا رضاعة طبيعية مدة ستة أشهر فقط، فإن وفورات انبعاثات الكربون ستعادل إزالة ما بين 50 ألف و77.500 سيارة من الطريق مدة عام.
وتظل هذه البيانات صحيحة حتى لو أخذنا في الحسبان احتياجات النساء الغذائية الإضافية الصغيرة للرضاعة الطبيعية.
قُدِّرَت البصمة المائية للحليب المجفف وحده بـ4700 لتر ماء لكل كيلوغرام حليب مجفف.
فضلاً عن أن التركيبة الغذائية للبن الأطفال تُكمل بمكونات إضافية مثل زيت النخيل، للاقتراب من المعادن والفيتامينات المطلوبة التي يحتاجها الأطفال للنمو والتطور.
وبرغم تصريحات الصناعة بتخضير سلاسل توريدها، فإن حديث شركة نستله الأخير عن الانقطاع المؤقت عن مبادرة "الطاولة المستديرة لزيت نخيل مستدام" يسلط الضوء على أوجه القصور المحتملة في الاستدامة داخل صناعة الأغذية العالمية.
وتقلل مسافات سفر الغذاء والمخلفات واستهلاك المياه
يوجد من 40 إلى 50 مصنعاً فقط لتجهيز تركيبات الرضع في العالم كله.
ولا تُعرف حتى الآن مسافات سفر الغذاء المستهلَكة في نقل المكونات الخام إلى هذه المصانع، ثم نقلها إلى المستهلكين حول العالم، لكنها هائلة بوضوح.
تستهلك تهيئة طعام الرضع الموارد أيضاً، لأن أغذية الرُّضع المجففة غير معقمة، ولا يمكن تجهيزها بأمان إلا باستخدام مياه مغليّة عند درجة حرارة 70 درجة مئوية.
وتعادل تكلفة الطاقة المقدَّرة في بريطانيا لغلي هذه المياه طوال السنة الأولى في حياة الطفل، ما يزيد عل 1.5 كيلوغرام من ثاني أكسيد الكربون.
أما بالنسبة للمخلفات، فتُظهر دراسة أن هناك 550 مليون علبة معدنية من أغذية الرضع، و86 ألف طن من المعدن، و364 ألف طن من الورق- تُضاف إلى مدافن القمامة كل عام، وقد تضاعف حجم صناعات أغذية الرُّضع منذ أن نشرت هذه الدراسة عام 2009.
يضاف إلى ذلك أن غياب الرضاعة الطبيعية عادةً يعني عودة دورة النساء الشهرية أسرع. وبالنظر إلى أن كل امرأة ببريطانيا تستهلك في المتوسط 264 فوطة صحية وسدادة قطنية مهبلية كل عام، فالرضاعة الطبيعية تقلل أيضاً عدد الألياف القطنية وبلاستيكات البولي إيثيلين، والملوثات المستخدمة في صناعتها.
قرار الأم لا يكفي.. على الدول تسهيل الرضاعة
لا شك في أن معرفتنا بالأمر كله تشوبها ثغرات واضحة، يتحتم على العلماء تغطيتها بشكل عاجل.
لكن الواضح أن تقليل اعتمادنا على أغذية الرُّضع بقدر الإمكان يشكّل خطوة مهمة فيما يتعلق بالمساعدة في تخفيف أزمة المناخ.
ولكن ما الجدوى من هذه الرسالة في نظام يفشل في دعم الأمهات المرضعات؟
تحتاج النساء البيئة المناسبة والدعم الملائم، من أجل ازدهار الرضاعة الطبيعية.
بيد أنه مع استمرار توجيه الرسائل بأن هذه هي الطريقة التي تُرفع بها معدلات الرضاعة الطبيعية، تفشل الحكومة في الاستثمار في هذا بشكل كافٍ.
وفي النهاية، ليس من الواجب توجيه الرسائل إلى فرادى النساء حول إبراز الدور الذي يمكن أن تضطلع به الرضاعة الطبيعية في حماية كوكبنا.
بل ينبغي أن توجَّه هذه الرسائل إلى أصحاب السلطة، ليُحدثوا التغيير.
فمن أجل زيادة معدلات الرضاعة الطبيعية، يجب على الحكومات الاستثمار في دعم صحي مهني أكبر، وخفض نطاق صناعة بدائل لبن الثدي، والتأكد من أن الأماكن العامة وأماكن العمل لديها سياسات تُمكّن النساء من الإرضاع الطبيعي، وأيضاً زيادة تدابير حماية الأمومة التي تحتاجها النساء لتلبية احتياجات أطفالهن.
ويعني هذا أيضاً التأكد من أن تترك الألبان الصناعية -عند الحاجة إليها- أقل بصمة بيئية ممكنة.
إذ إن استراتيجيات على شاكلة تقليل الاعتماد على حليب الرُّضع سريع التحضير والزجاجات أحادية الاستخدام، والإسراع في منع عديد من الموارد المستخدمة في الترويج لحليب الرُّضع –خاصةً الألبان الصناعية غير الضرورية المخصصة لسن الحَبْو– ومطالبة الصناعة بأن تكون مسؤولة عن تقليل أثرها عن طريق صناعة منتجات قابلة لإعادة الاستخدام مثلاً، قد تشكل هذه الاستراتيجيات خطوات حيوية تحمينا جميعاً، بغض النظر عن الطريقة التي يختارها الناس لإطعام أطفالهم.